رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأحد 11 مايو 2025 5:49 ص توقيت القاهرة

فَإِنِّي قَرِيبٌ

فَإِنِّي قَرِيبٌ
/محمد سعيد أبوالنصر
إذا وجدت العسر في طريقك فاليسر قادم .
.وإذا كان الطريق مظلما فالنور آت
وإذا التفت بك المحن فالمنح ستطردها
و"إذا أرهقتك هموم الحياة
ومسّك منها عظيم الـضرر
وذقت الأمرّين حتى بكيت
وضجّ فؤادك حتى انفجر
وسدت بوجهك كل الدروب
وأوشكت تسقط بين الحفر
فيمم إلى الله في لهفة
وبُثّ الشكاة لرب البشر
فهو منك قريب يعلم سرك وجهرك سواء تكلمت أم سكت
..إن الخالق العظيم يسامحنا ويتجاوز عن سيئتنا مهما بلغت ذنوبنا ويعفو عنا مهما اقترفنا من آثام . وهو الذي أخبر عن نفسه بأنه قريب من عباده قال تعالى (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)) [سورة البقرة (2) : آية 186]
ولقد ذَكَر العلماء فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا: مَا رُوِيَ عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ، قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رَبِّ أَقَرِيبٌ أَنْتَ فَأُنَاجِيكَ، أَمْ بَعِيدٌ فَأُنَادِيكَ؟ فَقَالَ: يَا مُوسَى أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي، قَالَ: يَا رَبِّ فَإِنَّا نَكُونُ عَلَى حَالَةِ نَجِلُّكَ أَنْ نَذْكُرَكَ عَلَيْهَا مِنْ جَنَابَةٍ وَغَائِطٍ، قَالَ: يَا مُوسَى اذْكُرْنِي عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ رَغَّبَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ فِي ذِكْرِهِ وَفِي الرُّجُوعِ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ
وَثَانِيهَا: أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ، أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ
وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ فِي غَزْوَةٍ وَقَدْ رَفَعَ أَصْحَابُهُ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالدُّعَاءِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا»
وَرَابِعُهَا: مَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّ سَبَبَهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ قَالُوا: كَيْفَ نَدْعُو رَبَّنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ
وَخَامِسُهَا: قَالَ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ: إِنَّهُمْ سَأَلُوهُ فِي أَيِّ سَاعَةٍ نَدْعُو اللَّهَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ
وَسَادِسُهَا: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَنَّ يَهُودَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ يَسْمَعُ رَبُّكَ دُعَاءَنَا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
وَسَابِعُهَا: قَالَ الْحَسَنُ: سَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَيْنَ رَبُّنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنِّي قَرِيبٌ) ليس المراد من هذا القريب بِالْجِهَةِ وَالْمَكَانِ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ الْقُرْبُ بِالْعِلْمِ والحفظ،
"مَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يَسْمَعُ دُعَاءَهُمْ وَيَرَى تَضَرُّعَهُمْ، أَوِ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْقُرْبِ: الْعِلْمُ وَالْحِفْظُ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ تَعَالَى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الْحَدِيدِ: 4] وَقَالَ: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] وَقَالَ: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ [الْمُجَادَلَةِ: 7] وَالْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ إِنَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ مَكَانٍ وَيُرِيدُونَ بِهِ التَّدْبِيرَ وَالْحِفْظَ وَالْحِرَاسَةَ .
إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ فَنَقُولُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ أُولَئِكَ الْحَاضِرِينَ مَنْ كَانَ قَائِلًا بِالتَّشْبِيهِ، فَقَدْ كَانَ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَفِي الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مَنْ هَذِهِ طَرِيقَتُهُ، فَإِذَا سَأَلُوهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَالُوا: أَيْنَ رَبُّنَا؟ صَحَّ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ: فَإِنِّي قَرِيبٌ، وَكَذَلِكَ إِنْ سَأَلُوهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَقَالُوا: هَلْ يَسْمَعُ رَبُّنَا دُعَاءَنَا؟ صَحَّ أَنْ يَقُولَ فِي جَوَابِهِ: فَإِنِّي قَرِيبٌ فَإِنَّ الْقَرِيبَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ يَسْمَعُ كَلَامَهُ، وَإِنْ سَأَلُوهُ كَيْفَ نَدْعُوهُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ أَوْ بِإِخْفَائِهِ؟ صَحَّ أَنْ يجب أن بِقَوْلِهِ: فَإِنِّي قَرِيبٌ، وَإِنْ سَأَلُوهُ هَلْ يُعْطِينَا مَطْلُوبَنَا بِالدُّعَاءِ؟ صَلَحَ هَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا، وَإِنْ سَأَلُوهُ إِنَّا إِذَا أَذْنَبْنَا ثُمَّ تُبْنَا فَهَلْ يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَنَا؟ صَلَحَ أَنْ يُجِيبَ بِقَوْلِهِ: فَإِنِّي قَرِيبٌ أَيْ فَأَنَا الْقَرِيبُ بِالنَّظَرِ لَهُمْ وَالتَّجَاوُزِ عَنْهُمْ وَقَبُولِ التَّوْبَةِ مِنْهُمْ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مُطَابِقٌ لِلسُّؤَالِ عَلَى جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ.
أيها الكرام :" ‏من يحدثكم عن زمن مخيف ،
حدثوه عن رب لطيف ..
‏حدثوه عن قوله تعالى :
(لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)
‏حدثوه عن إشراق الصباح بعد الظلام ،
وعن المحن التي صارت منحا ،
حدثوه عن التفاؤل وأن نبينا صل الله عليه وسلم كان يحب الفأل ،
حدثوه عن الأمل والثقة بالله ،
حدثوه عن قوله تعالى " فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا "
وعن قول النبي المصطفى : لن يغلب عسر يسرين .
والخير باقٍ في أمة محمد إلى قيام الساعة ،
اخبروه أن البلاء موكل بالمنطق فلا تنطقوا ولاتقولوا إلا خيرا
وعليكم بالدعاء فاالله كريم سبحانه ولايرد يدا امتدت بالدعاء "
-يحكى أن رجلا سكيرا دعا أصحابه ذات يوم،.
لشرب الخمور
ودفع لخادمه أربعة دراهم ليشتري بها فاكهة لجلسائه وأثناء سير الخادم مر بالزاهد "منصور بن عمار" وهو يقول : من يدفع أربعة دراهم لفقير غريب أدعو له أربع دعوات، فأعطاه الغلام الدراهم اﻷربعة، فقال له منصور بن عمار :
ما تريد أن أدعو لك ؟
فقال الغلام : العتق من العبودية، ..
و الثانية:
أن يخلف الله علي الدراهم اﻷربعة.
و الثالثة:
أن يتوب الله على سيدي من شرب الخمر.
و الرابعة :
أن يغفر الله لي و لسيدي ولك وللقوم، فدعا له منصور بن عمار،
ورجع الخادم لسيده، فقال له : لماذا تأخرت، وأين الفاكهة ؟
فقص عليه مقابلته لمنصور الزاهد،
وكيف أعطاه الدراهم اﻷربعة مقابل أربع دعوات، فسكن غضب سيده، وقال:
وما كانت دعوتك اﻷولى؟
قال : سألت لنفسي العتق من العبودية ..
فقال السيد : قد أعتقتك، فأنت حر لوجه الله تعالى.
وماكانت دعوتك الثانية ؟
فقال: أن يُخلف الله علي الدراهم اﻷربعة .
فقال السيد: لك أربعة آلاف درهم ..
قال : و ما كانت دعوتك الثالثة ؟
قال : أن يتوب الله عليك،
فطأطأ السيد رأسه و بكى وأزاح بيديه كؤوس الخمر وكسرها، وقال : تبت إلى الله لن أعود أبداً.
وقال : فما كانت دعوتك الرابعة ؟ قال : أن يغفر الله لي ولك وللقوم.
قال السيد : هذا ليس لي،
وإنما هو للغفور الرحيم ..
فلما نام السيد تلك الليلة،
سمع هاتفا يهتف به: أنت فعلت ما كان إليك،
أتظن أنا لا نفعل ما كان إلينا؟
لقد غفر الله لك وللغلام
ولمنصور بن عمار ولكل الحاضرين .
الدعاء هو العبادة .. فما أعظمه وأقواه أسأل الله تعالى باسمه الأعظم أن يعطيكم حتى يرضيكم وأن يحقق أمانيكم وأن يعطيكم من الخير فوق ما ترجون ووالديكم وذرياتكم وأزواجكم وأحبابكم أجمعين وجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات .
#محمد_سعيد_أبوالنصر

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.