بقلم / محمد سعيد أبوالنصر
بين يدي السورة
سورة النصر مدنية، وآياتها ثلاث وتعدل ربع القرآن، و" إذا زلزلت " تعدل ربع القرآن. ، وهي تتحدث عن " فتح مكة " الذي عز به المسلمون ، وانتشر الإسلام في الجزيرة العربية ، وتقلمت أظافر الشرك والضلال ، وبهذا الفتح المبين ، دخل الناس في دين الله ، وارتفعت راية الإسلام ، واضمحلت ملة الأصنام ، وكان الإخبار بفتح مكة قبل وقوعه ، من أظهر الدلائل على صدق نبوته ، عليه أفضل الصلاة والسلام.
سورة النصر آخر سورة نزلت من القرآن
روي مسلم والنسائي: عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس: يا ابن عتبة، أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت ؟ قلت: نعم، " إذا جاء نصر الله والفتح " قال: صدقت
وقال الطبراني: عن ابن عباس قال: آخر سورة نزلت من القرآن جميعا: {إذا جاء نصر الله والفتح}
وروى الحافظ أبو بكر البزار والبيهقي عن ابن عمر قال: أنزلت هذه السورة: " إذا جاء نصر الله والفتح " على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق، فعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحلت، ثم قام فخطب الناس، فذكر خطبته المشهورة
بسم الله الرحمن الرحيم
{إذا جاء نصر الله والفتح (1) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا (2) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا (3) }
{إذا جاء نصر الله والفتح (1)}
هذه السورة الكريمة فيها نعي النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا تسمى سورة (التوديع) وهذا المعنى للسورة هو ما فسره ابن عباس وعمر، رضي الله عنهما، ،وحين نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة: ما أراه إلا حضور أجلي، وقال ابن عمر: نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع، ثم نزلت {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] الآية فعاش بعدهما النبي صلى الله عليه وسلم ثمانين يوما. وروى الإمام البخاري عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه،(فقال له عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -:) (لم تدخل هذا الفتى معنا , ولنا أبناء مثله؟)فقال عمر: إنه من حيث تعلم) أو فقال عمر: إنه ممن قد علمتم فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم، فما رؤيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم فقال: ما تقولون في قول الله، عز وجل: {إذا جاء نصر الله والفتح} ؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا. وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، قال: {إذا جاء نصر الله والفتح} فذلك علامة أجلك، {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} فقال عمر بن الخطاب: لا أعلم منها إلا ما تقول. تفرد به البخاري
وقال الحافظ البيهقي: عن ابن عباس قال: لما نزلت: " إذا جاء نصر الله والفتح " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته وقال: "إنه قد نعيت إلي نفسي"، فبكت ثم ضحكت، وقالت: أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت، ثم قال: "اصبري فإنك أول أهلي لحاقا بي" فضحكت "
وقال الإمام أحمد: عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إذا جاء نصر الله والفتح} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعيت إلي نفسي".. بأنه مقبوض في تلك السنة. تفرد به أحمد
وقال ابن جرير: عن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة إذ قال: "الله أكبر، الله أكبر! جاء نصر الله والفتح، جاء أهل اليمن". قيل: يا رسول الله، وما أهل اليمن؟ قال: "قوم رقيقة قلوبهم، لينة طباعهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية"
وقال الطبراني والنسائي عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إذا جاء نصر الله والفتح} حتى ختم السورة، قال: نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين نزلت، قال: فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا في أمر الآخرة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: "جاء الفتح ونصر الله، وجاء أهل اليمن". فقال رجل: يا رسول الله، وما أهل اليمن؟ قال: ""قوم رقيقة قلوبهم، لينة قلوبهم ، الإيمان يمان، والفقه يمان"
" والمعنى "اعلم أنك إذا فتحت مكة -وهي قريتك التي أخرجتك-ودخل الناس في دين الله أفواجا، فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا، فتهيأ للقدوم علينا والوفود إلينا، فالآخرة خير لك من الدنيا، ولسوف يعطيك ربك فترضى، ولهذا قال: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}
إضافة تعليق جديد