رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 14 يونيو 2025 4:24 م توقيت القاهرة

عالم على صفيح ساخن هل يكتب الشرق الأوسط فصله الأخير؟

بقلم د/سماح عزازي
في الوقت الذي تعيد فيه الجغرافيا ترتيب أولوياتها، وتُسقط فيه التوازنات القديمة أمام زحف تحالفات جديدة، يبدو الشرق الأوسط وكأنه يمضي نحو منعطف لا عودة فيه. لم يعد الصراع حول الأرض فقط، بل حول المعنى، والهوية، والذاكرة، والقرار المستقل. كل ما كان "ثابتًا" أصبح اليوم عرضةً للتغيير أو الطمس أو التزييف، وكأنّ الأمة تُقاد، لا بقوة السلاح وحده، بل بسلطة الرواية... نحو نهاية لم تختر أن تكتبها. فهل نحن أمام فصل أخير؟ أم أمام بداية جديدة يكتبها من تبقى من الوعي والضمير؟
في عالم باتت خرائطه تشتعل أكثر من حدوده، ومعادلاته تتغير بسرعة تفوق فهمها، يقف الشرق الأوسط مجددًا في قلب الزلزال. ليس زلزالًا جيولوجيًا بالمعنى الحرفي، بل سياسيًّا، استراتيجيًّا، وجوديًّا… كأنما هذه البقعة من الأرض، التي ظلت مسرحًا لصراعات الأمم منذ آلاف السنين، قد قُدّر لها أن تكون دائمًا "الخاصرة الرخوة" للعالم، و"القلب الساخن" لكل إمبراطورية.
تحولات الخرائط واللاعبون الجدد
لم تعد الحدود مقدسة، ولا السيادة مُحصّنة، ولا الحروب معلنة. دخلنا زمن الحروب الهجينة، حيث تتقاطع الجغرافيا مع المعلومات، والتحالفات مع الاقتصاد، والقرار الوطني مع غرف الاستخبارات.
تستخدم القوى الكبرى أدوات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي، الاقتصاد الرقمي، والعقوبات الذكية لإعادة تشكيل المشهد الإقليمي دون الدخول في حروب تقليدية، وهو ما تسميه مراكز الدراسات بـ"الهندسة الجيوسياسية الناعمة".
"في النظام العالمي الجديد، لا تسقط الدول بالاحتلال، بل بالإفلاس أو العزلة."
ـ زبغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق.
إسرائيل الحضور في كل الغرف
لم تعد إسرائيل عدوًّا معزولًا، بل شريكًا في مشاريع الطاقة، الأمن، التكنولوجيا، والزراعة. واللافت أن حضورها يتم عبر بوابة الشرعية الناعمة.
تشير تقارير RAND وHarvard International Review إلى أن إسرائيل تحوّلت إلى مركز أمني وتكنولوجي يخترق الإقليم عبر اتفاقيات اقتصادية وأمنية، لا عبر الاحتلال فقط.
"الصهيونية لم تنتصر بالقوة فقط، بل بتطبيع الرواية، وجعل وجودها ضرورة جيوسياسية."
ـ إدوارد سعيد، مسألة فلسطين
النفط والغاز... من نعمة إلى أداة حرب
أوروبا الآن رهينة الغاز، وروسيا تعيد صياغة الجغرافيا بالسلاح الاقتصادي، في حين يحاول الخليج التوازن بين المحاور المتنازعة.
تظهر دراسات مجلة Foreign Policy أن التحكم في خطوط الغاز (مثل خط نورد ستريم وخطوط شرق المتوسط) بات سلاحًا استراتيجيًا يعيد ترتيب التحالفات العالمية.
"الغاز هو السلاح النووي الجديد، والأنابيب حدود جيوسياسية متنقلة."
ـ توماس فريدمان، نيويورك تايمز
إيران وتركيا... مشروعان متقاطعان في زحمة الانهيارات
تتقاطع مصالح طهران وأنقرة في سوريا والعراق واليمن وليبيا، كلٌّ باسم المذهب والتاريخ، والنتيجة: خرائط متآكلة وشعوب ممزقة.
توصّف دراسات مركز كارنيغي الصراع الإيراني التركي بأنه صراع "ظلّ"، تديره الميليشيات، وتغذيه الطموحات الإمبراطورية، بينما تدفع الدول الهشة الثمن الأكبر.
"الشرق الأوسط هو المكان الوحيد الذي تنهار فيه الدولة وتُستنسخ فيها الطوائف."
ـ فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لندن
أين العرب؟ ما بين الحياد والضياع
تفقد الدول العربية تدريجيًا وزنها السياسي في ظل غياب مشروع عربي موحّد. الجامعة العربية تكتفي بالبيانات، والشعوب تُترك بلا بوصلات.
يرى الباحث رضوان السيد أن تآكل الخطاب القومي العربي، وتغليب المصالح القطرية على المشتركة، أدى إلى تفكك الذات العربية وإضعاف تأثيرها في الملفات الإقليمية.
"العرب قوة كامنة بلا مشروع، وصوت بلا صدى."
ـ محمد حسنين هيكل
الشرق الأوسط هل هذا فصل النهاية؟
ربما لا نكتب "الفصل الأخير"، ولكننا بالتأكيد في قلب "الفصل المفصلي"، حيث تختبر الشعوب قدرتها على البقاء، والهويات على الصمود، والدول على الاستمرار.
يرى نعوم تشومسكي أن تحوّل الشرق الأوسط إلى "منطقة اختبار للأنظمة المتداخلة" يجعل أي انفجار فيه قابلًا للتمدّد إقليميًا وعالميًا.
"الشرق الأوسط ليس منطقة، بل مسرح اختبار دائم لفشل النظام العالمي."
ـ نعوم تشومسكي
رهان على الوعي
بين نيران الخرائط، وحرائق الروايات، يبقى الوعي الشعبي والتاريخي هو جدار الصد الأخير. فمن يملك الرواية، يملك المستقبل. ومن ينسى ماضيه، يكتب نهايته بيد غيره.
"الذين لا يكتبون تاريخهم، يقرؤونه بلغة أعدائهم."
ـ عبد الرحمن منيف
ربما لا تملك الشعوب رفاهية اختيار اللحظة التاريخية التي تُلقى فيها في قلب النار، لكنها تملك – دائمًا – الحق في أن تُنقذ ذاتها من الاحتراق الكامل. الشرق الأوسط ليس جغرافيا ملتهبة فحسب، بل هو سؤال مفتوح على احتمالات الوعي أو الغياب، على بقاء الهوية أو زوالها. وفي زمنٍ يُعاد فيه تشكيل الخرائط، تظلّ الرواية الصادقة والضمير الحي والذاكرة المقاومة، هي الأركان التي يصمد بها الوجود العربي أمام عبث الكبار… فالتاريخ لا يُكتب في مؤتمرات السلام، بل على جدران الوعي، وفي سطور من يقاوم حتى لا يُمحى

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
8 + 12 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.