بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي فرض على عباده الحج إلى بيته الحرام ورتب على ذلك جزيل الأجر ووافر الإنعام أحمده سبحانه على الرخاء والنعماء وأشكره في السراء والضراء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شرع الشرائع وأحكم الأحكام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من صلى وصام ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الكرام، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها وتألفت به القلوب بعد شتاتها وسارت دعوته سير الشمس في الأقطار وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار، وإستجابت لدعوته القلوب طوعا وإذعانا، وإمتلأت بعد كفرها أمنا وإيمانا، فجزاه الله عن أمته أفضل الجزاء وصلى عليه صلاة تملأ أقطار الأرض والسماء وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد يقول الله تعالي " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم "
وفي تفسير هذه الآية كلام جميل للمفسرين، منه ما ذكره ابن جرير أن في الآية ثلاثة أقوال، فالأول هو عن ابن مسعود رضي الله عنه قال يجاهدهم بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه، والثاني هو عن الحسن وقتادة أن المراد جهاد الكفار بالسيف، وجهاد المنافقين بإقامة حدود الله عليهم، والثالث هو عن ابن عباس رضي الله عنهما يقول جاهد الكفار بالسيف، وأغلظ على المنافقين بالكلام، ثم إختار ابن جرير قول ابن مسعود رضي الله عنه حيث يقول وأول الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب ما قاله ابن مسعود من أن الله أمر نبيه المصطفي صلى الله عليه وسلم من جهاد المنافقين بنحو الذي أمره به من جهاد المنافقين، ويقول سيد قطب في تفسير هذه الآية لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لاين المنافقين كثيرا.
وأغض عنهم كثيرا وصفح، فها هو ذا يبلغ الحلم غايته، وتبلغ السماحة أجلها، ويأمره ربه أن يبدأ معهم خطة جديدة، ويلحقهم بالكافرين في النص، ويكلفه جهاد هؤلاء وهؤلاء جهادا عنيفا غليظا لا رحمة فيه ولا هوادة، وإن للين مواضعه وللشدة مواضعها، فإذا انتهى أمد اللين فلتكن الشدة، وإذا انقضى عهد المصابرة فليكن الحسم القاطع، وللحركة مقتضياتها، وللمنهج مراحله، واللين في بعض الأحيان قد يؤذي، والمطاولة قد تضر، فكل هذا يؤكد لنا علو همة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف لجأ إلى الشدة والقوة في معاملة المنافقين إذا دعت الحاجة إليها لأن الضمير في قوله تعالى " واغلظ عليهم " يعود على الفريقين، الكفار والمنافقين ومعناه جاهدهم بكل ما تستطيع مجاهدتهم به، بما تقتضيه الحال، واشدد عليهم في هذه المجاهدة.
ولقد كانت همة النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم في أداء هذه الفريضة أداء أصحاب الهمم العالية، والشجاعة الإقدام والثبات على المبدأ، وإحتقار الموت في سبيل العقيدة، فهمته قد بلغت الذروة في هذا الأمر، فكان المجاهد الأعظم في التاريخ، حارب يوم بدر ويوم أحد، ويوم الخندق، ويوم حنين، وفي كثير من المواقع التي يعاني فيها من القلة من المؤمنين ومن ضعف الشوكة كان يقف النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة الفتن والحوادث الجسام بإيمان راسخ، وهمة عالية ليكافح أعداء الملة والدين، بصبر ومصابرة، وهمة وعزمة صادقة، فعلينا أن نقتدي بأعظم صاحب همة عالية وهو رسولنا المصطفي صلى الله عليه وسلم وخاصة ونحن في هذه الأيام نعيش في وقت أظهر الكفار والمنافقون حقدهم وبغضهم للإسلام، فلنجاهد كما أمرنا القرآن الكريم حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
إضافة تعليق جديد