المؤامرة .............الجزء السادس والعشرون
..
وصل العالم المصرى أحمد زويل إلى البلاد مساء يوم ٢ فبراير قادمًا من دبى، حيث عقد عدة لقاءات مع كل من «نائب الرئيس الأسبق، وزير الدفاع، شيخ الأزهر»، لبحث سبل الخروج من الأزمة.
.
كما عقد رئيس الوزراء الأسبق، أحمد نظيف، مؤتمرًا صحفيًا بتاريخ ٣ فبراير، أبدى خلاله اعتذاره عن الأحداث التي شهدها ميدان التحرير في اليوم السابق على تصريحاته، مؤكدًا اعتزامه محاسبة المتسببين، فيما عقد السيد عمر سليمان اجتماعًا بتاريخ ٣ فبراير بمقر مجلس الوزراء مع رؤساء وقيادات عدد من الأحزاب، لفتح قنوات الحوار حول متطلبات المرحلة الراهنة، وسبل تنفيذ خارطة الطريق للخروج من الأزمة، ورفضت الدعوة والمشاركة في الحوار أحزاب الجبهة الديمقراطية والغد، جبهة أيمن نور، والكرامة تحت التأسيس.
.
وفي ذات التوقيت قامت عناصر أجنبية من جنسيات مختلفة بتوزيع «بطاطين» ومبالغ مالية بعملات «الجنيه، الدولار، اليورو» على بعض المتظاهرين الذين يشكلون مفاتيح للميدان، لحثهم على مواصلة اعتصامهم والمبيت داخله وتصعيد الأمور، كما شهدت البلاد خلال تلك الفترة وجودًا كبيرًا لعناصر من دول مختلفة (قبرص، سوريا، قطر، النرويج، فرنسا، تونس، ألمانيا، بريطانيا، فلسطين، إسرائيل، أمريكا، كندا، نيوزيلندا، روسيا، إيطاليا، بولندا، الصين، إيران، فنلندا، السودان، إندونيسيا، الهند، لبنان، إسبانيا، بنجلاديش، اليونان، أستراليا، الجزائر)، ومراسلى صحف وفضائيات ووكالات أنباء عالمية، فضلًا عن عناصر من حزب الله، حيث تم ضبط البعض منهم بمعرفة الأهالي، وتسليمهم للقوات المسلحة، إلى جانب ضبط عدد من عناصر حركة حماس وبحوزتهم أسلحة آلية
.
أصدر النائب العام قرارًا بمنع كل من (حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، أحمد المغربى، وزير الإسكان الأسبق، زهير جرانة، وزير السياحة الأسبق، أحمد عز، أمين تنظيم الحزب الوطنى، رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة الأسبق)، من السفر والتحفظ على أرصدتهم البنكية كإجراء احترازى، في إطار تنفيذ تكليفات الرئيس الأسبق، الأمر الذي لاقى ارتياحًا في أوساط المواطنين.
.
وقام المهندس أبوالعلا ماضى، وكيل مؤسسى حزب الوسط، تحت التأسيس آنذاك، بالاتصال بالسفيرة الأمريكية مرددًا: «إذا كانت الولايات المتحدة تدعم النظام المصرى لضمان الاستقرار فإن مصر ستتحول إلى أفغانستان جديدة»، وطالب بإصدار بيان من الإدارة الأمريكية لدعم المتظاهرين وليس النظام، حفاظًا على استقرار الوطن.
بينما تلقى الدكتور عصام العريان، عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان، تعليمات من قيادات حركة حماس الفلسطينية بالإصرار على مطلب تنحى الرئيس الأسبق، حسنى مبارك، من خلال توحيد الهتاف في الميدان ليصبح: (الرحيل الرحيل لا بديل لا بديل)، وذلك خلال تظاهرة الجمعة ٤ فبراير.
.
في هذا التوقيت، كانت هناك مناداة من بعض ممثلى التيارات السياسية وجماعة الإخوان وأعضاء لجنة الحكماء، بتفويض صلاحيات مبارك لنائبه عمر سليمان، وفقا للمادة ١٣٩ من الدستور، بدلًا من التنحى، كحل للخروج من الأزمة، فيما أصدرت الجماعة بيانًا بتاريخ ٣ فبراير أكدت خلاله عدم وجود أجندة خاصة لها، أو تطلع منها لمقعد الرئاسة، أو أي منصب آخر، وأنها تنتهج سياسة الإصلاح السلمى الشعبى المتدرج، وأعربت عن رفضها لغة التهديد والوعيد والتخوين من جانب النظام، معلنة عن اتفاقها مع الرغبة الشعبية بأن تكون مصر دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية، الأمة فيها مصدر السلطات، تتحقق فيها الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وتعتمد النظام البرلمانى نظامًا للحكم، وتكفل حرية إنشاء الأحزاب والجمعيات والاستقلال التام للقضاء، مشيرة إلى عدم إمكانية رفض حوار جاد منتج مخلص يبتغى المصلحة العليا للوطن، شريطة أن يتم في مناخ طبيعى للتوافق حول سبل الخروج من الأزمة.
أعلنت جماعة الإخوان عن أهدافها المرجو تحقيقها والمتمثلة في (إلغاء قانون الطوارئ، الإصلاح السياسي والدستورى، الاعتداد بالجماعة كجزء من تركيبة مصر السياسية، العفو العام عن المسجونين السياسيين، منح سلطات شكلية لرئيس الجمهورية لحين إجراء الانتخابات الرئاسية، منع الملاحقات الأمنية، منح مزيد من الحريات للنشاط الطلابى والنقابى والمجتمع المدنى وأعضاء هيئات التدريس).
.
واضطلع رئيس مجلس الشعب، بالتنسيق مع رئيس محكمة النقض، لسرعة إرسال تقارير المحكمة الصادرة ببطلان عضوية نواب مجلس الشعب، الذين فازوا بالتزوير، لحين البت فيها نهائيًا بالمجلس.
.
وفى يوم الجمعة ٤ فبراير قام المشير محمد حسين طنطاوى، وزير الدفاع الأسبق، بزيارة للمتظاهرين بميدان التحرير قبل إقامة صلاة الجمعة، والتقى بأفراد القوات المسلحة في إطار رفع معنوياتهم، كما شهد ذات اليوم تظاهرات ضخمة بمختلف المحافظات من جانب المؤيدين لحسنى مبارك والمطالبين بإسقاطه، دون حدوث ثمة مواجهات بينهما.
فيما راح عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك، يعقد لقاءات مع بعض الشخصيات السياسية للتشاور حول بحث حلول الأزمة.
.
تأرجح الموقف الأمريكى تجاه الأحداث التي تشهدها البلاد، حيث صرح ممثلو الإدارة الأمريكية في بداية الأزمة بضرورة تنحى الرئيس عن الحكم بصورة فورية، استجابة لمطالب الجماهير من خلال مبعوثها لمصر «فرانك ويزنر»، إلى أن صرح الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، بضرورة تحقيق انتقال سلمى للسلطة، واستمرار الرئيس مبارك في الحكم لحين انتهاء ولايته، وذلك لمنع انتشار الفوضى، منوهًا بأن تصريحات مبعوثه تعبر عن وجهة نظره الشخصية، بينما أثارت الأحداث الترقب والقلق لدى الجانب الإسرائيلى لتحسبه رفض النظام المصرى الجديد الالتزام باتفاقية السلام (كامب ديفيد)، فضلًا عن الانعكاسات السلبية لإسقاط النظام الحالى على موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية.
.
في حين اتخذت عدة دول (إيران، قطر، تركيا، لبنان «حزب الله») موقفًا سلبيًا تجاه النظام المصرى، واستخدمت فضائياتها الرسمية أبواقًا لتحريض الشعب المصرى على مواصلة احتجاجه وإسقاط النظام، ومواجهة الظلم والفساد، وقد اتضح ذلك جليًا في خطبة يوم الجمعة الموافق ٤ فبراير، التي ألقاها يوسف القرضاوى من قطر، وكذا خطبة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، على خامنئى، وأيضا كلمة أمين عام حزب الله اللبنانى، حسن نصرالله، خلال أحد المؤتمرات، وأيضا ما تم رصده من قبل أجهزة المعلومات، من تلقى جماعة الإخوان دعمًا ماديًا من دولتى (إيران. باكستان) للإنفاق على عناصرها بميدان التحرير.
.
وبتاريخ ٥ فبراير، تقدم أعضاء هيئة مكتب الأمانة العامة للحزب الوطنى صفوت الشريف «الأمين العام»، زكريا عزمى «الأمين العام المساعد لشئون التنظيم والعضوية والمالية والإدارية»، مفيد شهاب «الأمين العام المساعد للشئون البرلمانية»، جمال مبارك «الأمين العام المساعد وأمين السياسات»، أحمد عز «أمين التنظيم، سبق تقدمه باستقالته»، على الدين هلال «أمين الإعلام»)، باستقالاتهم من مواقعهم، حيث أصدر مبارك بصفته رئيسا للحزب قرارًا بالتشكيل الجديد لهيئة المكتب، والذي ضم كلًا من السادة حسام بدراوى «أمينًا عامًا وأمينًا للسياسات»، محمد رجب «أمينًا عامًا مساعدًا وأمينًا للتنظيم»، محمد عبداللاه «أمينًا عامًا مساعدًا وأمينًا للإعلام»، محمد كمال «أمينًا للتدريب والتثقيف»، المهندس محمد هيبة «أمينًا للشباب» .
عصر اليوم نفسه، قام قائد المنطقة المركزية للقوات المسلحة بزيارة لميدان التحرير، وألقى كلمة في المتظاهرين، أشاد خلالها بهم كشباب ناضج، مؤكدًا لهم وصول رسالتهم بالتغيير للجميع، وأنها أصبحت مسار التنفيذ، ونوه بأن هناك عناصر مندسة بينهم يمكن أن تشوه الصورة الحضارية لموقفهم، وطالبهم بمغادرة الميدان لعدم التأثير على مصالح المواطنين، إلا أنهم رددوا هتاف (هو يمشى.. مش هنمشي) ما دفعه للانصراف.
.
وفى ٦ فبراير أيضًا، عقد عمر سليمان لقاءً مع رؤساء وقيادات (الحزب الوطنى، أحزاب المعارضة، جماعة الإخوان) وبعض الشخصيات المستقلة وممثلى القوى السياسية ورجال الأعمال وشباب ٢٥ يناير، لدراسة سبل الخروج من الأزمة، حيث تم إصدار بيان تضمن الإشارة إلى توافق جميع أطراف الحوار على التمسك بالشرعية الدستورية في مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه البلاد داخليًا وخارجيًا، والاتفاق على اتخاذ الإجراءات ذات الطبيعة المؤقتة لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد، (تنفيذ التعهدات الواردة في خطاب الرئيس، عدم الترشح لفترة رئاسية جديدة، تحقيق الانتقال السلمى للسلطة في نهاية فترة الرئاسة الحالية، إجراء تعديلات دستورية على المادتين «٧٦ و٧٧»، وما يلزم من تعديلات أخرى تتطلبها عملية الانتقال السلمى للسلطة، إجراء التعديلات التشريعية المترتبة على تعديلات الدستور، تنفيذ أحكام محكمة النقض في الطعون المقدمة على انتخابات مجلس الشعب دون إبطاء، ملاحقة الفاسدين والتحقيق مع المتسببين في الانفلات الأمنى الذي أعقب انتفاضة الشباب، واستعادة أمن واستقرار الوطن، وتكليف الشرطة بالاضطلاع بدورها في خدمة الشعب وحماية المواطنين).
.
على ضوء ذلك البيان تقرر اتخاذ بعض الإجراءات تنفيذًا لتلك التعهدات منها: (تشكيل لجنة تضم أعضاء من السلطة القضائية وبعض الشخصيات السياسية تتولى دراسة واقتراح التعديلات الدستورية، وما تتطلبه من تعديلات تشريعية لبعض القوانين المكملة للدستور في موعد ينتهى خلال الأسبوع الأول من شهر مارس- إعلان الحكومة عن فتح مكتب لتلقى الشكاوى ذات الصلة بمعتقلى الرأى من جميع الانتماءات، والإفراج عنهم فورًا، مع التعهد بعدم ملاحقتهم أو التضييق عليهم في ممارسة نشاطهم السياسي- تحرير وسائل الإعلام والاتصالات وعدم فرض أية قيود على أنشطتها تتجاوز أحكام القانون- تكليف الأجهزة الرقابية والقضائية بمواصلة ملاحقة الفاسدين والمسئولين عما شهدته البلاد من انفلات أمنى خلال الأحداث الأخيرة، تشكيل لجنة وطنية للمتابعة تضم شخصيات عامة ومستقلة من الخبراء والمتخصصين ممثلين عن الحركات الشبابية تتولى متابعة التنفيذ الأمين لكل ما تم التوافق عليه مع رفع تقاريرها وتوصياتها لنائب الرئيس عمر سليمان- تواصل القوات المسلحة دورها الوطنى في استعادة الهدوء والأمن والاستقرار، وضمان تنفيذ نتائج اجتماعات الحوار الوطني).
.
وتحفظ عمر سليمان، في هذا الاجتماع، بقوة على مطالبات بعض ممثلى الحركات الشبابية خلال الاجتماع بضرورة رحيل الرئيس، مؤكدًا عدم قبوله أي إهانة للرئيس مبارك، أو خروجه من الحكم بشكل غير لائق، وإلا سيضطر لتسليم السلطة للقوات المسلحة، مرددًا: (المؤسسة العسكرية رفضت رحيل الرئيس لأنه ينتمى لها، ويعد من أبطال حرب أكتوبر، وفى حالة الرفض سيقوم الجيش بالاستيلاء على السلطة وإعادة الدولة للحكم العسكري)، منوهًا إلى أنه لن يسمح بتأسيس حزب سياسي على أساس دينى.
الى اللقاء مع الجزء السابع والعشرون —
إضافة تعليق جديد