بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ثم أما بعد إن من أسباب عذاب القبر هو ما جاء في حديث القبرين عن رسول الله صلي الله عليه وسلم "أما أحدهما كان لا يستبرئ من بوله، وأما الآخر كان يمشي بين الناس بالنميمة، ومنها ما جاء في حديث الرؤيا الذي يعرض عن القرآن وينام عن الصلاة المكتوبة " يثلغ رأسه بالحجارة " والزناة " في مثل التنور" وآكل الربا " في نهر من الدم ويلقم الحجارة " والكذاب "يشرشر شدقه إلى قفاه" ومنها عذاب الذين ينتهكون أعراض الناس " لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم" ومنها زيادة العذاب ببكاء أهله عليه، وكذلك بعض أقوال أهله فيه كقولهم " وا سنداه، وا جبلاه، ونحوه"
نسأل الله العظيم أن يعيذنا من فتنة القبر وعذابه، وأن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، وإن الناظر في سيرة النبي المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم والحياة العامة لصحابته رضوان الله عليهم يجد أن السيطرة كانت للكينونة الداخلية وليس لما يمتلكه الناس من أشياء، لأن المحور الأساسي للحياة الإجتماعية كان الإنسان وليس الأشياء، أما الآن فقد صارت الملكية هي المحور ويتجلى ذلك واضحا في أمور عديدة منها أنه تناقصت الألفاظ المستعملة في الدلالة على الجوهر، في حين زاد تداول الألفاظ الدالة على الأشياء، فحديث المجالس لم يعد يتمحور حول البطولات والإنجازات والمواقف الكريمة والصفات الحميدة وإنما حول العقارات والسيارات وأسعار السلع وأثاث البيوت والأرصدة المالية، وأيضا الرغبة في مزيد من الإنتاج لتحقيق مزيد من الإستهلاك.
جعل إعتماد الناس على الآلة يتزايد يوما بعد يوم وصار الإنسان ترسا من تروسها، وصار دوره مكملا لدورها ومن طبيعة هذا الشأن أن يزيد إهتمامنا بالمظاهر، ويشغلنا عن الحقائق، وكما أنه كانت قيمة وجود الإنسان مستمدة مما يحسن ويتقن وصارت المعادلة الجديدة هي قيمة وجودي مستمدة من مقدار ما أملك ومقدار ما أستهلك، وهذا ولّد الخوف الدائم من ذهاب الملكية لأن ذهابها ذهاب لمالكها واقتضى ذلك مزيدا من الشح والأثرة والتقاطع، وأيضا فإن علاقتنا بالمعرفة تبدلت فقد كان حب العلم وإكتساب المعرفة من أجل الفقه في الدين وتنمية الشخصية ومعرفة الحياة، وكانت العملية التعليمية عبارة عن إندماج بين العلم وطالبه، أما الآن فقد صارت علاقة طالب العلم بما يطلب علاقة تجارية بحتة، فهو يتعلم لينال الشهادة وحفظه للمعلومات ظاهري ينتهي عند إفراغها على الورق في الامتحان.
وكما أن السمات الأساسية للجوهر هي الإستقلالية والحرية وحضور العقل النقدي والإستخدام المثمر للطاقة الإنسانية والنمو، والتدفق، لكن العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الجديدة جعلت أنشطة الإنسان عبارة عن إنشغال دائم مفصول تماما عن قواه الروحية، بل يقف ضدها ويحد من فاعليتها في كثير من الأحيان مما أدى إلى الإتكالية والسأم والتذمر وجعل الحياة تفقد طعمها الحقيقي بشكل عام، ولقد كانت عواقب الإتجاه إلى الشكل والتغافل عن المضمون كثرَة اللذائذ وانعدام السعادة واللذة إشباع الرغبة على نحو لا يتطلب نشاطا، مثل لذة الحصول على مزيد من الربح أو هي تجربة لحظة من لحظات الذروة يعقبها في الغالب نوع من الكآبة ولا سيما حين تكون غير مشروعة حيث يبدأ التقريع الداخلي.
إضافة تعليق جديد