رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 10 يناير 2025 4:45 م توقيت القاهرة

تصاريفُ القَدَر قصة حقيقية جرت أحداثها قبل 21 عاماً

كتب: جمال ربيعي 
متابعة: ممدوح السنبسي       

"مشيناها خُطًى كُتبت علين   ومَن كُتبَت عليه خُطًى مشاها"
لم يكن صاحبي يعلم أن هذا البيت، الذي كان قد استرعى عقله بين صفحات كتاب كان يطالعه في مقتبل شبابه، سوف يكون عنوانا لمسيرة حياته، بكل ما حملته من انكسارات الخيبة وتباشير الفرح!

نشأ صاحبي هذا وترعرع في مدينته الساحلية وسط أسرة طيبة، كان عائلها موظفاً يقترب من سنّ التقاعد، فيما كان الأخ الأكبر منغمساً في عمله الحُر.

لم يكد الفتى يفرغ من الحصول على مؤهله المتوسط، حتى شرع في البحث عن عمل يمكنه من أن يخفف أعباءه عن كاهل أسرته «المستورة». وقبيل أن يستبد به اليأس بمحطةٍ واحدة عثر على عمل في شادر (مَتجر) للأخشاب، وسرعان ما التحق به في امتنان وحمد، ودأب على العمل ساعات طوالًا في حمل الأخشاب من فوق ظهور الشاحنات، ونقلها إلى المخازن، ثم منها إلى سيارات المشترين.

ويوماً بعد يوم بدأ يعرف، في عالَمه الجديد هذا، أنواع الأخشاب وأسعارها ومقاساتِها، واستطاع الإلمام بكثير من أسرار هذه التجارة، وظل يواصل عمله بغير كلل فترةً غير قصيرة، إلى أن استرعى ناظريه إعلان من مصنع للسجاد يطلب موظفين براتب أفضل من راتبه، وما كان أشد سعادته حين لاقت أوراقُه القبول، وبدأت قدماه تخطوان بحماسةٍ على أرض مصنع السجاد.

كان صاحبي ذا همّة لا تعرفُ الفتور، خصوصاً أنه أحب عمله الجديد، وتوثقت مع الأيام علاقاتُه مع رفاق العمل، بل مع مدير المصنع نفسه، وعُرف بين الجميع بنشاطه وبسمَته وطيبة قلبه وإخلاصه في أداء واجباته.

لم يمرّ نحو عامين حتى أحيل والده إلى التقاعد، فنهض يحمل نصيباً كبيراً من مسؤولية أعباء الأسرة، خصوصاً تعليم أختيه حتى تخرَّجتا، وبدأ الخُطَّاب يطرقون أبواب بيتهم. وعندما تقدّم لخطبة أخته شاب مناسب، لم يتردد في وضع كل ما كان قد ادّخره من مال كي يجنِّب شقيقته الشعور بأي نقص أو حرج قد ينغصان عليها فرحتها، ومثلما كان كريماً مع أخته الأولى لم يكن أقل كرماً مع الأخرى، فظل يساندها حتى دخلت عشّها الذهبي.

بعد فترة من العمل نُقل صاحبي إلى مصنع شهير للسجاد في مدينة السادات المجاورة، وأجبرته طبيعة العمل على أن يبقى في المصنع طوال أسبوع ويعود إلى أسرته، بأتوبيس الشركة، مساء الخميس، ثم يعيد الكَرَّة فيرجع إلى المصنع صباح السبت. وبدأ عصفور الزواج ينقر قلبه وعقله، فأكرمه الله، وتزوّج من ابنة صديق لوالده، وهي سيدة كريمة من بيت كريم.

***
بينما كان صاحبي يتقدم في عمله بالمصنع، حائزا ثقة أغلب المحيطين به، لاحظ أن عديدا من الماكينات تتصاعد حرارتها بنحوٍ فوق الطبيعي المعتاد، حتى أن العاملين كانوا يضطرون إلى إيقافها للتبريد خشية عطبها، مما كان يعوق عجلة الإنتاج. وأعملَ صاحبي عقله في الأمر كثيرا، وبعد تفكير عميق تفتق ذهنه عن فكرة رائعة لحل هذه المشكلة، فعرضها على كبير المهندسين، وهي تصميم محرك تبريد للمكائن، فبادر مسؤولو المصنع بتنفيذ الفكرة وتجربتها، وسرعان ما حققت نجاحاً باهراً، استدعاه على إثره مدير المصنع وشكره ومنحه مكافـأة قدرها 5 آلاف جنيه، في وقت لم يكن فيه راتبه يتجاوز 600 جنيه فقط.

وفي أحد مساءات الخميس، كان أتوبيس المصنع يُقل العمال في طريقه المعتاد كي يعيدهم إلى منازلهم لعطلة نهاية الأسبوع. وكان صاحبي يجلس بجوار زميل له، فطلب منه زميله أن يتبادلا مكانيهما فوافق، وعند منعطف قاسٍ فوجئ السائق بكمين أقامه أحد الضباط - سامحه الله - في هذا المكان الخطر، ومن هول المفاجأة ضغط السائق الفرامل بشدةٍ كانت كافية لتقلب الأتوبيس عدة مرات على أسفلت الطريق كلعبة أطفال!!

(البقية غداً بمشيئة الله)

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.