محمد سعيد أبوالنصر
حكم الْحَلِف والترجي بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ.
هل يجوز في الإسلام القسم بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم والحلف به ،وهل هناك فرق بين الترجي والحلف ؟وما حكم الحلف بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ على وجه الترجي وتأكيد الكلام لا على وجه القسم؟
الجواب .
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْحَلِفِ بِالأَْنْبِيَاءِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إِلَى كَرَاهَةِ الْحَلِفِ بِالأَْنْبِيَاءِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ.
وقال الإمام ابن تيمة في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم بعد أن ذكر أن للحنابلة قولين في انعقاد اليمين بالنبي صلى الله عليه وسلم وعدم انعقادها: لكن القول الذي عليه جمهور الأئمة كمالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم أنه لا ينعقد اليمين بمخلوق ألبته، ولا يقسم بمخلوق ألبته وهذا هو الصواب"
وقال الإمام ابن حجر "اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَى النَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ خَاصٌّ بِالْأَيْمَانِ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَحْلِفُونَ بهَا تَعْظِيمًا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَالْآبَاءِ فَهَذِهِ يَأْثَمُ الْحَالِفُ بِهَا وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا .
وَأَمَّا مَا كَانَ يَؤُولُ إِلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ وَحَقِّ النَّبِيِّ وَالْإِسْلَامِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْهَدْيِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُرَادُ بِهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ وَالْقُرْبَةُ إِلَيْهِ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي النَّهْيِ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ وَطَائِفَةٌ مِمَّنْ لَقِينَاهُ وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ إِيجَابِهِمْ عَلَى الْحَالِفِ بِالْعِتْقِ وَالْهَدْيِ وَالصَّدَقَةِ مَا أَوْجَبُوهُ مَعَ كَوْنِهِمْ رَأَوُا النَّهْيَ الْمَذْكُورَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ إِذْ لَوْ كَانَ عَامًّا لَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَلم يوجبوا فِيهِ شَيْئا انْتهى وَتعقبه بن عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانَتْ بِصُورَةِ الْحَلِفِ فَلَيْسَتْ يَمِينًا فِي الْحَقِيقَةِ وانما خرج على الِاتِّسَاعِ وَلَا يَمِينَ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا بِاللَّهِ
ولعل هذا هو الفرق بين الحلف والترجي "فالترجي أو تأكيد الكلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بغيره مما لا يُقْصَد به حقيقةُ الْحَلِف فهو ليس من باب الحلف ،ولا تنعقد به اليمين ،"وغير داخل في النهي أصلًا، بل هو أمر جائزٌ لا حرج فيه؛ لوروده في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الصحابة وجريان عادة الناس عليه بما لا يخـالف الشـرع الشـريف، وليس حرامًا ولا شركًا كما يُقال، ولا ينبغي للمسلم أن يتقول على الله بغير علم، ولا يجوز له أن يتهم إخوانه بالكفر والشـرك فيدخـل بذلك في وعيد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» رواه مسلم.
"إن الترجي قد ورد في كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الصحابة الكرام؛فمن ذلك ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَا وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّهْ؛ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ» إلخ الحديث.
وروى الشيخان أن امرأة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت له: «لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي؛ لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ» تعني طعام أضيافه.
وقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ)
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم": قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ لَيْسَ هُوَ حَلِفًا إِنَّمَا هُوَ كَلِمَةٌ جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ تُدْخِلَهَا فِي كَلَامِهَا غَيْرَ قَاصِدَةٍ بِهَا حَقِيقَةَ الْحَلِفِ وَالنَّهْيُ إِنَّمَا وَرَدَ فِيمَنْ قَصَدَ حَقِيقَةَ الْحَلِفِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْظَامِ الْمَحْلُوفِ بِهِ وَمُضَاهَاتِهِ بِهِ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُرْضِي"
إضافة تعليق جديد