رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 26 يونيو 2024 5:54 م توقيت القاهرة

سـامـي بـوادي يـكتـب: المبدع الحق صاحب قيم واخلاق لاتعدي ولا نفاق

"الابداع" عند الفلاسفة واللغوين يعني : إيجاد شيء غير مسبوق ، بمعنى : أن الابداع عندهم يراد به الابتكار ، أي: إيجاد الشيء من العدم ، وبهذا فإن الابداع إتيان الجديد غير المسبوق ، ويستوعب ذلك مضامين عدة قد تكون : فنية ، أدبية ، علمية ، ... الخ .
وفي الشرق عمومًا يشكل الدين عنصرًا أساسيًّا من عناصر الشخصية الإنسانية، ولأجل هذا أصبح الثوابت الدينية تشكل كل عناصر الثقافة، سواء الموروثة أو المكتسبة، وعلى ذلك انصاعت الثقافة إلى الدين، وأصبح الدين جزءًا لا يتجزأ من التكوين المعرفي والثقافي لدينا.
وتحرص المؤسسات الدينية على حماية المقدسات والقيم الدينية من العبث أو الاحتقار أو الازدراء بالتدخل السافر، ولقد افسحت لدولة المجال للمؤسسات الدينية التي تملك الحجة الأقوى في ممارسة دورها في اظهار ما يحدث من افتراء علي امور الدين احيانا
فحرية الإبداع ترتبط بمبدعين أصحاب رسالات.. يؤمنون بالقيم الفاضلة التي تساعد على تطور الإنسان.. وتشيع في المجتمع مبادئ الحق والعدل والشرف والصدق. وهى تعني مقاومة الإنهيار الذي يجتاح النفوس والدفاع عن كل قيم الحياة الإنسانية. وتعني أيضا إلقاء الضوء على ما في الدنيا من خير وجمال و حب وحماية الوجود والعلاقات الإنسانية من الذين فسدت قلوبهم واستبد بهم شره جمع المال فحسب. وتقتضي تطهير جو الثقافة من كل من هو غريب عنه ومتطفل عليه ومن لا يعنيه سوى جني الأرباح بإشاعة الحقد و سلطان الشهوات والهوان وانتصار الزيف واليأس والقبح وتحطيم ثقة المواطن في معاني النبل والصدق والشرف والوفاء والنقاء والطهر.
نعم المواثيق والقوانين الدولية تحمي حرية التعبير، ومنها الإقرار بحق كل شخص في التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء، بدون أن يضايقه أحد، وفي التماس الأراء والأفكار وتلقّيها ونقلها إلى الآخرين في أي وسيلة وبدون اعتبار للحدود. كذلك هناك حرية المطبوعات والنشر وهو ما يُعرف بحرية الصحافة، وتعني حرية الأفراد في ذيوع الأفكار ونشرها ووصولها إلى الجمهور عن طريق الصحف والكتب. لكن حرية اذاعة هذه الافكار والأراء هي العمود الفقري لحرية التعبــــير، لأنها وســـيلة نشر هذا الرأي والتعبير عنه، ولخطورته فقد نظمها القانون.
ولا غضاضة لهم ان تصدي القانون ليحمي المجتمع من التدمير والتخريب بإسم الإبداع.. ولا تعاطف مع هؤلاء الذين لا يعون ولا يدركون رسالة الإبداع الإنسانية الرفيعة ويعتبرون الإبتذال والإسفاف والسوقية والاعتداء علي القيم والرسالات من حرية الإبداع فهذا مبلغهم من العلم.هؤلاء ومن يؤيدونهم هم في حقيقة الأمر بعيدين كل البعد عن تنوير المجتمع وتطويره او تجديده بل هم عار على الثقافة والإبداع في مصر
والكل يعلم وبوعي ان "حق الابداع الفكري والفني والادبي" ، وغيره من مظاهر الابداع يستمد من حقوق وحريات أخرى وردت صراحة في الدستور كونه مشتق منها أو متفرع عنها أو بوصفه مظهراً من مظاهرها أو وسيلة لممارستها ، فحرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل أصلاً عاماً للعديد من الحريات الأخرى واخصها "الابداع الفني والادبي" وغيره ، كون التعبير عن الرأي قد يكون من خلال الوسائل الفنية أو الأدبية كافة ، ولا يحده في ذلك سوى النظام العام والآداب بوصفهما قيودا عامة تحد الحرية وتنظم ممارستها ، لذا لا يكون الترخيص المسبق للعمل الفني والادبي الإبداعي أو العقوبة على اتيانهما دون ترخيص موافق لكفالة الدستور لهما ، وبخاصة إذا لم يقف السند الدستوري لهما بحدود التفريع عن حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل فقط بل تعداه الى أسس دستورية أخرى
ولذا فقد خاب من قال مبررا ان حرية الرأي والابداع يجب توفيرها للمفكر دون قيد او شرط او احترام لثوابت فلا يمكن تبرير إهانة مشاعر المؤمنين والتعدي علي الكتب السماوية بدعوي حرية الإبداع،
فان كان الكل يري ان حماية الآداب العامة والمحافظة على الأمن والنظام العام ومصالح الدولة العليا، امر واجب علي الكل في اعماله الادبية والفكرية ولا يجوز أن يتناول العمل الفنى ما يمس أداب المجتمع ويخرق أخلاقياته، أو ما يحض على الرذيلة وإثارة الفُحش بين الناس، أو ما يدعو الناس إلى الإخلال بالنظام العام والإضرار بمصالح الدولة العليا، فإذا ما خرج المصنف الفنى السينمائي عن أحد هذه الحدود عُد خارجاً عن المقومات الأساسية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأخلاقية أو السياسية التي يحميها الدستور والتي تعلو وتسمو دائماً في مجال الرعاية والحماية على ما تتطلبه الحرية الفردية الخاصة. فمن اولي اولي واعمق انه لا يجوز التعدي علي ما ثبت وقر بالكاتب والسنة والزعم بانها خرافات وكان اولي بصاحب هذه المهاترات ان يسترشد ولو بمداخلة تليفونية باحد كبار رجال الدين ويضع الامر في كونه تساؤال ويجب الرد عليه لا ان يقدم لنا ماتمخض عنه جبل فكره وعقله من فئران
ففى كل بلاد الدنيا هناك قواعد تنظم حرية الرأى والتعبير مستمدة من الدستور والقانون يراعيها معظم المثقفين ورموز الإبداع والأعمال الفنيةفلا يمكن مثلًا أن تنكر ان المساس بالذات الإلهية والسخرية من الأديان، هو أمر مُجرَّم فى مجتمعاتنا دستوريًا وقانونيًا ومرفوض من قِبَل الرأى العام.
والقواعد المنظمة لا تمثل قيدًا على حرية الرأى والتعبير والإبداع، إنما تنظمها بما يتلاءم مع القيم الأساسية فى كل مجتمع ومن الجدير بالذكر ان المحكمة الدستورية العليا في مصر تعمل في إطار تمييز المشرع الدستوري بين "حرية الابتكار" وكفالتها ضمن "حرية البحث العلمي" من جهة و "حرية الابداع الفني والادبي" وكفالتها ضمن "الفنون والآداب" من جهة ثانية، مامؤداه انفصال معنى الابتكار ونطاقه وغايته عن معنى الابداع ونطاقه وغايته ، مما يجعل الجهد القضائي الملقى على عاتق المحكمة الدستورية اشق في سعيها لكفالة "الحق في الابداع" في أوجه مناحي الحياة كافة دون التوقف بحدود الابداع في مجال البحث العلمي .
وبالنتيجة لم تكن المحكمة الدستورية العليا في مصر مضطرة الى تقرير : عدم دستورية العقوبة المرصودة لمن يتعدي علي قيم المجتمع او يتعدي علي الاديان ، اعتماد علي تفريع الحقوق والحريات بوصف حرية الابداع الفكري فرعاً من حرية التعبير ومظهراً من مظاهرها ، كون مؤدى هذا يطلق العنان لأصحاب العقول والذمم الشاطحة الخربة في التعدي علي الاديان وقيم المجتمع "
كان علي هذا على الإعلامي الشهير بتغيير اقواله سواء في الحياة او شهادته امام المحاكم أن يتحرى الدقة قبل أن يقدم إلينا مثل ما قال لان ذلك يمثل صورة من المعلومات والحقائق المغلوطة التي تفتقر إلى أبسط قواعد المهنية في هذا النوع من الإعلام. لابد أن يحال كل من تسبب في هذا التخريب إلى التحقيق فورا سواء كان من أجاز العمل أو شارك فيه أو دعمه من قريب أو بعيد. وهنا أطالب كما يطالب الملايين مثلي بوضع حد لهؤلاء المنتفعين الذين أحالوا الحياة إلى جحيم لا يطاق..وهم يجمعون الملايين في إعلام يبث سمومه وأكاذيبه في عقول تم تجريفها وهدم قدرة معظمها على التطلع للمعرفة الجادة،فلم تعد تستقي معارفها إلا من خلال هذا النوع من الإعلام

 

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.