المؤامرة ............. الجزء العشرون
.
لم تمض أيام على هذا الخبر، ونَشَرَ تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين- أو ما يُطلق على نفسه مسمى دولة العراق الإسلامية في الأول من نوفمبر ٢٠١٠- بيانًا هدد فيه الكنيسة الأرثوذكسية المصرية وأمهلها ثماني وأربعين ساعة، للإفراج عما قال إن أسراهم في الأديرة المصرية.
.
الغريب أن الألفاظ التي استخدمها البيان، جاءت متناسقة تمامًا مع ما ردده بعض المحسوبين على اللوبى الإيرانى في مصر، في بعض أجهزة الإعلام العربية، حول أزمة وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة حرفيًا، والأغرب أن هذا الفرع من تنظيم القاعدة (فرع بلاد الرافدين) ثبت منذ فترة بعيدة، وبالتحديد منذ منتصف عام ٢٠٠٧، أنه مخترق من قبل الحرس الثورى الإيراني، وتم استخدامه في مذابح ضد الشيعة بقصد إحداث فتنة طائفية بينهم وبين السُنة من جهة، وبهدف تخويف الشيعة لدفعهم إلى الارتماء في أحضان إيران من جهة أخرى، وقد جاءت وثائق ويكليكس الأخيرة لتؤكد ما كان غامضًا من قبل حول تلك العلاقة المشبوهة.
.
في اليوم التالى مباشرة لبيان دولة العراق الإسلامية، نشر موقع يُدعى شبكة المجاهدين بيانًا، أعلن فيه عن طلب أحد التنظيمات لعدد محدود من المتطوعين الذين سيقومون بدعم لوجيستى لعمليات ضد الأقباط، وحدد الرجل في بيانه نوع الدعم المطلوب بمراقبة الكنائس، وإرسال تقارير يومية عنها وعن حركة القساوسة.
.
وفي ذلك التوقيت بالضبط كان تنظيم القاعدة في العراق، الذي تأوى إيران أكثر من ٢٠٪ من كوادره، بينهم ثمانية وسبعون مصريًا، يقودهم سيف العدل مسئول استخبارات التنظيم ويعاونه محمد الحكايمة، الذي يطلق على نفسه زعيم ما يسمى "تنظيم القاعدة في أرض الكنانة"، يعلن عن طريق فرعه في العراق تهديده الصريح والواضح لنصارى مصر في بيان أصدره ما يطلق عليه دولة العراق الإسلامية في الأول من نوفمبر ٢٠١٠ .
.
وعقب أسبوعين بالتمام والكمال، وبالتحديد يوم ١٥ ديسمبر ٢٠١٠، أطل علينا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من ساحة الشهداء في الضاحية الجنوبية، ليخبرنا في خطابه ضمن احتفالات الحزب بالليلة الأخيرة من ليالى عاشوراء، "أن إسرائيل تسعى لفتنة مسيحية - إسلامية في مصر، ولفتنة بين السُنة والشيعة وبين العرب والأكراد في العراق وعلى ضرب المسيحيين"
الغريب أن هذه كانت المرة الأولى التي يأتى فيها السيد حسن نصر الله على ذكر المسيحيين المصريين، في إحدى خُطبه، والأغرب أن الرجل كذب الكذبة عبر إحدى أدوات حزبه الإعلامية (إذاعة النور اللبنانية) ثم صدقها، وبعدها راح يصدرها لنا.
.
لم يمر أسبوعان على خطاب الأمين العام لحزب الله، الذي رَوَّج فيه لعمليات إسرائيلية قادمة ضد المسيحيين المصريين، إلا واستهدفت القاعدة كنيسة القديسين بالإسكندرية، الحادث الذي أسرع الحزب إلى إدانته على الفور، وكأن البيان كان معدًا سلفًا.
واضح أنه كان هناك محاولة إيرانية مفضوحة، للعبث بالأمن القومى المصري، عبر استخدام كوادر من تنظيم القاعدة وتسهيل مهمتها عن طريق اللوبى الإيرانى الذي يترأس إمارة إسلامية مدعومة من إيران على الحدود الشرقية لمصر.
.
وأقصد هنا بوضوح أيضًا إمارة حماس في غزة، لكن لماذا تسهم الإمارة الحمساوية في مساعدة إيران للتدخل في الشئون المصرية إلى هذا الحد؟ وماذا تجد إيران في هذا المسعى؟
.
أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال تستلزم عرض عدد من الحقائق التي لا يجب أن تغيب عن أذهاننا عند قراءتنا للمشهد:
ثبت لإيران وحركة حماس تدخل مصر أكثر من مرة؛ لمنع وصول كميات كبيرة من الأموال والأسلحة كانت إيران قد أرسلتها إلى الحركة لتغيير موازين القوى لصالح حماس ضد فتح، ولتشجيع الحركة على إشعال جولة جديدة من الصراع والاقتتال الفلسطينى - الفلسطينى، الأمر الذي دفع إلى تعاون ثنائى يهدف إلى الضغط على مصر عبر إشعال فتنة طائفية بين مسلميها ومسيحييها؛ لشغل الأجهزة الأمنية عن أي أنشطة تُدَبَّر على حدودها.
وهو ما رصدته المخابرات المصرية والأمريكان؛ حيث وقف عمر سليمان على حجم الدعم المالى الإيرانى لحركة حماس إلى ٢٥ مليون دولار شهريًا، وقد حاولت إيران عدة مرات دفع رواتب لكتائب القسام، لكن مصر نجحت في منع الأموال من الوصول إلى غزة، وقال سليمان إن إيران تحاول أيضًا تجنيد عدد من بدو سيناء من أجل تسهيل تهريب الأسلحة إلى غزة، وهو ما أدى إلى إرسال مصر رسالة واضحة شديدة اللهجة إلى إيران أنها إذا لم تتوقف عن التدخل في مصر فإن الإدارة المصرية سوف تدخل في إيران.
تحذير مصر الواضح والحاسم لإيران بأنها لن تسمح بالمساس بالأمن القومى العربي، ولن تقف مكتوفة الأيدى إزاء محاولات التدخل في الشئون الداخلية للبلاد العربية، وتهديدها بأنها ستقوم بما يجب عليها كدولة عربية كبرى لحماية المصالح المصرية والعربية والدفاع عنها تجاه أي طموحات إيرانية غير مشروعة، تقوم على حساب أمن واستقرار المنطقة العربية.
.
كل هذه العوامل دفعت في اتجاه الصفقة المشبوهة التي بدأت بالإفراج عن عدد من أخطر زعماء القاعدة، بينهم عدد من أخطر المتخصصين في العمليات الاستخباراتية (سيف العدل) وعمليات التفخيخ وتكنولوجيا التفجير (أبو محمد المصري)
لكن السؤال هل لهذه التوجهات الجديدة تاريخ في المنطقة؟ أو بمعنى أدق هل يمكن اتخاذ الإمارة الحمساوية في غزة منطلقًا لعمليات ضد مصر؟
وللإجابة عن هذا السؤال هناك تاريخ طويل و العديد من الحوادث الإرهابية المعروفة.
مثل القضية المعروفة بقضية "خلية حزب الله" حيث قام عدد من كوادر الحزب باستخدام الأنفاق التابعة لحركة حماس (الموالية لإيران) لجلب أسلحة معدة وجاهزة للاستخدام وحقائب محملة بالمتفجرات من قلب غزة لاستخدامها ضد أهداف داخل مصر، وفق أجندة يحددها قادة الحزب.
ويعتبر تواجد تنظيم القاعدة بقوة في غزة تحت سمع وبصر حركة حماس، والغريب أنه لم يكن هناك تواجد لتنظيم القاعدة أو أي تنظيم من الذين راحوا يعلنون ليل نهار ولاءهم لأسامة بن لادن حتى عام ٢٠٠٤ .
.
و تم استخدام عناصر التنظيم في عمليات موجهة ضد مصر وفق تعليمات إيرانية واضحة ومشددة، كما وضح في تحقيقات قضايا شرم الشيخ ودهب والمشهد الحسيني، وما تشير إليه التحقيقات في تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، في محاولة لدفع البلاد لفتنة طائفية تلهيها عن مهامها القومية في المنطقة، والقادم أخطر.
وأصبح هذا التنظيم هو البديل عن حماس في مواجهة مصر التي تتهمها الحركة وحلفاؤها في طهران بالوقوف ضد الجهاد المقدس الذي يتمثل في قمع وقتل الفلسطينيين، وفرض الحكم الطالبانى على أهالي غزة، والعمل كشرطى لحماية إسرائيل من أي هجمات عليها.
.
والقضية تكمن في التحالف الضخم بين جناح من أجنحة تنظيم القاعدة يمكث قياداته على الأراضى الإيرانية، وبين تنظيم دولة العراق الإسلامية المؤمم بالكامل لصالح الإستراتيجية الإيرانية، وبين مؤسسات أمنية إيرانية تتحالف مع عدد من التنظيمات في المنطقة، في المقدمة منها حركة حماس، وبين تنظيمات تحت الطلب، أنشأتها حركة حماس للتعمية على أي أنشطة تخشى نسبتها إليها .
الى اللقاء مع الجزء الحادى عشرون
إضافة تعليق جديد