بقلم: دكتورة دلال عبد الحليم حسن
استشاري الصحة العامة وطب الأسرة
زميل الكلية الملكية البريطانية في الطب العام - لندن
ما المقصود بالاستقامة وقامة الإنسان؟ وهل توجد علاقة وثيقة بين العظام واعتدال قامة الإنسان؟ وكيف وصف القرآن الكريم عن مرض العظام؟ وهل هناك فارق علمي بين حالة ضعف العظام ومرض الهشاشة بالعظام؟ وما الشكل بين عظام صحية سليمة وعظام مصابة بالهشاشة قابلة للكسر العاجل؟
يعد الاهتمام بصحة العظام موضوع حيوي لأنها تدخل في تكوين بنية جسم الانسان فهي المسؤولة عن تحديد حجم الهيكل البنائي والشكل العام للجسم واستقامة الطول بما يعرف بالمعني اللغوي بمصطلح " قامة الإنسان" أي طوله، قده، قوامه وهي كلمات جميعها تصف الطول المستقيم للجسم , كما يوصف أيضا شكل الجسم الحسن للإنسان بمصطلح " القوام الممشوق" وهو مصطلح يعرف في المعجم العربي بمعني حسن الطول والاستقامة
ومتناسق الجسم , وصحة عظام جسم الانسان من الأهداف الأساسية التي تسعي لها جاهدة منظمة الصحة العالمية حيث خصصت تاريخ العشرين من شهر أكتوبر كل عام لإلقاء الضوء و التوعية الصحية اللازمة للوصول الي عظام قوية بجميع مراحل العمر و تشجيع المواطنين بالمجتمعات الدولية للكشف المبكر عن القصور بصحة
وسلامة العظام وهو الأمر الذي لا يعد بالجديد أو الغريب علي منارة علم تعزيز صحة الانسان السليم الذي لا يبدو عليه أعراض مرضية واضحة تلفت الانتباه لوجود مرض خفي , فلقد سبق وصف القرآن الكريم ضعف عظام الانسان وصفا دقيقا وربطه مع التقدم في مراحل العمر بالشيخوخة في الآية “ قال رب إني وهن العظم مني
واشتعل الرأس شيبا " مريم, كما وصف انحناء العمود الفقري بسبب هشاشة العظام في فئة المسنين بوصف انكسار القامة والانحناء دلالة علي ضعف العظام و تأثيرها البليغ علي مستوي طول الانسان واستقامة قامته كما جاء بالآية في قوله تعالي : "ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا تعقلون " يس.
- من هذا التمهيد ندرك المعني الحقيقي لأهمية صحة العظام في جسم الانسان وضرورة العمل على استطالة عمر العظام السليمة في جميع مراحل نمو الانسان حتى
-
-
- تصل الي الشيخوخة بعظام صحية قوية تخلو من " الوهن " أي الضعف والقابلية للتفتت أو الكسر من أبسط أنواع الصدمات لدي حياة المسنين أو أدني في العمر إذا توافرت عوامل خطورة تؤدي الي حدوث هشاشة مبكرة أو وهن العظام في مراحل عمرية متوسطة.
-وما هي أعراض الهشاشة وضعف العظام؟ يعرف بالمرض الصامت "Silent disease “ لأنه لا تظهر له أعراض الا بمراحل متأخرة بعد حدوث كسور بالعظام الخاوية أي فارغة البناء من عنصر الكالسيوم ويحدث الكسر خاصة في عنق عظمة الفخذ التي تحمل الساق مع عظم الحوض
-
-
- يليه كسور بفقرات الظهر وعظم الرسغ واليد , كما لا تظهر مبكرا أعراض مرضية واضحة عن وهن العظام بل تمر دون أن تكتشف قبل حدوث الهشاشة متأخرا , و قد يشعر المريض بآلام في الظهر و الساقين و عدم القدرة علي بذل جهد بدني حركي يستخدم فيه العضلات و العظام في عمل شاق أو حتي متوسط الأمر الذي يشير الي البحث عن الهشاشة.
-فما هو المعني العلمي لهشاشة العظام وكذلك وما هو وهن العظام؟ تتكون العظام في جسم الانسان من عنصر فوسفات الكالسيوم والكولاجين حيث تمر العظام بعمليات تغيير وبناء الخلايا العظمية منذ مراحل الطفولة فتكون العظام لينة الي أن تتدرج قوة بناء وكثافة العظام و ترسب عنصر الكالسيوم فوسفات لتصل الي أقصي صلابة في
-
- أواخر العقد الثاني من العمر و يساعد في ذلك السلوك الصحي السليم الذي يساعد في بناء عظام قوية صحية في مرحلة الشباب مثل ممارسة التمارين الرياضية لتقوية العضلات و التغذية الصحية التي تركز علي الأطعمة الغنية بالكالسيوم وفيتامين د , والعكس صحيح فاذا كان هناك
-
-
- قصور واضح في تلك العوامل الهامة لبناء الهيكل العظمي للإنسان تصبح القامة و التركيب للجسم في حالة ضعف وربما تصل الي عظام خاوية أي فارغة من عنصر الكالسيوم المسؤول عن الصلابة , فاذا كانت بنية العظام ضعيفة بالمراحل العمرية من الطفولة الي المرحلة الوسطي فمن المتوقع النتيجة تصبح هشاشة بالعظام في مرحلة
- الشيخوخة ومع تقدم العمر, كما أن خلايا العظام تتعرض لعمليات بناء تعرف " Osteoblast Cell" وعمليات فقد تعرف " Osteoclast Cell " بمعدلات تختلف مع مراحل العمر فاذا حدث عدم توازن بين نسب عمليات الفقد و البناء سينتج عنه خلل في بنية الهيكل العظمي وصلابته يحصد عواقبه المسنين
لذلك يعد برنامج الكشف المبكر عن مرض "هشاشة العظام " و يعرف طبيا باسم “Osteoporosis Screening Program” ” من أهم البرامج العالمية الاستكشافية لتعزيز الصحة البدنية لدي النساء و الرجال قبل عمر الستين عام , وهام للنساء خاصة نظرا لأنهن أكثر عرضة للإصابة بالهشاشة في الفترة ما بعد انقطاع الطمث و كثرة أمراض خلل هرمون الاستروجين الواقي من الهشاشة
لديهن و أثبته الإحصاء الرقمي في مصر حديثا أن نسبة الإصابة بهشاشة العظام بين النساء 28.4% بينما تصل نسبة الإصابة بوهن العظام لديهن الي 54% , وتصل نسبة إصابة الرجال بالهشاشة الي 21.9% , بينما نسبة الرجال المصابون بوهن العظام في مصر تصل الي 26% وهي مرحلة تسبق الهشاشة و تحتاج الي تدخل سريع للمعالجة قبل حدوث الكسور العظمية .
البرنامج الاستكشافي لوهن العظام والهشاشة مبكرا يستخدم جهاز قياس مبدأي لتحديد مستوي كثافة العظام في مراحله الأولي
ويعتمد البرنامج على تقديم اختبار بسيط يكشف عن قياس كثافة العظام يعرف بمقياس تدريج " T-Score " الذي يحدد نسب صلابة صحة العظام و تبدأ بمرحلة وهن العظام ثم الهشاشة أي عظام خالية من عنصر الكالسيوم بنسب متفاوتة تحدد متي البدء في خطة العلاج، ويعتبر
ضعف العظام هي المرحلة المبكرة التي تسبق الهشاشة الحقيقية ويصحبها حدوث كسور بالعظام غير متوقعة من أبسط الصدمات وبهذه المرحلة المتأخرة ينحني العمود الفقري وتقصر القامة نظرا لانهيار بنية فقرات العمود الفقري مع ظهور آلام شديدة بالظهر والإعاقة في الحركة وعدم القدرة لتحميل وزن الجسم بالهيكل العظمي الضعيف.
ثم يتبع الاختبار المبدئي للكشف عن الهشاشة اختبار أدق قياسا بعمل أشعة تعرف DXA لتحديد مستوى كثافة العظام بعظام الفخذ و العمود الفقري للتشخيص و لتحديد نتيجة T Score التي يتم بها المعالجة ثم متابعة الشفاء
وقد أثبتت الدراسات العالمية أن معالجة وهن العظام قبل بدء حدوث الهشاشة يسهم كثيرا في رفع نتائج الشفاء وعدم حدوث الكسور وعواقبها واقلال نسب الوفيات الناجمة عنه، كما أثبتت أن أفضل الطرق للحصول على عظام صحية صلبة هو اتباع طرق الوقاية من الهشاشة واكتشافها مبكرا للمعالجة السريعة.
أيضا أثبتت دراسات حديثة أن أهم طرق الوقاية من الهشاشة هي الرياضة البدنية التي تقوى العضلات فهي تساعد خلايا بناء العظام لتصبح أكثر صلابة حتى مع تقدم العمر، فالمسنين الذين يمارسون رياضة بدنية منتظمة عظامهم لا تشيخ .
كما تلعب نظم التغذية الصحية دورا حيويا هاما في بناء العظام فالأطعمة الغنية بالكالسيوم وفيتامين د اللازمين لبناء العظام مع التعرض لأشعة الشمس يساعد على بناء وصحة عظام الجسم بجميع مراحل العمر للإنسان، وتنمية الوعي الغذائي الصحي من أهم رسائل التثقيف الصحي والوعي الإعلامي بالمجتمع الحضاري.
و تلخيص لما سبق نوصي بضرورة الاهتمام بصحة العظام واستكمال البرنامج الاستكشافي لتعزيز الصحة البدنية للمسنين وتيسير الكشف مبكرا عن هشاشة العظام بعمل اختبار دقيق BMD bone mineral density “ “ لاستكشاف مرض هشاشة العظام و علاجه في مرحلة مبكرة من وهن العظام وتيسير تقديم خدمات الكشف
المبكر عن صحة العظام في مراحل الشيخوخة بمراكز الرعاية الصحية و المستشفيات المتخصصة لعلاج العظام . كذلك يتم رفع الوعي الثقافي لدي المواطنين بشرح طرق الوقاية من الهشاشة والتنويه عن خطورة اهمال علاج الهشاشة، وأهمية السعي لعمل اختبار الكشف عن وهن العظام والهشاشة.
كذلك توجيه اهتمام للفئات ذوي عوامل الخطورة المسببة للهشاشة المبكرة مثل انقطاع الطمث مبكرا عند النساء واضطرابات الغدة جار الدرقية، استخدام للكورتيزون فترات تزيد ثلاثة الشهور والتدخين بشراهة وسوء التغذية
بالأطعمة التي لا تحتوي على نسب كالسيوم عالية ولا تحتوي على فيتامين د كذلك عدم تعرض الجلد لأشعة الشمس التي تبني فيتامين د بالعظام وتزيد من صحة وصلابة العظام بجميع مراحل العمر, أيضا التنويه عن أهمية المداومة علي ممارسة الرياضة البدنية التي تحافظ علي عظام قوية تخلو من الهشاشة .
إضافة تعليق جديد