قصة مقاتل المدرعات احمد فتح الله فى حرب اكتوبر 1973
ما ستقرأه الأن هى ملحمة حقيقية حدثت فى #حرب_اكتوبر_1973 ... انها بالفعل سيمفونية النصر التى عزفها كل رجال الجيش المصرى .... لولا هؤلاء الرجال ما كانت مصر ... ولولا مصر ما ظهر هؤلاء الرجال .... انهم حقا خير اجناد الأرض..
الثامن من اكتوبر سعت 550
..............
لم يكن الفجر قد ظهر بعد فى الافق الرحب حولنا ونحن نرقد فى هذا الخندق ولم يكن ضوءه قد تخلل قمم الجبال الممتده امامنا والمسماه ( بسدر الحيطان) ذلك عندما جاء الينا ساعى قائد الكتيبه يعسعس ويسأل عنا انا والملازم اول السيد عطيه , كان الندى يغطى الرمال وقد تبللت الارض تحت اقدامنا وقد ظهرت اثار الاقدام وجنازير الدبابات واطارات العربات ونحن نسعى حثيثا خلف الجندى الساعى للقاء قائد الكتيبه ، كان التغيير فى المعارك سببا لاستدعاء قائد الكتيبه لضباطه فى هذا الوقت .. فتجمعنا فى الخندق الذى اعد سريعا اثناء االليل كمركز لقياده الكتيبه .
اين العدو الان ..؟ وما هو مخططه ...؟ وما هى المهام الى سنكلف بها اليوم؟ لقد كان ذلك مجهولا لنا ...وبرغم الصعوبات والاحزان التى مررنا بها يوم امس الا اننا نتعجل الان ظهور الضوء لاستكمال معركتنا من اجل استكمال تحرير سيناء بالكامل ..وبالفعل وخلال دقائق كان الضوء قد بدأ يتسلل من خلا شبكة التمويه المغطى بها مركز قياده الكتيبه وبدأت اشعه الشمس الواهنه تتسلل من خلالها ونحن ما زلنا جالسين ملتفين حول قائد الكتيبه الذى بدأفى جمع تقارير مختصره من قاده السرايا حول اخر موقف للعمليات وكذللك استكمال المستهلكات,وموقف الروح المعنويه للجنود ,وبعد ان اعطى قائد الكتيبه اوامره للمختصين بتلافى الملاحظات التى ظهرت .. ثم بدا يسترسل فى شرح موقف العمليات وهجمات العدو المتوقعه والمهام التى ستقوم بها كل سريه وكيفيه تنظيم التعاون بين السرايا..وتظيم التعاون بيننا وبين قوات المشاه المشاركه معنا ..ثم بدأفى تشجيعنا والشد من ازرنا بكلام معنوى لم يخلو من الود والضحك ...وكان اول ما قمت به بعد خروجى من الاجتماع هو استدعاء رجال فصيلتى ونقلت اليهم ما دار فى اللقاء والتعليمات والاوامر التى صدرت وكنت حريص على الاجابه على كل تساؤلات جنودى والتى كان معظمها يتركز على عده نقاط اهمها هى ..ما هى المهمه التاليه ..؟ وما هى اعمال العدو الان ..؟ وما هى اعماله مستقبلا ..؟ .وانما السؤال الوحيد الذى اسعدنى عندما سألنى احدهم وقال فى براءه ..هوه لسه بعيد على تل ابيب يا فندم ..؟ فهتفت فى داخلى ياااه ...وحدثت نفسى حلمك هو حلمى هو حلم كل الشعب المصرى والعربى ..؟ ورددت عليه اه هى لسه بعيد بس هنوصلها ان شاء الله طول ما احنا بنقاتل بنفس الروح ونفس العقيده اللى جوانا النصر او الشهاده..
وبعد انصراف الجنود الى مواقعهم لمباشره اعمالهم ..صعدت الى داخل دبابتى اراجع بعض الاجراءات واطمئن على سلامه عمل الاجهزه ومعى باقى طاقم الدبابه ..واذا بصوت طائره يشق الصمت وترتج الارض على صوت انفجار قوى وارتطام فى جسم الدبابه ..اخذتنا المفاجئه وكل منا يبحث عن مصدر الارتطام او اثاره وبسرعه اكتشف ان الارتطام نتج عن اغلاق فتحه برج الدبابه نتيجه ضغط وخلخله الهواء الذى سببه مروق الطائره من فوق الدبابه على مستوى منخفض جدا ..وبسرعه اعدنا فتحها ودلفت الى خارج الدبابه بسرعه لاستكشف الامر واذا بطائره اخرى تنقض على الموقع وتسقط صاروخا على مسافه ليست بعيده ..وفى الموقع تتردد صياح غاره ..غاره .. كما هو متبع فى التعليمات وهرع الجميع الى الحفرالبرميليه والتى كنا قد حفرناها اثناء الليل ( والحفره البرميليه وهكذا اسمها لانها تأخذ شكل البرميل وتتسع لفرد واحد وهى من اهم وسائل الحمايه من الغارات الجويه) ..وكانت هذه اول غاره للعدو على الموقع فقد كان طوال اليومين السابقين يركز غاراته على كبارى ووسائل العبور خلفنا ..وهرع رجال الدفاع الجوى المرابضين معنا فى الموقع بالتصدى للطائرات بكل بساله بالمدافع الرباعيه والصواريخ المحموله على الكتف والمسماه ( الاستريللا) ..ونظرا لبسالتهم وشجاعتهم فى التصدى لهم فقد طاشت معظم قذائفهم ..ولم تحدث خسائره واضحه فى الافراد او المعدات سوى تدمير عربه شئون اداريه ومقطوره طهى وبعض الاصابات الطفيفه فى الافراد ولم تستمر الغاره طويلا فقد فرت الطائرتان واحداهما ينبعث منها دخان اسود كثيف ينم عن اصابتها ..
وبعد انقضاء الغاره خرج الافراد الكل يطمئن على الكل سواء بالمناداه بالاسماء او التوجه مباشره الى الحفر القابع فيها زملائهم ..وقمت بالتتميم على افراد الفصيله وحصر التلفيات والخسائر وابلغنى الرقيب ( محمد والى) حكمدار الدبابه الثانيه ان ماسوره رشاش البرج قد تضررت بفعل شظيه ..وبعد معاينتها طلبت منه استبدالها بالماسوره الاحتياط ووقفت فوق دبابته اساعد فى عمليه استبدال ماسوره الرشاش ..واثناء ذلك لمحت السيد عطيه يهرول مسرعا نحو مركز قياده الكتيبه وخلفه الجندى ساعى قائد الكتيبه وتابعته بالنظر حتى دلف داخل المركز.. وفسرت الامر على انه ربما استدعاء له من قائد الكتيبه لامر ما ..ومؤكد سوف اعرفه بعد عوده السيد ..وتابعت العمل مع طاقم الدبابه حتى تأكدنا من العمل الصحيح للرشاش واستعاده كفاءته .وبالفعل خرج السيد عطيه متوجها الى دبابته ونزل بداخلها فتوجهت اليه ودعانى للنزول الى داخل دبابته ..ولاحظت ان السيد منهمك فى تدوين بيانات وترددات على جهاز اللاسلكى ..وعندما سألته مباشره : هو فيه ايه ..؟ نظر الى مبتسما وعينيه يشع منهما بريق ..واجاب بأختصار : خلاص .." وسألته مره اخرى خلاص ايه ..؟ ورد فى ثقه هانقتحم النقطه 149
" فسألته فى لهفه : احنا ..امتى ؟ فقال لى اصبر بس ماتستعجلش الموضوع مش زى ما انت متصور .."..فسألته : يعنى ايه ...؟ ..فقص على القصه منذ لحظه دخوله مركز قياده الكتيبه وملخصها ..ان القياده قررت اقتحام النقطه 149 بقياده رائد من قوه الكتيبه 15 مشاه اسمه محمد زرد ..وان فصيله دبابات السيد عطيه سوف تشترك فى هذا الاقتحام ولكن بعدد 2 دبابه فقط ... وهنا اوصانى على دبابته الثالثه وعلى طاقمها ..وتركته عائدا الى دبابتى بينما توجه السيد عطيه مترجلا بصحبه حكمدار دبابته الاخرى الشاويش ( فوزى الشامى ) لحضور تنظيم التعاون الذى حدده الرائد محمد زرد للافراد والاسلحه المشتركه فى اقتحام النقطه ..وبعدها بقليل استدعانا قائد الكتيبه مره اخرى واطلعنا سريعا على ما ستقوم به مجموعه الرائد زرد واشتراك دبابتين من الكتيبه فى الهجوم وهما من فصيله السيد عطيه ..وهنا كلفنى قائد الكتيبه بضم الدبابه الثالثه من فصيله السيد الى فصيلتى ..واعطانا جميعا المهمه التاليه ...وهى التقدم فى اتجاه العدو لمسافه 2 كيلو متر ..وحدد هذه المسافه بالوصول الى مكان الدبابات الاسرائيليه التى تم تدميرها بالامس واحتلال المصاطب والسواتر الخاصه بها وذلك لتأمين وتغطيه عمليه اقتحام النقطه 149 ..ثم حدد بدأ توقيت تنفيذ مهمتنا ..مع بدايه قصف دبابات السيد عطيه للنقطه 149 ..وانصرفنا سريعا نتجهز للمهمه الجديده
وبعد اقل من نصف الساعه بدأت دبابات السيد تتحرك لاتخاذ مواقعها مع مجموعه الاقتحام ..وعلى اثر ذلك بدأت جميع دبابات الكتيبه (28 دبابه) فى اداره محركاتها استعدادا للانطلاق ..ولوحت بيدى للسيد مع علامه النصر وهو يختفى مع دبابته فى سحابه من الدخان والغبار ..
ها هو صوت الطلقه الاولى تخرج من احدى دبابات السيد عطيه فى اتجاه النقطه ..وصيحات مدويه فى الموقع تصيح الله اكبر ..الله اكبر ..وكانت اذانا تطلقنا فى خط واحد ...وبسرعه كبيره نتجه نحو العدو وامامنا وخلفنا وحولنا رجال المشاه والذين امتطى بعضهم ظهور الدبابات معنا ..ويصل الينا صوت القصف المستمر من دبابات السيد على النقطه بجانب اصوات اخرى ربما تكون مدافع للهاون ..ورفعت نظاره الميدان انظر خلفى لاستكشف الذى يحدث فى النقطه 149 ..لاجدها قد تغطت بسحابه من الدخان والغبار..والمح بصعوبه بعض من افراد مجموعه الاقتحام وهم يهرولون نحو النقطه تحت ستر وقصف الدبابات ..حنى بدأنا نحن فى الابتعاد عنهم متقدمين لاحتلال المصاطب ..واصبح متابعتهم امر عسير وخاصه اننا اصبحنا على مقربه من الاهداف المحدده ..دخلنا الى المصاطب بحذر خوفا من ان يكون العدو قد قام بوضع الغام بها اثناء الليل وكان افراد من المشاه يعاونهم افراد من المهندسين العسكريين يستكشفون الالغام ويعطونا اشارات بأيديهم علامه على ان المكان امن وقمنا بالفعل بأتخاذ اوضاعنا داخل المصاطب والاحتماء فى السواتر ولكنها لم تكن كافيه لكل هذا العدد من الدبابات ..فاتخذت بعض الدبابات من الثنيات الارضيه والتباب الطبيعيه سواتر لها ..
والمفاجئه اننا اكتشفنا مزيد من دبابات العدو المدمره فى هذا المكان (3دبابات) ..بفعل قوات الصاعقه التى عبرت ليله الخامس من اكتوبر وقامت بتلغيم تلك المصاطب ..حتى اننا عثرنا على جثمانين لرجال من الصاعقه بملابسهم المميزه وقام افراد من المشاه بأهاله الرمال فوقهما ووضع بيرق ابيض(( علم صغير )) فوق الرمال علامه على ان فى هذا المكان يرقد شهيد ...وتقدت سريه من المشاه لتحتل امام الموقع بمسافه حوالى 500 متر لتأمينه .. ومن هذا الموقع المرتفع نسبيا استطعت بواسطه نظاره الميدان ان اشاهد وعلى مسافه لاتزيد عن 4 كيلو متر مبانى بيضاء للعدو تظهر وسط ما يشبه السراب وبعض تحركات عرضيه وطوليه لعرباته ومعداته ومن المؤكد انه اكتشف تحركنا وتقدمنا وكذلك القصف والهجوم على النقطه 149 ونحن فى انتظار رد فعله بعد ان كسبنا هذه المساحه من الارض ..
بدأنا بسرعه فى تجهيز الموقع دفاعيا .. انتظارا لهجوم العدو المضاد بهدف استعاده الارض ووقف تقدمنا ..او محاوله معاونه النقطه 149 ....لم يمهلنا العدو كثيرا من الوقت واذا بقصف مدفعى شديد على الموقع بأكمله ..ووضح ان هذا القصف من مدفعيه بعيده وذات اعيره ثقيله وكبيره ..وتأتى المفاجئه القاسيه .. فإذا بصواريخ مضاده للدبابات تنهمر فوق دبابات الكتيبه قادمه من اماكن شتى وببطىء نسبيا حتى انك تستطيع تمييزها ومتابعتها وهى تطير فوق مستوى الارض تتمايل وتتموج يعضها يطيش والبعض يصيب الدبابات .. ارتباك نسبى فى الموقع وهتافات ونداءات من هنا وهناك ..البعض يصيح يطالب بالصمود والبعض يطلب المساعده والمسانده واسغاثه من مصابين . واوامر بتغطيه الاجناب ومراقبتها ..العدو يلتف بدباباته واوامر متكرره لضرب النيران ..وتحذيرات متبادله من الصواريخ ..العدو يقصف بمدفعيته من مسافات بعيده ..مطلوب دعم فورى من مدفعيتنا او الطيران لضرب مدفعيه العدو فى العمق ...الاوامر صدرت من قاده السرايا للدبابات بأستخدام اسلوب الرمى الغير مباشر ( اى استخدام مدفع الدبابه كالمدفعيه ..وهو رفع ماسوره مدفع الدبابه الى مستويات محسوبه لضرب اهداف بعيده قد تصل الى (10-15) كيلو متر ) وهو ضرب غير دقيق ولكنه مزعج للعدو ويوقع خسائر فى افراده ..
وبدأ التنفيذ على الفور ..وبادر ضباط المشاه فى التقدم مع جنودهم فى محاوله الاقتراب من العدو قدر المستطاع للاشتباك المباشرمعه ..ولكن مازالت شده القصف تنزل الخسائر فى الموقع ..وفى اقصى يسار الكتيبه دبابه تشتعل فيها النيران ودخان كثيف يخرج من فتحاتها انها دبابه الضابط (محمد حسن) يخرج منها وبعض افراد طاقمه والنيران ممسكه بملابسه ..جنود المشاه المصابون يتم اخلاؤهم للخلف ..هاونات المشاه بدأت تتقدم الان وتبادل العدو القصف لكن مداها غير كاف ..عربه جيب تمرق من جانب دبابتى محمل عليها مدفع ( ب 11 ) مضاد للدبابات وعليها اربعه افراد تتقدم فى اتجاه العدو مسرعه ويصادفها جرف فى الارض وتنقلب على جانبها ..ضابط استطلاع مدفعيه يحتمى فى دبابتى ومعه جندى يحمل جهاز اللاسلكى ..الضابط يكرر النداء على وحده المدفعيه التابع لها و الموجوده فى غرب القناه ويردد: الو.. الو مقار... مقار ..من مقار واحد.. من مقار واحد ..تمام ..تمام ..ابدأ ..ابدأ الان . ..صراخ فى اللاسلكى ..الدبابات ظهرت ..دبابات العدو تتقدم .. الاوامرالتعامل الان مع دبابات العدو ..اخفضوا المدافع اوقف الضرب الغير مباشر ..ثمانيه دبابات فى مواجهه سريتنا والمؤلفه من سبعه دبابات الان ..وبدأنا التعامل مع دبابات العدو ولكن مع الاسف نفس المعاناه السابقه فالدبابات تقف خارج مرمى نيراننا انها نفس اللعبه االمتكرره ( لمن تابع الأجزاء السابقة من قصة العميد الدبابات المصرية مداها اقل من الدبابات المصرية ) ..وهنا ..وكانت مفاجئه لى وكأنه كان يقرأ افكارى فى هذه اللحظه ..اذ جائنى صوت سائق دبابتى( نور ) يحدثنى فى الاسلكى ويقول لى بلهجته الشرقاويه وبنفس الاسلوب والهدوء : .. ايه .هانعملها تانى ولا ايه ..؟ ...وبدون تردد هتفت : اتكل على الله يا نور ...؟ ويهتف نور : ياام هاشم ..
ونترك مربضنا ونتحرك مسرعين فى اتجاه دبابات العدو ..وخرجت اشير الى الدبابتين الاخريتين بيدى باشارات تعنى التقدم بجانبى وكانت احداهما عن يمينى والاخرى على يسارى بمسافه لا تزيد عن ال 100 متر ..ولم يستوعبا الامر فى البدايه ولكنهما تابعا التقدم بعد ان تأكدا من الاتجاه والهدف الذى انشده وهو الاقتراب من دبابات العدو ..وفى تقدمنا كنا نحاول مفاداة جنود المشاه المفترشين على الارض ومنهم شهداء ومصابين كان بعضهم يلوح لنا ويحثونا بأشارات من اياديهم على الاستمرارفى التقدم ..وقام بعض افراد المشاه من مراقدهم يهرولون خلف دباباتنا وهم يحملون اسلحتهم المضاده للدبابات ويكررون الصيحه الله اكبر الله اكبر ..
وبعد عده امتار المح العربه الجيب المحمله بالمدفع ب11 والتى انقلبت على جانبها منذ لحظات وقد استعدلها الافراد .. وبدأوا فى التقدم بها فى محاذاتنا ..وعلى مسافه قريبه نسبيا بدأنا فى التعامل مع الدبابات بكل الاسلحه المرافقه ..وفى موقف مريب استدارت اربعه دبابات من الثمانيه وفرت الى الخلف فى اتجاه المعسكر الابيض بينما واصلت الاربعه الاخريات فى مبادلتنا التراشق بالنيران .. وعلى يسار دبابة اليسار المح دبابة من دبابات الكتيبه تتجاوزنا وتنهب الارض نهبا فى اتجاه الاربعه دبابات الاسرائيليه ..من يكون هذا؟ .ويستمر فى التقدم بدبابته بجساره ويطلق نيران كثيفه وبمعدل عالى .. ..الله اكبر .احدىلدبابات العدو الاربع تنفجر ..من فعل هذا ..؟ ..نور يجيب : ده ال ب11 .... (عزازى) لا دى الدبابه اللى اتقدمت انا شايف طلقتها من التلسكوب ... وانا اساله: .. انت فين اهدافك يا عزازى ..؟...عزازى يرد فى غضب : نور مش مدينى فرصه واخدها ازح .. اصدرت اوامرى الى نور :قف يا نور خد اقرب مربض ..ثم تحولت الى عزازى ..: استخدم الطلقه (السابو) المسافه كافيه الان.
عزازى يدقق التنشين بعد توقف الدبابه ..نور يهتف لا حول ولا قوه الا بالله .الدبابه انضربت ...دبابه مين ؟ ..الدبابه بتاعه الكتيبه اللى كانت قدامنا ..؟ اخرج من فتحه البرج لاراقب لاجد الدبابه التى كانت تسبقنا فى اليسار النار تشتعل فيها وبعض الافراد من طاقمها يقفزون منها ..استطعت ان اميز احدهم انه النقيب محمد زيدان قائد السريه الثالثه ..انه يحاول اطفاء نيران ممسكه بملابسه وارتمى على الرمال يتقلب فيها ثم قام وبدا سالما ويهرع اليه بعض جنود المشاه يساعدوه وهو يشير اليهم انه سليم معافى ..ثم يركض معهم للاختباء فى احد الحفر ..عزازى مستمر فى محاوله اصطياد دبابه ..نأخذ وثبه اخرى لمسافه عشرون مترا ..النقيب زيدان يخرج من الحفره مره اخرى وهو يحمل سلاح الار بى جى ..ما هذا .. ...؟ ماذا يفعل زيدان انه يتقدم فى اتجاه دبابه للعدو ..هل تحول الى مقاتل مشاه بعد تدمير دبابته ..؟ ...اطلق زيدان طلقه من الار بى جى ..يحاول ان يتقدم لاطلاق الطلقه الثانيه ...تنتفض الارض من حوله ويطير النفيب زيدان فى الهواء ويسقط على بعد عده امتار ..يحاول النهوض ..يبحث عن شىء ما ..ربما عن سلاحه ..ثم سكن ولم يأتى بأى حركه. .المشهد امامى على بعد عده امتار ..قفزت من دبابتى وهرعت نحوهه مع فردين من المشاه ..كان مسجى عل وجهه ودماء كثيره تنساب اسفل منه فوق الرمال ..قلبته على وجهه وانا اناديه بأسمه عده مرات ..انه الصمت .. ورغاوى من دماء غزيره تندفع من فمه .وشق كبير غائر فى صدره بفعل شظيه من دانه الدبابه التى كان يبادلها الضرب ..شخص يجذبنى من زراعى .ويدعونى الى المضى بعيدا ..انه نور السائق الذى ترك دبابته وقفز خلفى ..وقال وهو يشيرالى جنود المشاه الرجاله هاتقوم بالواجب يا فندم .. بلا بينا ..وعدت اجرجرفى اقدامى الى دبابتى اتسلقها فى اعياء وغضب وملابسى ويداى تغطيهما الدماء الذكيه للنقيب الشهيد محمد زيدان .
واستمرت الكتيبه فى القتال الشرس ومعها قوات المشاه ..ولكن الملاحظ ان العدو يستميت ايضا لدحرنا واختراق خطوطنا للوصول الى النقطه 149 لدعمها واستعاده اوضاعه السابقه على الحرب ...ورغم محاولاتنا المستمره لتدمير الدبابات الثلاثه المتبقيه فى مواجهتنا الا انها كانت مستتره ومختفيه تماما وراء سواتر ولا يظهر منها سوى المدافع الخاصه بها والتى تطلق نيرانها بمعدلات عاليه ..وتظهر من خلفهم سحابه من الغبار تكشف عن تقدم قوات دعم اضافيه للعدو .. وبالفعل فقد عادت فى مواجهتنا الاربع دبابات التى ارتدت منذ قليل ..كما ظهر امام باقى دبابات الكتيبه اكثر من 18 دبابه اخرى ..وبدأ الوضع يسوء اكثر فأكثر ..وبدأت الخسائر تتزايد فى قواتنا فها هى خمس دبابات اخرى تشتعل وتتوالى فيها الانفجارات ..وكان الافراد الناجين منهم فى حاله اعياء شديد يتساقطون حول الدبابات محاولين الابتعاد عن لفيح نيرانها الشديده ..وبدى الامر وكأنه كابوس ...فقد زادت اعداد الصواريخ المضاده للدبابات التى يطلقها العدو بشكل كثيف وبدى انه كمين او منطقه قتل للدبابات كما يطلق عليها ..
وفى محاوله يائسه بدأنا فى استعمال نوع اخر من الذخيره قد تكون ذى نفع اكثر وهى دانات شديده الانفجار مخصصه اساسا للحشود والتجمعات والمركبات على امل عرقله عمل طواقم صواريخه سواء المترجله او المحموله على عربات ...وقد اراد العدو ان يستغل هذا التفوق النسبى وحسم المعركه فدفع بعدد من مركباته المدرعه المجنزره مثبت عليها رشاش نصف بوصه التى شرعت فى مهاجمه الخطوط الاماميه لقوات المشاه بهدف تصفيتهم او اجبارهم على التخلى عن مواقعهم او محاوله أسرهم مع باقى افراد الدبابات الموجود بعضهم على الارض الان .. وعلى الفور طلبت من عزازى ومن دبابتى الاجناب التركيز على تلك العربات المجنزره بنفس نوع الذخيره واستطعنا بعد عده محاولات عرقله عمل تلك المجنزرات واجبارها على الاختفاء خلف سواتر...ولم يكتفى العدو بذلك بل دفع بطائرتان تغيران بشكل متواصل على القوات ووضح ان تركيزهما الرئيسى ينصب على الدبابات ..فدمر دبابتان اخريتان ..وتحولت ساحه المعركه الى مايشبه فوهه بركان ضخم وخاصه ان بعض الدبابات اطلقت سحابه من الدخان الابيض الكثيف وهى وسيله لاخفاء الدبابات فى مثل هذه المواقف..وبالرغم من كل تلك الاهوال والخسائر فى قواتنا ودفع العدو بكل تعزيزاته لكسب هذه المعركه ..الا ان الشىء الايجابى والمدهش اننا ظللنا صامدين وبقيت الروح المعنويه للرجال تفوق الوصف
فقد كان المقاتلين يشدون ازر بعضهم البعض بالصيحات والدعوات بالصمود والتشبث ..ولم يتزحزح جندى واحد من مكانه او دبابه واحده من مكانها ..وكان ضباط المشاه الرائعون يهتفون فى رجالهم بكلمات وشعارات ترفع من معنويات الموقع كله .. كأن يترك الضابط حفرته ويقف فى العراء ملوحا بسلاحه هاتفا يصوت يغطى على اصوات الانفجارات : رجالة .... فيرد كل من فى الموقع بصوت كالهدير : رجالة يا افندم ...ويكرر الضابط : وحوش ...ويرد الجنود : وحوووش يا فندم ... حتى ان افراد طاقم دبابتى بدأوا فى الترديد معهم من داخل الدبابه ..واستمر الحال هكذا الى ان بدأ العدو يفقد صوابه فراح يضرب بهيستيريا اكثر دون ان يجرؤ على التقدم ..وفى خضم كل هذا اسأل الجندى مذخر الدبابه (محمد على ) عن عدد الطلقات المتبقيه معنا ..فيرد فى صوت مبحوح غير واضح عبر اللاسلكى الداخلى ..وعندما طلبت منه الاعاده جذبنى من ساقى وهو يشير بأصبعيه الاثنان علامه على وجود طلقتين فقط ..من اجمالى 48 طلقه ودانه هى مخزون الدبابه من الذخيره اذا الموقف صعب ما هو العمل ...؟ .. وما هو التصرف الممكن ..؟ وبعد برهه من التفكير والبحث عن اجابه وانا امسح بعيناى ساحه القتال الممتده امامى .. طلبت من( نور) ان يتوجه الى تل (تبه مرتفعه ) امامنا يبعد عنا بمسافه 200 متر تقريبا ..
فقطعها نور بسرعه وحاولت بقدر ما يمكن ستر الدبابه واخفاءها فى اسفل التل لعدم تعريضها للتدمير .. وقررت استغلال التل المرتفع كنقطه مراقبه او ملاحظه.. وفى حاله الضروره سوف اضطرالى استخدام الطلقتان المتبقيتان .. ثم اتصلت بكل من دبابه اليمين واليسار استفسر عن مخزون الذخيره لديهما فجاءت الاجابه محبطه فكانت (6 و8 ) طلقه.. فطلبت منهما محاوله الاستتار واتخاذ مرابض والاقتصاد بقدر ما يمكن فى استهلاك الذخيره ..ثم طلبت من السائق( نور) والرامى (عزازى) بالبقاء داخل الدبابه ..ومن المذخر ( محمد على ) ورامى رشاش الدبابه ( محمود اللومنجى) بمرافقتى وجلب بعض الاسلحه والمعدات معنا الى اعلى التل ( البندقيه الاليه وصندوق القنابل اليدويه ..ونظاره الميدان ) ..وفى الاعلى فوجئنا بمجموعه استطلاع المدفعيه وذات الضابط الذى كان يصيح منذ قليل فى الجهاز اللاسلكى وينادى على وحدته بالرمز ( مقار ).. فتوجهت اليه فى غضب اصرخ فيه : فين المدفعيه .. فين المدفعيه ..؟ ....... فجاء رده فى هدوء لا يتناسب مع الموقف: فى التحضير ... فى التحضير يا فندم .... فتركته وانا اتمتم ببعض كلمات السخط والغضب ..
ورحت ارفع نظاره الميدان اراقب ساحه المعركه من هذا المكان المرتفع ووضح المشهد فتطالعنى النيران المستعره والمنتشره هنا وهناك فى حطام الدبابات والمعدات وسحب الدخان الاسود والابيض والغبار الذى امتزجت الوانه بالاصفر والاحمر ...وابطال المشاه الذين يقاتلون فى استبسال حتى الرمق الاخير..وبالرغم من تزايد اعداد الشهداء والمصابين بين صفوفهم ...الا اننى اراهم الان يكرون ويفرون يتنقلون ويناورون من موقع الى موقع مستغلين الارض بقدر ما يستطيعون.. مستخدمين كافه اسلحتهم بكل مهاره واقتدار...اما حال دبابات كتيبتى فكان سيئا بل فى مأزق حقيقى من هول الكم الهائل من الصواريخ التى تحاول اصطيادها .. وكذلك نيران دبابات العدو المركزه فى اتجاهها بغزاره.. بالاضافه للقصفات المتتاليه والمتواليه من مدفعيه العدو التى لم تتوقف لحظه تمشط ساحه المعركه جنوبا وشمالا .. شرقا وغربا ..نزعت نظاره الميدان من فوق عيناى احاول ان اطرد هذا المشهد الذى ينذر بشبح الهزيمه ..وتشوش تفكيرى ابحث عن ما يمكن القيام به لتغيير هذا الواقع الاليم ..واتسائل فى غضب وحنق اين الدعم ....؟ ما هو موقف القياده منا الان ..لماذا التأخير والانتظار .؟ ..هل تعلم ما نحن فيه..؟ .. ان الموقع على وشك الانهيار.. ودعوت الله .وتضرعت اليه ان يمنحنا القوه على الصمود ..او ييسر لنا سبل الشهاده .
ويمر الوقت ثقيلا ومازلنا فوق التل ...وقذيفه للعدو تسقط قريبه من التل امامنا مباشره... فتخرجنى من حاله التشويش لتدخلنى فى اجواء المعركه من جديد ..هل تم اكتشاف نقطه الملاحظه فوق التل ..؟ .. ثم قذيفه ثانيه تؤكد ذلك ....وها هى قذيفه ثالثه تسقط هذه المره فوق التل مباشره على مسافه 50 متر منا ..لقد تم اكتشافنا وجارى استهدافنا ..طلبت من المرافقين الانتشار والاحتماء ..وتوقف القصف ... وهوتوقف ينذر بعواقب ..وتمر دقائق اخرى ...وفجأه تنتفض الارض من حولنا وتتناثر الرمال فوقنا ...بفعل دفعات متواصله من طلقات رشاش لايتوقف ..صوت استغاثه وانين من المكان الذى يرقد فيه طاقم استطلاع المدفعيه شخص ما اصيب ..هل اقتربوا الى هذا الحد؟
احاول ان ارفع رأسى المنبطح لاكتشف على مسافه قريبه لا تتعدى ال 700متر ..عربه مجنزره للعدو ورشاشها النصف بوصه المثبت اعلاها لا يتوقف عن استهدافنا بطلقاته التى تطيش وهى تصفر من فوق رؤوسنا ..ما العمل الان ..؟ لقد حانت اللحظه لابد من استخدام اخر ما تبقى معنا من طلقات ...واشرت الى مرافقى ( محمد واللومنجى ) بأتباعى ونحن نزحف ونتدحرج هابطين الى اسفل التل ..حتى وصلنا الى اسفل التل وقفزنا مره اخرى الى داخل الدبابه ..وسريعا تم ابلاغ الموقف لكل من السائق نور والرامى عزازى اللذان اكتفيا بهز رأسيهما علامه على فهمهما لادوارهما ...اذا الجميع يعرف ويدرك الان ما نحن مقدمين عليه ..طلقتان فقط يفصلان ما بين الموت والحياه .
تمت كل اجراءات الاستعداد بسرعه وصمت وفى توقيت واحد ... إدارة محرك الدبابه .. تذخير المدفع بطلقه ..ارتداء واقى الرأس ..اداره اللاسلكى على الوضع الداخلى .. اتخاذ المدفع لمستوى التصويب ..عزازى يجهز تلسكوب التنشين ..التأهب للتحرك ..ثم الانطلاق والخروج بسرعه من وراء التل لمباغه العربه المدرعه الاسرائيليه والاندفاع نحوها بأقصى سرعه ثم التوقف لعده ثوانى لاخراج الطلقه ... اذا لم ننجح فى تدميرها نواصل الاندفاع نحوها بلا توقف لمحاوله الاصطدام بها واطاحتها ..هذا هو قرارى ...
حانت لحظه التنفيذ ...اصيح فى اللاسلكى :اتحرك يانور ...تحركت الدبابه واستدارت عن يمين التل وانطلقنا مسرعين فى اتجاه الهدف .. البحث عن الهدف جارى من فى لهفه وترقب من كل افراد الطاقم ..الرؤيه غير جيده من داخل الدبابه ..اخرج بسرعه من فتحه البرج املا فى رؤيه افضل .. من خلال الغبار والاتربه المحها ها هى امامنا مباشره ... مفاجئه غير متوقعه ....انها ايضا مندفعه فى اتجاهنا بسرعه كبيره ..الجندى الاسرائيلى الممسك بالرشاش النصف بوصة تفاجىء بنا ايضا ... اصدرت اوامرى فى سرعه وحزم : توقف يا نور.. توقف ..عزازى اضرب ..اضرب الطلقه .. ..الجندى الاسرائيلى يدير الرشاش فى اتجاهنا وما زالت المدرعه تتجه نحونا بنفس السرعه .. مر دهر من الزمن وانا اغمض عيناى وافتحهما فى انتظار خروج طلقتنا او تلقى طلقات الرشاش .. وفجأه ينطلق صوت ترتيل رشاش المجنزره بدفعه طويله ..
فتسمرت عيناى على مشهد الطلقات المنهمره التى تعفرالرمال امام الدبابه وبعضها يصطدم بصوت رنين نحاسى بجسم الدبابه اسفل مقدمتها....وهى مستمره فى الاندفاع نحونا ...ثم دفعه اخرى من الرشاش تتناثر وتتطاير طلقاته اعلى وحول برج الدبابه ..صدمه ووخذة والم مميت فى صدرى وكتفى الايمن .. زراعى الايمن لا اشعر به .. ولا اقوى على تحريكه..الدبابه تنتفض بوهج وبصوت مدوى .. اخيرا يخرج عزازى الطلقه .. وفى لمح البرق تطيح بالجزأ العلوى من المدرعه ومعها الجندى الاسرائيلى والرشاش اللعين .
دخان اسود يتصاعد من سطح المدرعه التى مازالت تندفع نحونا ..احاول ان اتماسك ....جسدى يقاوم الانهيار ودماء ساخنه لزجه تحت ملابسى ..بصعوبه اصيح فى اللاسلكى : خش فيه يا نور ... خش فيه . ...واندفع نور يتقدم بالدبابه فى اتجاه المدرعه حتى اقتربت المركبتان من بعضهما وهما يندفعان بسرعه وفى اتجاه واحد متقابلتان ...ويحدث الاصطدام الذى جاء على الجانب الايمن للمدرعه ..فبطيح بها بصوت قوى وتنقلب على جانبها الايسر ..
وانزلقت انا على اثر الاصطدام الى داخل الدبابه ...وبسرعه ينزع (اللومنجى) البندقيه الاليه من مكان تثبيتها داخل الدبابه ويقفز من الفتحه العلويه ويقف خارجا اعلى برج الدبابه .. ..وكان هناك سته من جنود العدو يترنحون على اثر الاصابه بالطلقه ..ومن قوه الاصطدام بالدبابه وانقلاب المدرعه ... فأخذ اللومنجى يمطرهم بوابل من طلقات البندقيه الاليه ولم يتوقف حتى تأكد من قتلهم جميعا .. وتنشق الارض عن مجموعه صغيره من رجال المشاه الذين اكملوا مهمه القضاء على جنود المدرعه ثم اشعلوا فيها النيران .. .تجمع الطاقم حولى فى ارضيه الدبابه عندما اكتشفوا اصابتى وعلامات الحزن والاسى تكسو وجوههم ...ولاحظت ان هناك دماء غزيره تنزف من انف وفم السائق ( نور) .. وجرح ناذف فوق العين اليسرى ( لعزازى) من اثر الاصطدام ..فطلبت منهما بصوت متقطع متهالك .. بالاستداره بالدبابه والعوده مره اخرى الى التل .
استقرت الدبابه من جديد اسفل التل..وبدأت معاناه خروجى منها بمعاونه رجالى ..واستلقيت على الرمال مستندا بظهرى على جنزير الدبابه ..وبدأ افراد الطاقم المرتبكين والمنزعجين فى تقديم المساعده لى ..ومد لى احدهم يده بزمزميه مياه..وانا اشيرله بالرفض واذكره بأننى صائم ...ثم بدأوا فى استكشاف مكان ومدى الاصابه ..فكشفوا الافرول حتى مكان الاصابه ..ولم يستطيعوا اخفاء ملامح و نظرات الانزعاج المتبادله ..فقد كان النزيف مستمر بغزاره من جرح اسفل الكتف الايمن بثقب كبير غائر وقريب من عظم الصدر ..واحضروا حقيبه الاسعافات الاوليه من داخل الدبابه وقام عزازى بأفراغ محتويات كل عبوات بودره السلفا على راحه يده واخذ يكبس بها الجرح ..وعندما حاول احدهم الاستعانه بالقطن الطبى لوقف تدفق الدم ..امتص القطن الدماء وتحلل وتهايل فقام نور بأحضار قطعه من قماش فانله وربط بها الكتف بالاستداره من تحت الابط وبقى زراعى الايمن فى حاله شلل تام وبدأ لون الجلد يميل الى الازرق الداكن والم لا يحتمل يداهم كل جانبى الايمن ..وظلوا يتلفتون حولهم يائسين فى محاوله الاستعانه بأى مساعده ممكنه ..ولكن بلا جدوى ..فالمعركه ما زالت محتدمه ..وعمليات الكر والفر مستمره ..واصوات نيران المعركه تغطى على كل الاصوات ....طلبت منهم معاونتى فى النهوض والصعود الى اعلى التل من جديد ..فقد طاقت نفسى الى متابعه المعركه وما يدور حولنا ..
صعدنا الى اعلى التل وهناك تلقانى افراد وضابط استطلاع المدفعيه ..وهم يشجعونى ويحثونى على الصمود ويثنون على ما قمنا به ..فقد كانوا يراقبون الموقف من مكانهم ..استلقيت على الارض من جديد ووجهت رأسى ناحيه ساحه المعركه لكى اتمكن من مشاهده ما يدور فى اتونها ..وشعرت بالزهو والامتنان لرجالى وانا ارى المدرعة الاسرائيلية والنيران مازالت تلتهمها .. ثم قدم الى ضابط الاستطلاع مره اخرى وجلس القرفصاء قريبا منى وفى يده عبوه عصير معدنية (قها) وهو يلح على بتناولها لمقاومه واستعواض الدماء التى نزفت ..وبالفعل شعرت اننى فى حاجه ماسة لاى سائل يلامس شفتاى او يدخل جوفى لان لدى شعور بأن فمى ولعابى قد جفا تماما واصبحت غير قادر على البلع او الكلام ..وعند محاولة ضابط الاستطلاع مساعدتى للجلوس وجدته يتفحص شىء ما فى كتفى من الخلف ...وعندما هززت له راسى معبرا مستفسرا عن ما شد انتباهه ..وجدته يهون من الامر ويقول : لا مفيش حاجه ..بس تقريبا فى فتحه خروج ثانيه للمقذوف خلف الكتف .. فقد لاحظ ان هناك ثقب اخر فى الافرول من الخلف ..فطلبت من افراد طاقمى برفع ملابسى مره اخرى وبالكشف .وجدوا جرح اخر فى هذا المكان ..اى ان مقذوف رشاش المدرعه الاسرائيليه قد اخترق كتفى ومرخارجا من الجهه المقابله ..ولم يجدوا الكثير ليفعلوه سوى مزيد من قطع الفانلة ليسدوا بها الجرح الخلفى ومزيد من الربطات العشوائيه .. مرت حاولى العشرون دقيقه ..والمعركه ما زالت محتدمه كان يتناوب على متابعتى خلالها افراد الطاقم والذين بدأوا يمدونى بمزيد من علب العصير والماء ..
ثم جاءنى ضابط الاستطلاع مبتسما مستبشرا ..وقال لى فى صوت حماسى: ايه يا فندم حضرتك مستعد ..ولم استوعب مستعد لماذا ..؟ فبادرنى : هاتسمع احلى سيمفونيه دلوقتى بعد دقيقتين ..؟
ماذا تقصد ... ؟ عيناى هى التى تسأله ..فقال فى حماس : الرد ..اللى كنت منتظره ..ونركنى واختفى وهو يتحدث فى جهازه الاسلكى بصوت حماسى مرتفع : مقار ..مقار.. جاهز ...ابدأ ..
وانا ما زلت مستلقى انظر الى السماء فى تلك اللحطه ...واذا بخطوط دخان منتظمة ومتوازية ومتواصلة تمرق من فوقى تغطى صفحه السماء قادمه من العمق من اتجاه الغرب ( اتجاه قواتنا ) . ومتجهه نحو قوات العدو ...وبأصوات صفير متواصل ومتداخل .. ثم اصوات انفجارات متتاليه تهتز الرمال من تحتى ويرتج التل رجات عنيفه اشعر بها لاننى مستلقى فوقه ..وانا ابتسم ابتسامة رضا واطمئنان وتفاؤل بالغين ..انها الانفراجه ..لقد بدأت قيادتنا فى تنفيذ شىء ما .. واميل بجسدى اتابع اماكن سقوط القذائف والصواريخ التى ما زالت تمرق من فوقى وتنهمر فوق مواقع العدو فى العمق وعلى خطوط التماس معه حتى وان بعض القذائف كانت تسقط قريبه منا فى الفاصل بيننا وبين قوات العدو..ومع استمرار دك مواقع العدو بدأت ألسنه النيران وسحب الدخان الكثيف تتصاعد من مواقع العدو..حتى ان رؤية مواقعه او تمييز اى شىء فيها اصبح من الصعوبه بما كان ..ويتقدم نحوى افراد الطاقم مستبشرين مهللين ..يشجعونى ويحثونى على الصمود ويبشرونى بقرب قدوم المعاونه لاسعافى ...
واطلب منهم النزول الى الدبابه والاستعداد لاى طارىء قد يحدث ..وهنا يبتسم عزازى ويميل نحوى ويقول وهو يشير بأصبعه ..الباقى طلقه واحده يا فندم .. فأبتسمت وانا اقول له : بس ابقى اضربها بسرعه يا عزازى ..ويضحك افراد الطاقم و هم يمطرونى بالقبلات قبل ان يتركونى متخذين طريقهم نزولا الى الدبابه وانا اشيعهم بنظرات الوداع وعييناى تزرف دموع لم استطع كبحها ..وانا ادعو لهم بالتوفيق والنجاه والثبات
اما المشهد الختامى الرائع لهذه الساعات القاسيه ...هو مشاهدة قوات الدعم من احتياطى فرقتنا ..الفرقه 19 وهى تندفع من الفواصل الموجوده بين الدبابات واستطعت ان اميزهم بسهوله ...انها دبابات وعناصر من الكتيبه 212 دبابات وهى كتيبه احتياط قائد الفرقه .. وهى دبابات احدث من دباباتنا وجيل متطور نسبيا (من طراز ت 55) واندفعوا من بين دبابات كتيبتنا كالخيول السمراء الجامحه والمقاتلين على الارض وفوق الدبابات يلوحون لهم بأياديهم المنهكه ويشيروا لهم بالاندفاع فى اتجاه العدو ..وبالفعل لم يمهلوا العدو الفرصه حتى للارتداد بل واصلوا اقتحامهم لمواقعه مع دعم المدفعيه التى كانت ترفع القصف لمسافات ابعد ثم ابعد كلما تقدمت قواتنا فى تنسيق رائع
وبعد قرابه الساعه من القتال والقصف المتواصل تم تصفيه وقتل كل من فى مواقع العدو وتم الاستيلاء على معسكر العدو ودمروا العديد من دباباته ومن بينها المرابضه خلف السواتر ..
ولاول مره اشاهد مقاتلينا من حاملى الصواريخ المضاده للدبابات فكانوا يستخدموها بكفاءة واقتدار بارزين ..وواصلت القوات تقدمها مع مقاومه العدو التى بدأت تتلاشى شيئا فشيئا حتى نجحت القوات فى الوصول الى عمق دفاعات العدو وتدمير والاستيلاء على ما يسمى بالمعسكر الابيض واسر عدد ليس بقليل من جنوده وضباطه ..وظهرت النيران مشتعله فى اعداد كثيره من دبابات واليات العدو ..وفى محاوله اخيره يائسه دفع العدو بعدد من طائراته ..للاغاره على القوات المهاجمه ..
وتمكنت وسائل الدفاع الجوى من التصدى لها واسقاط طائره اخرى..هوت داخل مواقعنا وتم اسر الطيار بواسطه افراد المشاه واوسعوه ضربا قبل ان يتم تسليمه لقوات الشرطه العسكريه .. وفرت باقى الطائرات ككل مره تحاول فيها الاقتراب من سماءنا ...
كنت مازلت مستلقيا اتقلب ذات اليمين وذات اليسار وانا اراقب هذا المشهد العظيم او اللوحه السرياليه وعيناى التى بدأت تصاب بزغلله وتشويش فى الصوره تتنقل بينا ارجاء ارض المعركه التى اصبحت مزيج من الحطام والاشلاء المتناثره والجسامين المسجاه فى اماكن متفرقه يمتزج كل هذا برائحه الدم على ملابسى ورائحه لحم بشرى يحترق ينبعث من داخل الدبابات والمركبات المحترقه ...وجنود يخرجون من خنادقهم بأجسامهم المنهكه وملابسهم الممزقه يفتشون فى الاراض يبحثون عن جسامين زملائهم ويقدمون العون ويسعفون المصابين منهم ..وبدأت بعض التغيرات والمضاعفات تداهمنى فالاحظ ان بقعه الدماء من تحتى والمتسربه بين الرمال بدات فى الاتساع .. ..اشعر بالبرد.. تداهم جسدى رعشات يصاحبها اصطكاك فى اسنانى وارتعاش شفتاى ..وتخدير تام فى جسدى واختفاء تام للاصوات .. انه الصمت....اذا انها النهايه قد اقتربت ..وشريط من الذكريات يمر سريعا فى شكل صور متتابعه ..منذ طفولتى وحتى اللحظه ..صور لامى وابى عائلتى.. اصدقائى.. منزلنا.. مدرستى ...مدينتى .. وحبيبتى .. كوبرى العبور .. الدبابه ...النقطه 149 ..السيد عطيه .. ضابط الاستطلاع ..عزازى .. المركبه الاسرائيليه .. نور..غشاوه وسحابه بيضاء .. شخص ما يلقننى الشهاده وانا ارددها بدون ان تتحرك شفتاى ...
نورساطع قوى واصوات متداخله ...افتح عيناى بصعوبه ..تشويش فى الصوره وزغللة والاصوات مازالت تتردد متداخلة ..تمر لحظات وابدأ بالاستفاقه لاجدنى ممدا فوق سرير واضح انه فى مستشفى وطبيب وطاقم تمريض يبتسمون ويرددون حمد الله على السلامه ...انا فين ..؟ انت فى مستشفى السويس العام ..لتبدأ رحله العلاج طوال سته اشهر جزأ منها فى مستشفى كوبرى القبه العسكرى وجزأ اخر فى مستشفى المعادى العسكرى ..ثم رحله علاج طبيعى فى مركز التأهيل بمنطقه العجوزه ..لاعود بعدها للانضمام الى كتيبتى بعد عودتها من اشتراكها فى هذه المعركه واستعدنا ذكريات المعارك مع الشهداء والاحياء ..
هذه القصه هى قصه لمعركة واحدة من مئات المعارك والاف الابطال على كل شبرمن ارض سيناء من السويس جنوبا وحتى بورسعيد شمالا (170 كيلومتر) وفى عمق سيناء ومعارك رجال الصاعقه والمظلات ..ونسور القوات الجوية ..وابطال البحريه المصرية ..فأنا مدين بالتقدبر والشكر والعرفان لجميع زملائى ورفاق السلاح وافراد فصيلتى وطاقم دبابتى وللجيش وللشعب المصرى والعربى الذين ساندونا وكانوا خط الدفاع الثانى لنا ...انتهت.
إضافة تعليق جديد