المؤامرة .............. الجزء الحادى والثلاثين
.
وفى أثناء الحوار بلجنة متابعة تنفيذ ما تم التوافق عليه بين أطياف الحوار الوطنى،التى أمر الرئيس مبارك بتشكيله ,تطرق الأمر لمصير المسئولين عن الانفلات الأمنى والفراغ الذى حدث يوم الجمعة ٢٨ يناير، فأكد سيد الغضبان، أحد الشخصيات المستقلة التى شاركت فى الحوار، أنه لا يصلح أن يتم احتجاز هذه الشخصيات والمسئولين فقط دون أن يتم إعلان محاكمتهم بأسرع وقت، بل تكون محاكمة علنية وشفافة تعلن نتائجها على الرأى العام، ورد عليه سليمان بأن هذا هو السبيل والطريق الذى تم فعليًا، إلا أن سعد الكتاتنى طالب بمصادرة أملاك وأموال كل من تربح بدون وجه حق واستفاد من سلطته وموقعه الحزبى أو الحكومى فى الفترة الماضية.
الحوار توصل إلى ٦ إجراءات، منها: «تشكيل لجنة تضم أعضاء من السلطة القضائية، وعددًا من الشخصيات السياسية، لدراسة واقتراح التعديلات الدستورية، وما تتطلبه من تعديلات تشريعية لبعض القوانين المكملة للدستور، فى موعد ينتهى فى الأسبوع الأول من مارس، بجانب إعلان الحكومة عن فتح مكتب لتلقى الشكاوى عن معتقلى الرأى من جميع الانتماءات والإفراج عنهم فورًا، مع تعهد الحكومة بعدم ملاحقتهم، أو التضييق عليهم فى ممارسة نشاطهم السياسى، إضافة إلى تحرير وسائل الإعلام والاتصالات، وعدم فرض أى قيود على أنشطتها تتجاوز أحكام القانون، مع تكليف الأجهزة الرقابية والقضائية بمواصلة ملاحقة الفاسدين والمسئولين عما شهدته البلاد من انفلات أمنى خلال الأحداث الأخيرة ومحاسبتهم.
.
وأوضح مصطفى بكرى، البرلمانى السابق، أثناء الحوار - سواء المنفرد أو الجماعي - أن الإعلام الحكومى كان سيئًا وموجهًا ويزيد من حالة الاحتقان فى الشارع، ويتعمد توجيهه.
.
وفى لقاءات يوم الأحد ٦ فبراير بين نائب رئيس الجمهورية وشباب المتظاهرين قال مصطفى النجار: «نحن نقدر اجتماع عمر سليمان معنا بشكل منفصل بعد اجتماع عام مع كل القوى السياسية»، مضيفًا أنهم طالبوا بتحول ديمقراطى كامل وليس إصلاحات جزئية، لكن سليمان رد بالقول: «الديمقراطية تتحقق على مراحل، وأنا حريص على أن تكون هناك فترة تحول سلمى وحكم مدنى».
.
أما الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع، الذى اجتمع باسم الحزب مع نائب رئيس الجمهورية، فقال إنه مع عدد من ممثلى الأحزاب اعترضوا أثناء اجتماعهم مع اللواء عمر سليمان على استمرار بقاء الرئيس مبارك فى منصبه حتى انتهاء ولايته الخامسة فى سبتمبر ٢٠١١، وطالبوا بضرورة تنحى الرئيس الآن، إلا أن سليمان طالب الحضور بضرورة احترام قائد البلاد، لا سيما أن الفترة المتبقية فى ولايته لن تزيد على عدة أشهر، كما أوضح أن تنحى رئيس الجمهورية الآن سيتسبب فى أزمة دستورية خطيرة.
.
أما سامح عاشور، القائم بأعمال رئيس الحزب الناصرى، فتقابل منفردًا مع عمر سليمان السبت ٥ فبراير، ولكنه نقل أن سليمان تمسك بضرورة انتهاء الفترة الرئاسية للرئيس مبارك فى موعدها، مشيرًا إلى أنه لم يقبل أى اقتراحات بشأن هذه النقطة، بدعوى أن وجود الرئيس فى منصبه أمر ضرورى لإجراء الإصلاحات الدستورية، لكنه أوضح أن نائب رئيس الجمهورية أبدى مرونة لقبول مطالب المعارضة، بإضافة تعديل المادة ٨٨ من الدستور إلى قائمة المواد التى سيتم تعديلها فى الدستور، كما أبدى استعداده لإجراء أى تعديلات دستورية تطالب بها المعارضة، كما أن سليمان رفض اقتراحات حل مجلس الشعب، واقترح فى المقابل أن يتم تنفيذ الطعون وتصحيح عضوية مجلس الشعب، باعتبار أن حل مجلس الشعب قد يحول دون تنفيذ الإصلاحات الدستورية، لافتًا إلى أنه من المقرر أن تجتمع جميع الأحزاب غدًا «اليوم التالى» مع نائب رئيس الجمهورية.
.
وأكد أنه خلال الحوار كان لافتًا أن آراء الدكتور حسام بدراوى، الأمين العام الجديد للحزب الوطنى، كانت متطابقة مع رؤية ممثلى أحزاب وقوى المعارضة.
.
أما منير فخرى عبدالنور، السكرتير العام لحزب الوفد، الذى شارك ضمن عدد من ممثلى الوفد، فقال إن الحزب تقدم بورقة باسم الوفد إلى اللواء عمر سليمان، تتضمن رؤية شاملة للخروج من الأزمة، ووصف عبدالنور «سليمان» بأنه مستمع جيد جدًا، مضيفًا أن اللواء سليمان أكد لهم أثناء حديثه المخاطر التى تحيط بمصر، وأن هناك مؤامرات تحاك من أطراف عديدة فى الداخل والخارج، وركز أثناء حديثه على خطورة الموقف الحالى.
.
وكان الحوار يدور بين نائب رئيس الجمهورية، آنذاك، السيد عمر سليمان بعقليته الاستخباراتية والأمنية، وبين قوى سياسية متعددة، وواقع سياسى جديد ومفاجئ لغالب الأطراف، وفى ظل تسارع وارتفاع حدة المطالب السياسية التى تجاوز بعضها الأطراف السياسية المتحاورة ’وفق منطق الاحتواء من قبل نائب رئيس الجمهورية ..
و قامت قوى المعارضة السياسية ، والمحجوب عنها الشرعية القانونية، بإعادة إنتاج ذات أساليبها فى المساومات السياسية الجزئية مع النظام، والتى كانت ترمى إلى تحقيق بعض المطالب التى تستهدف مكاسب سياسية جزئية.
و تطور المطالب السياسية لقوى الاحتجاج الثورى، المتسارع آنذاك، أدى إلى تطور فى مطالب قوى المعارضة بما فيها جماعة الإخوان المسلمين.
.
العملية الحوارية كانت تدور حول المطالب السياسية لأطرافها، بينما كان ضغط القوى الاجتماعية المنتفضة فى الميادين المصرية الثائرة يتزايد , وكان يؤثر على مسارات الحوار، وعلى مواقف أطرافه، وسعى كل طرف من أطرافه إلى محاولة توظيف فائض الاحتجاج السياسى الثورى المتنامى فى «المزايدات» البينية فيما بين بعضهم البعض.
يبدو، أيضا، من بعض المؤشرات أن بعض الأطراف المتحاورة كان يميل إلى إجراء مفاوضات أخرى مع السلطة للحصول على بعض المكاسب السياسية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، للمشاركة فى تطويق الأزمة .
..
كان واضحًا أن النظام بدا عاجزا عن استيعاب التغييرات الجارية، كما بدا بطيئا للغاية فى تجاوبه مع مطالب المتظاهرين والثوار، وأنه كان يتجاوب تماما مع مطالبهم ولكن بعد فوات الأوان، وبعد أن يكون المتظاهرون قد رفعوا السقف مجددًا، وقد تجسد ذلك واضحًا مساء العاشر من فبراير عندما أدرك مختلف الأطراف أن الخطوة الوحيدة الممكنة هى إعلان الرئيس تنحيه عن السلطة، وهو ما كان متوقعا فى الخطاب الذى قيل إن الرئيس سوف يوجهه للشعب مساء ذلك اليوم، وسبقه الرئيس الأمريكى بكلمة أشار فيها إلى أن مصر تشهد تحولًا تاريخيًا، كما نقل على لسان الأمين العام الجديد للحزب الوطنى د. حسام بدراوى، ما يفيد أن الرئيس سوف يتنحى، ومرة أخرى جاء الخطاب مخيبًا لآمال المصريين ومحبطًا لهم، فلم يتخذ الرئيس قراره المنتظر بالتنحى ، بل فقط قرر عدم قبوله أي إملاءات خارجية، وإعلانه عن تكليف مجلس الشعب بمناقشة التعديلات المقترحة لعدد (٥) مواد من الدستور وإلغاء مادة أخرى (الخاصة بمكافحة الإرهاب)، فضلًا عن تفويض سلطاته واختصاصاته لنائبه عمر سليمان، وهو الأمر الذى أشعل ثورة الغضب فى ميادين مصرية مختلفة، وجسد خطاب الرئيس مبارك فى العاشر من فبراير جميع عوامل الإخفاق فى إدارة الأزمة من يومها الأول، فهناك انفصال شديد عن الواقع، عناد وتحدٍ من جانب الرئيس، فقد أشاعت مصادر عديدة، ومنها حسام بدراوي، أن الخطاب كان معدًا لإعلان التنحى، ولكن جمال مبارك تدخل بقوة لمنع ذلك حتى لا يسقط سيناريو التوريث نهائيا، وهو الأمر الذي لم يلق قبول المتظاهرين؛ نظرًا لتوقعهم تنحى الرئيس عن منصبه، ما دفعهم للإصرار على مواصلة اعتصامهم بالميدان، والعمل على تصعيد الموقف لحين تحقيق مطلبهم
.
ويبدو أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان أكثر قدرة على قراءة الواقع وإلى أين وصل، وما هو المطلوب عمله لإنهاء الأزمة، من هنا أصدر بيانه الأول منتظرًا قرار مبارك بالتنحى حتى يصدر البيان الثانى، وأعلن أنه فى حالة انعقاد دائم،
.
و شهد يوم الجمعة الموافق ١١ فبراير تنظيم أكبر تظاهرات بميدان التحرير، وكذا بالعديد من المحافظات تحت مسمى (جمعة التحدى والحسم)، وقام المتظاهرون بأداء صلاة الجمعة بالميدان، فضلًا عن تحرك عدد كبير منهم لمقر الإذاعة والتليفزيون، وقصر الرئاسة بالعروبة، في إطار ممارسة بعض الضغوط لإسقاط النظام، حيث أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بيانه الثانى للتأكيد على التزامه ضمان تحقيق كافّة مطالب الشعب، التي أعلن الرئيس عن اعتزامه تحقيقها خلال الفترة المقبلة، إلا أن ذلك لم يؤثر إيجابيًّا في حسم الموقف .
.
أعلن الجيش في بيانه رقم «٢» أنه سينهى حالة الطوارئ فور انتهاء الظروف الحالية، وضمان إجراء انتخابات رئاسية حرة وفى الساعة السادسة مساءً أعلن عمر سليمان تخلى حسنى مبارك عن صلاحياته وتسليم الحكم للجيش، وقد جاء البيان مقتضبًا: «أيها المواطنون، في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، قرّر الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلّف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، والله الموفق والمستعان».
.
على ضوء ذلك ألقى عمر سليمان بيانًا الساعة السادسة من مساء ذات اليوم أعلن خلاله، تخلى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك عن منصبه وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد، وهو بذلك وضع النهاية لمرحلة دامت ثمانية عشر يوما من الفشل المتواصل من جانب النظام، فشل فيها الرئيس الأسبق مبارك فى إدارة الأزمة منذ ما قبل اندلاعها
وبعد ذلك فض المتظاهرين إعتصامهم، وقاموا بإخلاء الميدان تدريجيًّا عقب تنظيفه.
.
وفى ١٣ فبراير أعلن المجلس الأعلى تعطيل العمل بالدستور، وحل مجلسى الشعب والشورى، وقيامه بواجب تمثيل مصر فى الداخل والخارج، وإصدار مراسيم بقوانين خلال الفترة الانتقالية، وتكليف وزارة أحمد شفيق التى حلفت اليمين قبل رحيل مبارك بأيام قليلة بتسيير الأعمال حتى تكليف وزارة أخرى جديدة، وأكد المجلس فى بيانه أنه ليس بديلًا عن الشرعية التى يتطلع إليها الشعب فى المستقبل، ووعد بدستور جديد يُقره الشعب من خلال استفتاء ديمقراطى، وأكد أن الحكم العسكرى سوف يستمر لستة شهور فقط أو حتى الانتهاء من الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ولا شك أن المَجلس العسكرى الأعلى للقوات المسلحة لم يكن يتوقع أن الظروف سوف تمنحه هذا الحجم من السلطات مرة واحدة، وبدت المُدة المُتاحة له قصيرة من زاوية حجم الواجبات المطلوب الوفاء بها، لكن اعتبرت المُدة المُتاحة أمام المجلس طويلة عند بعض المُجموعات القلقة من الشباب وخوفها من إمكانية استيلاء العسكريين على السلطة بصورة كاملة، ونسيان ما أعطوه من وعود مُبررين ذلك بظروف فرضت نفسها، أو عذر طارئ يبرر استمرارها واستحواذها على السلطة لأجل غير محدود .
الى اللقاء مع الجزء الثانى والثلاثين
إضافة تعليق جديد