لمؤامرة ...........الجزء الخامس....
..
إن إضعاف الصين هو الأولوية الأولى للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في المستقبل القريب، وأى وسائل يمكن تبنيها لتحقيق الهدف، ولسوف تركز الجهود الأساسية على مد وجود الولايات المتحدة إلى منطقة آسيا- المحيط الهادى، ولهذا ستقوم الولايات المتحدة بالانسحاب تدريجيًا من «الشرق الأوسط»، لكن الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة لا تريد أن تتركه وحده، خوفًا من أن تقوم الصين التي تكثف جهودها لتعزيز نفوذها في المنطقة من ملء الفراغ بسرعة، وإذا كان هدف الولايات المتحدة الأمريكية هو ملء فراغ النفوذ السياسي على المستوى الإقليمى، فليست ثمة أداة أفضل من الإخوان لتنفيذ مُخططات الولايات المتحدة لخلق «شرق أوسط كبير».
.
بدأت الإدارة الأمريكية في طرح التساؤل الخاص حول أنجح الطرق لمحاربة المتطرفين، خاصة بعد أن قاموا بغزو أراضيها في سبتمبر ٢٠٠١، وهنا يمكن القول بأن هناك مجموعة من العناصر مهدت الطريق أمام قبول أمريكا التحاور مع الإسلاميين المعتدلين ..
.
أولها: أن هناك رموزًا في الإدارة الأمريكية، كانوا مقتنعين بأن تحقيق الحركات الإسلامية لنجاحات متفاوتة في المنطقة العربية، أثبت أنها من أقوى الجماعات المعارضة في أوطانها، وبالتالى فإن نشر الديمقراطية قد ينتج عنه وصول الإسلاميين إلى الحكم..
.
لعبت مؤسسة «راند»، وهى من أهم مؤسسات البحوث السياسية والاستراتيجية في الولايات المتحدة، دورًا رئيسيًا في التفاهم الإخوانى الأمريكي، وكانت من أهم المراكز البحثية التي ساهمت في حدوث التقارب بين الجانبين - إن لم تكن الأهم على الإطلاق - لأنها مؤسسة تتبع القوات الجوية الأمريكية، وقد أسست لغرض توفير الخلفية المعرفية الإستراتيجية لدور القوات الجوية في أنحاء العالم، ثم تطورت لتصبح مؤسسة مستقلة مع روابط وثيقة بسلاح الطيران، وما يسمى بالمجمع الصناعى العسكري (الذي يشكل دور المحرك في قاطرة السياسة الخارجية والداخلية الأمريكية).
.
أصدرت مؤسسة «راند» في ٢٠٠٥ دراسة شاملة حول «بناء شبكات من المسلمين المعتدلين في العالم الإسلامي» شارك فيها أربعة باحثين في مقدمتهم شارلى بينارد وأنجل رابسا ولويل شوارتز وبيتر سكيل. وتنطلق الدراسة من فرضية أساسية مفادها أن الصراع مع العالم الإسلامى هو بالأساس «صراع أفكار» وأن التحدى الرئيسى الذي يواجه الغرب يكمن فيما إذا كان العالم الإسلامى سوف يقف في مواجهة المد الجهادى الأصولي، أم أنه سيقع ضحية للعنف وعدم التسامح.
وقد قامت هذه الفرضية على عاملين أساسيين :
أولهما، أنه على الرغم من ضآلة حجم الإسلاميين الراديكاليين في العالم الإسلامي، إلا أنهم الأكثر نفوذًا وتأثيرًا ووصولًا لكل بقعة يسكنها الإسلام سواء في أوروبا أو أمريكا الشمالية.
وثانيهما ضعف التيارات الإسلامية المعتدلة والليبرالية والتي لا توجد لديها شبكات واسعة حول العالم كتلك التي يملكها الأصوليون.
.
وفى نهاية الدراسة يشير الباحثون إلى مجموعة من التوصيات التي يجب على الولايات المتحدة الالتفات إليها ويمكن إيجازها في عدة إجراءات، منها: أن تشرع الولايات المتحدة في بناء شبكات من الإسلاميين المعتدلين، وأن يكون ذلك جزءًا من الإستراتيجية الأمريكية الشاملة حول هذا الملف وهو ما يمكن تحقيقه من خلال وجود جهاز مؤسسى يقوم بهذا الجهد، كما أوصت بضرورة اهتمام الإدارة الأمريكية من خلال مبادرة دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط ببناء علاقات مع كل من العلمانيين ورجال الدين المعتدلين والمفكرين والصحفيين والناشطين في مجال المرأة، ووضع برامج محددة في مجالات التعليم الديمقراطي، الإعلام، وجمعيات الدفاع المدنية، وعقد ورش عمل ودورات للمعتدلين والليبراليين والاستماع إلى أفكارهم، وبناء شبكة دولية لربط الليبراليين والمعتدلين الإسلاميين حول العالم ووضع برنامج محدد لتطوير أدواتهم وإمكاناتهم.
اعتمدت أوروبا كثيرًا على مثل هذه الدراسات في وضع وصياغة إستراتيجية أوروبية جديدة للحوار مع العالمين العربى والإسلامى وربط الشعوب العربية بأوروبا، تعتمد على فتح قنوات الحوار المباشر مع القوى الإسلامية والمنظمات غير الحكومية، وتركز على مخاطبة أجيال الشباب.
.
ففى أبريل ٢٠٠٥ أعلن السفير د. جونتر مولاك - المفوض الخاص لحوار الحضارات بوزارة الخارجية الألمانية - أن هناك اتفاقًا أوروبيًا على ضرورة إحداث تغيير جذرى في سياسة الحوار المتبعة مع العالم الإسلامى والعربى والهبوط بالحوار إلى مستوى المواطنين، وأهم بنوده تتمثل في إجراءات معينة، منها:
- إشراك المنظمات غير الحكومية مع استبعاد المنظمات التي تتبنى اتجاهات وسياسات خارجية.
- التركيز على مخاطبة الشباب تحت سن ٢٥ عامًا الذي يشكل نحو ثلثى سكان الدول العربية والإسلامية.
- الاهتمام بالإعلام الذي سيلعب دورًا رئيسيًا في عملية إعادة بناء الثقة بين الجانبين، وذلك عن طريق تكثيف الوجود الإعلامي الأوروبي في الشرق الأوسط والأدنى، وتكثيف برامج تدريب الصحفيين والإعلاميين العرب في أوروبا وتنشيط الحوار الإعلامي.
- الاستفادة من عملية برشلونة للمشاركة الأوروبية المتوسطية التي انطلقت عام ١٩٩٥، والتركيز على شبكة الإنترنت كوسيلة للاتصال المباشر بين أوروبا والشباب العربى والمسلم.
وبعد انتهاء مؤتمر مغلق في برلين نظمته وزارتا الخارجية الألمانية والبريطانية، قال «مولاك»: إن ألمانيا وأوروبا سوف تهتمان بمخاطبة الأحزاب الإسلامية الجديدة التي تحظى بشعبية في الدول العربية والإسلامية، والتي تسير في طريق العمل السياسي وتنبذ العنف والإرهاب .
.
وقد أقامت «راند» مركزًا دائمًا لها في قطر، كانت مهمته الوحيدة تقريبًا هي الحوار، ثم بناء جسور التفاهم والثقة بين الإدارة الأمريكية ومستشاريها في مجال البحث الإستراتيجي، وبين الإخوان المسلمين في شتى الأنحاء مع تركيز خاص على مصر، وتولت قيادة هذا الجهد السيدة شيريل بينار.
وفى يوم ٨ نوفمبر ٢٠١٢ أصدرت «راند» ملخصًا تنفيذيًا لدراسة عنوانها «الإستراتيجية الأمريكية في العالم الإسلامى بعد ١١ سبتمبر»، وتضمن الملخص إحدى عشرة توصية هي على النحو التالى:
.
١- الترويج لخلق شبكات من الإسلاميين المعتدلين لمكافحة الخطابات الراديكالية.
٢- تخريب الشبكات الإسلامية الراديكالية.
٣- دعم إصلاح المدارس والمساجد.
٤- توسيع الفرص الاقتصادية أمام المعتدلين.
٥- مساندة الإسلام ذى التوجه المدنى (أي الإسلام المعتدل الذي يقبل الحداثة).
٦- تجفيف الموارد المالية للمتطرفين.
٧- الموازنة بين متطلبات الحرب على الإرهاب والحاجة إلى الاستقرار في الدول العربية المعتدلة.
٨- السعى الدؤوب إلى إشراك الإسلاميين في الحياة السياسية لبلادهم وفقًا للقواعد المتعارف عليها، أي الانتخابات، والتعددية.
٩- الارتباط بمسلمى المهجر، وقد استخدمت الدراسة لفظ (الدياسبورا) وهو مصطلح كان يقتصر استخدامه على اليهود الذين يعيشون خارج فلسطين، وترجمته الحرفية هي يهود الشتات، وقالت هذه التوصية نصًا وبالحرف الواحد: «إن جماعات المهجر يمكن أن تكون بوابات إلى شبكات الإسلاميين داخل بلدانها الأصلية، وسوف تكون عاملًا مساعدًا في ترويج ودعم القيم والمصالح الأمريكية».
١٠- إقامة علاقات وثيقة بين العسكريين الأمريكيين والعسكريين في الدول المهمة، واستخدمت التوصية تعبير Military to Military relation وقصد به علاقة لا تمر فقط عبر المؤسسات السياسية في الدول المعنية.
١١- بناء القدرات العسكرية اللازمة.
ومن الواضح أن ٩ توصيات من بين هذه التوصيات الإحدى عشرة تتعلق بالإسلاميين، وأنها كلها تدور حول دعم الإسلاميين المعتدلين (وفى قلبهم جماعة الإخوان التي يٌنظر إليها كذلك)، وتهميش وإضعاف المتطرفين.
.
و شهدت المنطقة العديد من الأحداث والتفاعلات المفاجئة، وعددًا من المحددات التي رسمت ملامح الموقف السياسي والأمنى في المنطقة ككل عكس توازن وصراع القوى في مرحلة شديدة الصعوبة، منها اندلاع أحداث عنف ومظاهرات عارمة بتونس، وما أسفرت عنه من خلع الرئيس التونسى وهروبه إلى المملكة العربية السعودية، وتطور الأحداث بالسودان وانفصال الجنوب واندلاع أحداث عنف على حدود الدولتين ووضع تلك المنطقة داخل بؤرة الاهتمام العالمي، ثم ما تبعه من تزايد حدة التوترات السياسية ببعض الدول من ناشطين سياسيين ضد سياسات الحكومات وظهور بوادر تصعيد بكل من دول (ليبيا - البحرين - اليمن - سوريا - الأردن).
.
بالإضافة لتحركات إقليمية مريبة وتحولات تتمثل في تزايد النشاط الإيرانى الاستخباراتى داخل دول الخليج العربى، وظهور بوادر صراع مذهبى سني - شيعى بين إيران من جانب ودول الخليج العربى بقيادة المملكة العربية السعودية من جانب آخر، فضلًا عن رصد نشاط استخباراتى إيرانى يهدف لتصدير الثورة الإيرانية ونشر الفكر الشيعى بكل من مصر والأراضى الفلسطينية والأردن ولبنان وبعض دول المغرب العربى ودول غرب أفريقيا والساحل الشرقى للسودان في ظل المشروع الإيرانى لإحياء الدول الفارسية، وتعاظم المخاوف لدى الدول الإسلامية السنية من الامتدادات الإيرانية والشيعية بدول المنطقة والتمديدات بكل من سوريا ولبنان وعدد من دول الخليج والدول الأفريقية والعربية وكانت له انعكاسات سياسية واجتماعية بتلك الدول.
.
عامل آخر مهم وهو تصاعد الدور القطرى المحورى في إطار سعيها الدؤوب لتبوؤ مكانة إقليمية ودولية وباستغلال التقارب القطرى الأمريكى الواضح، فضلًا عن رصد وجود تعاون وثيق في عدة مجالات بين دولتى قطر وإسرائيل.
.
تعاظم الدور القطرى خلال السنوات الأخيرة ورصد تعاون قطرى إسرائيلى أمريكى في مختلف المجالات ومحاولة دولة قطر تبوؤ مكانة إقليمية باستغلال تلك العلاقات، وكذا رصد قيام دولة قطر بتوقيع اتفاقية دفاع مشترك مع دولة إيران عام ٢٠١٠.
.
بالإضافة لتصاعد الاضطرابات بالأراضى الفلسطينية وتزايد حالة الانشقاق الفلسطيني - الفلسطينى وعدم قدرة أي من جناحى الخلاف تحقيق تفوق على الآخر يمكنه من توحيد الصف الفلسطينى أمام الرأى العام العالمى والعربى، مما مهد الطريق للدولة الإسرائيلية من تدشين حملة إعلامية ضخمة تشدد على وجود تصعيد عربي - فلسطيني، تجاه الدولة الإسرائيلية بغرض إكساب حملتها التعاطف العالمى اللازم لتحقيق الغطاء على مخططاتها.
.
وما شهده العراق من احتدام الأزمة وتصاعد الصراع المذهبى السنى الشيعى بالأراضى العراقية في ظل الأنشطة الاستخباراتية الإيرانية، والإسرائيلية، والأمريكية، والتركية على أراضيها واستهدافها بالتقسيم.
و ظهر بوادر للمشروع التركى في حدود الدولة العثمانية القديمة، ومحاولة إيجاد دور تركى قوى بتلك الدول تحقيقًا لتلك الأجندة من خلال العديد من الأنشطة السياسية والاقتصادية والثقافية مع محاولة استقطاب المتعاطفين مع الدور التركى بتلك الدول، وهو ما يفسر الزيارات المستمرة للقيادات التركية للبلاد في أعقاب اندلاع الأحداث.
إضافة تعليق جديد