بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الكريم الوهاب وهبنا نعمة الإيمان، والأمن في الأوطان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الرحيم الرحمن، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد ولد عدنان المرسل بالقرآن إلى الثقلين الإنس والجان، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" وهي أن كلامه هذا يظهر حاله صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان، حيث يظهر أكمل الهدي في العمل القلبي والبدني في شهر شعبان، ويتجسد الحياء من الله ونظره إليه، وفي هذا الحديث قمة الحياء من الله تعالي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لا ترفع أعماله إلى الله إلا وهو صائم، وهذا هو أهم ما يجب أن يشغلك أخي المسلم، أن تستحي من نظر الله إليك.
فتستحي من نظره لطاعات قدمتها امتلأت بالتقصير، ولذلك قال بعض السلف إما أن تصلي صلاة تليق بالله جل جلاله، أو أن تتخذ إلها تليق به صلاتك، وتستحي من أوقات قضيتها في غير ذكر لله، وتستحي من أعمال لم تخدم بها دينه ودعوته، وتستحي من همم وطاقات وإمكانيات وقدرات لم تستنفذها في نصرة دينه وإعزاز شريعته، وتستحي من قلم وفكر لم تسخره لنشر رسالة الإسلام والرد عنه، وتستحي من أموال ونعم بخلت بها عن دعوة الله عز وجل، وتستحي من كل ما كتبته الملائكة في صحيفتك من تقاعس وتقصير، وتستحي من كل ما يراه الله في صحيفتك من سوءات وعورات، فكل ذلك وغيره يستوجب منك أخي الحبيب الحياء من الله والخشية منه، ولنعلم جميعا بأن شهر شعبان هو شهر التعهد، وشهر التفقد لما قام به المسلم في سابق أيامه حتى يجنى الحصاد بعده.
ويقول أبو بكر البلخي شهر رجب شهر الزرع وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع، وكما قال أيضا مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريدُ أن يحصد في رمضان، ولذلك كان تسابق السلف الصالح على هذا المضمار واضحا، فقال سلمة بن كهيل كان يقال شهر شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن، فأدرك زرعك أخي الحبيب في شهر شعبان وتعهده بالسقي وتفقده حتى لا يصابَ بالجفاف، واعلموا أن شهر شعبان هو شهر إستغلال الفرص الثمينة، وشهر تمهيدي للدخول في شهر رمضان المبارك.
وهو شهر شريف ومبارك، وإنما سمي شعبان لتشعب الخيرات فيه كما قيل والمؤمن الفطن له أساليب مختلفة ومتعددة في التعامل السليم مع شهر شعبان الفضيل، فتارة يصوم وتارة يصلي وتارة يدعو وتارة يقرأ القرآن، وتارة يتصدق، وتارة يسبح ويستغفر، وتارة يصل رحمه، فالمؤمن حاذق وذكي وفطن ولبيب لايفوت عمل خير أبدا يتصيد طرق الخير، ويجني الحسنات، ويرفع نفسه درجات ودرجات، وينظر ببصيرة قلبه وفؤاده لا ببصيرة عينيه، ولهذا ليس الأعمى أعمى البصر وليس الاعمى من فقد نعمة النظر فلا يرى شيئا ولا ينظر الى شيء إنما الأعمى الحقيقي هو ذاك الذي أنعم الله عليه بإدراك موسم خير لمضاعفة حسناته ورفع درجاته وتطهير قلبه فيتقاعس ويتكاسل ويتغافل ويتهاون ويقصر.
إضافة تعليق جديد