رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الاثنين 3 فبراير 2025 10:41 م توقيت القاهرة

قصة نبي الله يوشع بن نون عليه السلام

أمل كمال

تعريف بيوشع بن نون هو يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم السلام- وهناك من أهل الكتاب من يدعونه بيوشع بن عم هود. وقد ورد ذكره في كتاب الله تعالى ولكن دون تصريح باسمه الحقيقي، وذلك في قصة موسى -عليه السلام- مع الخضر. قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ).

يعتبر يوشع بن نون من الشخصيّات المتّفق عليها بين أهل الكتاب أنفسهم، وبينهم وبين المسلمين، فبينما يقال له عند المسلمين يوشع بن نون، يقال له عند الآخرين يشوع بن نون، وهو نبي كريم من أنبياء الله -عز وجل-، وقد ورد ذكره في العهد القديم، في السفر الذي يحمل اسمه وهو سفر يشوع. أدى نبي الله يوشع -عليه السلام- دوراً تاريخيّاً كبيراً؛ كونه تولّى زمام أمور بني إسرائيل بعد انتقال رسول الله موسى -عليه السلام- إلى جوار ربه الأعلى. وفيما يلي بعض محطات حياته -عليه السلام-.

محطات من حياة يوشع بن نون ينسب ليوشع بن نون -عليه السلام- إخراج بني إسرائيل من التيه، وإدخالهم بيت المقدس بعد قتال، وحصار، وقد وقعت في هذه المعركة القصة الأشهر لهذا النبي الكريم؛ فلما كان النصر قريباً جداً منه وممن كان يقاتل معه، اقترب مغيب شمس يوم الجمعة، فإذا ما غربت الشمس دخل يوم السبت، ويوم السبت هو اليوم الذي لا يعمل فيه اليهود، وهو اليوم الذي حرم الله تعالى عليهم فيه الصيد، ولما خاف يوشع بن نون من دخول السبت، ومن خسارة المعركة بعد اقتراب النصر، دعا الله تعالى بألا تغيب الشمس حتى يتحقق له ولمن معه النصر، وهذا ما قد كان بفضلٍ من الله تعالى، فتأخر مغيب الشمس -بإذن الله-، وانتصر هو ومن معه.

استطاع يوشع بن نون -عليه السلام- أن يخوض العديد من المعارك الهامة، حيث تم وصف هذه المعارك بصورة كلية، وبعد هذه المعارك عمل يوشع بن نون -عليه السلام- على إدارة شؤون الإسرائيليين، وكان دائماً يحثهم على طاعة الله تعالى، وعلى أهمية أن يتذكروا فضله عليهم، وكان -عليه السلام- دائم التحذير لهم من خطورة الانقياد وراء الشهوات، والغواية، واتباع خطوات الشيطان. وقد توفي نبي الله يوشع -عليه السلام- بعد أن كبر في السن، حيث دفن في أرض كنعان، واليوم يقع قبره في مدينة السلط الأردنية، وتحديداً في منطقة النبي يوشع المشهورة، حيث يبعد قبره عن مدينة عمان العاصمة قرابة خمسة وعشرين كيلومتراً تقريباً، وقد أقيم عليه مسجد يحتوي على كافة المرافق التي تلزم المصلين هناك.

ذكر نبوة يوشع وقيامه بأعباء بني إسرائيل بعد موسى وهارون عليهما السلام
هو يوشع بن نون بن أفراثيم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام. وأهل الكتاب يقولون يوشع بن عم هود.

وقد ذكره الله تعالى في القرآن غير مصرح باسمه في قصة الخضر، كما تقدم من قوله: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ } [الكهف: 60] { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ } [الكهف: 62]

وقدمنا ما ثبت في الصحيح من رواية أبي بن كعب رضي الله عنه، عن النبي ﷺ من أنه يوشع بن نون، وهو متفق على نبوته عند أهل الكتاب، فإن طائفة منهم وهم السامرة لا يقرون بنبوة أحد بعد موسى إلا يوشع بن نون، لأنه مصرح به في التوراة، ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقًا لما معهم من ربهم، فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.

وأما ما حكاه ابن جرير وغيره من المفسرين، عن محمد بن إسحاق: من أن النبوة حولت من موسى، إلى يوشع في آخر عمر موسى، فكان موسى يلقي يوشع فيسأله ما أحدث الله إليه من الأوامر والنواهي، حتى قال له: يا كليم الله، إني كنت لا أسألك عما يوحي الله إليك حتى تخبرني أنت، ابتداء من تلقاء نفسك، فعند ذلك كره موسى الحياة وأحب الموت.

ففي هذا نظر، لأن موسى عليه السلام لم يزل الأمر والوحي والتشريع والكلام من الله إليه من جميع أحواله حتى توفاه الله عز وجل، ولم يزل معززًا مكرمًا مدللًا وجيها عند الله، كما قدمنا في الصحيح من قصة فقئه عين ملك الموت، ثم بعثه الله إليه إن كان يريد الحياة، فليضع يده على جلد ثور، فله بكل شعرة وارت يده سنة يعيشها، قال: ثم ماذا؟ قال: الموت. قال: فالآن يا رب، وسأل الله أن يدنيه إلى بيت المقدس رمية بحجر، وقد أجيب إلى ذلك صلوات الله وسلامه عليه.

فهذا الذي ذكره محمد بن إسحاق إن كان، إنما يقوله من كتب أهل الكتاب، ففي كتابهم الذي يسمونه التوراة: أن الوحي لم يزل ينزل على موسى في كل حين يحتاجون إليه، إلى آخر مدة موسى، كما هو المعلوم من سياق كتابهم عند تابوت الشهادة في قبة الزمان.

وقد ذكروا في السفر الثالث أن الله أمر موسى وهارون أن يعدا بني إسرائيل على أسباطهم، وأن يجعلا على كل سبط من الاثني عشر أميرًا، وهو النقيب. وماذاك إلا ليتأهبوا للقتال - قتال الجبارين عند الخروج من التيه -

وكان هذا عند اقتراب انقضاء الأربعين سنة، ولهذا قال بعضهم: إنما فقأ موسى عليه السلام عين ملك الموت لأنه لم يعرفه في صورته تلك، ولأنه كان قد أمر بأمر كان يرتجي وقوعه في زمانه، ولم يكن في قدر الله أن يقع ذلك في زمانه، بل في زمان فتاه يوشع بن نون عليه السلام.

كما أن رسول الله ﷺ كان قد أراد غزو الروم بالشام، فوصل إلى تبوك، ثم رجع عامه ذلك في سنة تسع. ثم حج في سنة عشر، ثم رجع فجهز جيش أسامة إلى الشام، طليعة بين يديه، ثم كان على عزم الخروج إليهم امتثالًا لقوله تعالى: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [التوبة: 29] .

ولما جهز رسول الله جيش أسامة، توفي عليه الصلاة والسلام وأسامة مخيم بالجرف، فنفذه صديقه وخليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ثم لما لمَّ شعث جزيرة العرب وما كان دهى من أمر أهلها، وعاد الحق إلى نصابه، جهز الجيوش يمنة ويسرة إلى العراق: أصحاب كسرى ملك الفرس، وإلى الشام: أصحاب قيصر ملك الروم، ففتح الله لهم، ومكن لهم وبهم، وملكهم نواصي أعدائهم، كما سنورده عليك في موضعه، إذا انتهينا إليه مفصلًا إن شاء الله بعونه وتوفيقه وحسن إرشاده.

وهكذا موسى عليه السلام كان الله قد أمره أن يجند بني إسرائيل، وأن يجعل عليهم نقباء، كما قال تعالى: { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } [المائدة: 12]

يقول لهم: لئن قمتم بما أوجبت عليكم، ولم تنكلوا عن القتال كما نكلتم أول مرة، لأجعلن ثواب هذه مكفرًا لما وقع عليكم من عقاب تلك، كما قال تعالى لمن تخلف من الأعراب عن رسول الله ﷺ في غزوة الحديبية: { قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } [الفتح: 16] .

وهكذا قال تعالى لبني إسرائيل: { فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } ثم ذمهم تعالى على سوء صنيعهم ونقضهم مواثيقهم كما ذم من بعدهم من النصارى على اختلافهم في دينهم وأديانهم. وقد ذكرنا ذلك في التفسير مستقصى، ولله الحمد.

والمقصود أن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يكتب أسماء المقاتلة من بني إسرائيل، ممن يحمل السلاح، ويقاتل ممن بلغ عشرين سنة فصاعدًا وأن يجعل على كل سبط نقيبًا منهم.

السبط الأول: سبط روبيل، لأنه بكر يعقوب، كان عدة المقاتلة منهم ستة وأربعين ألفًا وخمسمائة، ونقيبهم منهم وهو: اليصور بن شديئورا.

السبط الثاني: سبط شمعون، وكانوا تسعة وخمسين ألفًا وثلاثمائة. ونقيبهم: شلوميئيل بن هوريشداي.

السبط الثالث: سبط يهوذا، وكانوا أربعة وسبعين ألفًا وستمائة. ونقيبهم: نحشون بن عميناداب.

السبط الرابع: سبط ايساخر، وكانوا أربعة وخمسين ألفًا وأربعمائة، ونقيبهم نشائيل بن صوغر.

السبط الخامس: سبط يوسف عليه السلام، وكانوا أربعين ألفًا وخمسمائة، ونقيبهم يوشع بن نون.

السبط السادس: سبط ميشا، وكانوا أحدًا وثلاثين ألفًا ومائتين، ونقيبهم جمليئيل بن فدهصور.

السبط السابع: سبط بنيامين، وكانوا خمسة وثلاثين ألفًا وأربعمائة، ونقيبهم: أبيدن بن جدعون.

السبط الثامن: سبط حاد، وكانوا خمسة وأربعة ألفًا وستمائة وخمسين رجلًا، ونقيبهم: الياساف بن رعوئيل.

السبط التاسع: سبط أشير، وكانوا أحدًا وأربعين ألفًا وخمسمائة. ونقيبهم: فجعيئيل بن عكرن.

السبط العاشر: سبط دان، وكانوا اثنين وستين ألفًا وسبعمائة، ونقيبهم: أخيعزر بن عمشداي.

السبط الحادي عشر: سبط نفتالي، وكانوا ثلاثة وخمسين ألفًا وأربعمائة. ونقيبهم: أخيرع بن عين.

السبط الثاني عشر: سبط زبولون، وكانوا سبعة وخمسين ألفًا وأربعمائة، ونقيبهم: الباب بن حيلون.

هذا نص كتابهم الذي بأيديهم، والله أعلم.

وليس منهم: بنو لاوي، فأمر الله موسى أن لا يعدهم معهم، لأنهم موكلون بحمل قبة الشهادة، وضربها وخزنها، ونصبها، وحملها إذا ارتحلوا، وهم سبط موسى وهارون عليهما السلام، وكانوا اثنين وعشرين ألفًا من ابن شهر فما فوق ذلك، وهم في أنفسهم قبائل من كل قبيلة طائفة من قبة الزمان، يحرسونها ويحفظونها ويقومون بمصالحها ونصبها وحملها، وهم كلهم حولها، ينزلون، ويرتحلون أمامها ويمنتها وشمالها ووراءها.

وجملة ما ذكر من المقاتلة غير بني لاوي خمسمائة ألف وأحد وسبعون ألفًا وستمائة وستة وخمسون. لكن قالوا: فكان عدد بني إسرائيل ممن عمره عشرون سنة فما فوق ذلك، ممن حمل السلاح ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسة وخمسين رجلًا، سوى بني لاوي، وفي هذا نظر.

فإن جميع الجمل المتقدمة إن كانت كما وجدنا في كتابهم، لا تطابق الجملة التي ذكروها، والله أعلم.

فكان بنو لاوي الموكلون بحفظ قبة الزمان، يسيرون في وسط بني إسرائيل، وهم القلب، ورأس الميمنة: بنو روبيل، ورأس الميسرة: بنودان، وبنو نفتالي يكونون ساقة.

وقرر موسى عليه السلام - بأمر الله تعالى له - الكهانة في بني هارون، كما كانت لأبيهم من قبلهم، وهم ناداب، وهو بكره، وأبيهو، والعازر، ويثمر.

والمقصود أن بني إسرائيل لم يبق منهم أحد ممن كان نكل عن دخول مدينة الجبارين، الذين قالوا: { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [المائدة: 24] قاله الثوري، عن أبي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس.
وقد زعم ابن إسحاق أن الذي فتح بيت المقدس هو موسى، وإنما كان يوشع على مقدمته، وذكر في مروره إليها قصة بلعام بن باعور الذي قال تعالى فيه:

{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ } [الأعراف: 175-17

وقد ذكرنا قصته في التفسير، وأنه كان فيما قاله ابن عباس وغيره يعلم الاسم الأعظم، وأن قومه سألوه أن يدعو على موسى وقومه فامتنع عليهم، ولما ألحوا عليه، ركب حمارة له؛ ثم سار نحو معسكر بني إسرائيل، فلما أشرف عليهم ربضت به حمارته فضربها، حتى قامت فسارت غير بعيد وربضت، فضربها ضربًا أشد من الأول، فقامت ثم ربضت، فضربها فقالت له: يا بلعام أين تذهب، أما ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا، أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين تدعو عليهم؟ فلم ينزع عنها فضربها حتى سارت به، حتى أشرف عليهم من رأس جبل حسبان.
ونظر إلى معسكر موسى وبني إسرائيل فأخذ يدعو عليهم فجعل لسانه لا يطيعه إلا أن يدعو لموسى وقومه، ويدعو على قوم نفسه فلاموه على ذلك، فاعتذر إليهم بأنه لا يجري على لسانه إلا هذا، واندلع لسانه حتى وقع على صدره، وقال لقومه: ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة، ولم يبق إلا المكر والحيلة.

ثم أمر قومه أن يزينوا النساء ويبعثوهن بالأمتعة يبعن عليهم، ويتعرضن لهم، حتى لعلهم يقعون في الزنا، فإنه متى زنى رجل منهم كفيتموه، ففعلوا وزينوا نساءهم، وبعثوهن إلى المعسكر، فمرت امرأة منهم اسمها كستى برجل من عظماء بني إسرائيل - وهو زمري بن شلوم - يقال إنه كان رأس سبط بني شمعون بن يعقوب، فدخل بها قبته، فلما خلا بها أرسل الله الطاعون على بني إسرائيل، فجعل يحوس فيهم.

فلما بلغ الخبر إلى فنحاص بن العزار بن هارون، أخذ حربته وكانت من حديد، فدخل عليهما القبة فانتظمهما جميعًا فيها، ثم خرج بهما على الناس والحربة في يده، وقد اعتمد على خاصرته وأسندها إلى لحيته، ورفعهما نحو السماء وجعل يقول: اللهم هكذا تفعل بمن يعصيك، ورفع الطاعون.
ولعل هذه قصة أخرى كانت في خلال سيرهم في التيه، فإن في هذا السياق ذكر حسبان، وهي بعيدة عن أرض بيت المقدس، أو لعله كان هذا لجيش موسى، الذين عليهم يوشع بن نون، حين خرج بهم من التيه قاصدًا بيت المقدس، كما صرح به السدي، والله أعلم.

وعلى كل تقدير فالذي عليه الجمهور: أن هارون توفي بالتيه قبل موسى أخيه بنحو من سنتين، وبعده موسى في التيه أيضًا كما قدمنا، وأنه سأل ربه أن يقرب إلى بيت المقدس فأجيب إلى ذلك، فكان الذي خرج بهم من التيه، وقصد بهم بيت المقدس هو يوشع بن نون عليه السلام، فذكر أهل الكتاب وغيرهم من أهل التاريخ: أنه قطع بني إسرائيل نهر الأردن، وانتهى إلى أريحا، وكانت من أحصن المدائن سورًا، وأعلاها قصورًا وأكثرها أهلًا فحاصرها ستة أشهر.

ثم إنهم أحاطوا بها يومًا وضربوا بالقرون - يعني الأبواق - وكبروا تكبيرة رجل واحد، فتفسخ سورها، وسقط وجبة واحدة، فدخلوها وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم، وقتلوا اثني عشر ألفًا من الرجال والنساء، وحاربوا ملوكًا كثيرة.

ويقال: إن يوشع ظهر على أحد وثلاثين ملكًا من ملوك الشام. وذكروا أنه انتهى محاصرته لها إلى يوم جمعة بعد العصر، فلما غربت الشمس أو كادت تغرب، ويدخل عليهم السبت الذي جعل عليهم، وشرع لهم ذلك الزمان قال لها: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي، فحبسها الله عليه، حتى تمكن من فتح البلد، وأمر القمر فوقف عند الطلوع، وهذا يقتضي أن هذه الليلة كانت الليلة الرابعة عشرة من الشهر الأول، وهو قصة الشمس المذكورة في الحديث الذي سأذكره.

وأما قصة القمر فمن عند أهل الكتاب، ولا ينافي الحديث بل فيه زيادة تستفاد، فلا تصدق ولا تكذب، ولكن ذكرهم أن هذا في فتح أريحا، فيه نظر، والأشبه والله أعلم أن هذا كان في فتح بيت المقدس، الذي هو المقصود الأعظم، وفتح أريحا كان وسيلة إليه، والله أعلم.

قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا أبو بكر، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:

« إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس ».

انفرد به أحمد من هذا الوجه، وهو على شرط البخاري.

وفيه دلالة على أن الذي فتح بيت المقدس هو يوشع بن نون عليه السلام، لا موسى، وأن حبس الشمس كان في فتح بيت المقدس لا أريحا، كما قلنا. وفيه أن هذا كان من خصائص يوشع عليه السلام، فيدل على ضعف الحديث الذي رويناه، أن الشمس رجعت حتى صلى علي بن أبي طالب صلاة العصر، بعد ما فاتته بسبب نوم النبي ﷺ على ركبته، فسأل رسول الله أن يردها عليه حتى يصلي العصر، فرجعت.

وقد صححه علي بن صالح المصري، ولكنه منكر، ليس في شيء من الصحاح ولا الحسان، وهو مما تتوفر الدواعي على نقله، وتفردت بنقله امرأة من أهل البيت مجهولة لا يعرف حالها، والله أعلم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:

« غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن، ولا آخر قد بنى بنيانًا، ولم يرفع سقفها، ولا آخر قد اشترى غنمًا أو خلفات وهو ينتظر أولادها، فغزا فدنا من القرية حين صُلي العصر، أو قريبًا من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئًا، فحبست عليه حتى فتح الله عليه، فجمعوا ما غنموا فأتت النار لتأكله فأبت أن تطعمه.

فقال: فيكم غلول، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه فلصقت يد رجل بيده.

فقال: فيكم الغلول، وليتابعني قبيلتك، فبايعته قبيلته، فلصق بيد رجلين أو ثلاثة.

فقال: فيكم الغلول، أنتم غللتم، فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب.

قال: فوضعوه بالمال، وهو بالصعيد فأقبلت النار فأكلته، فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا، ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا ». انفرد به مسلم من هذا الوجه.

وقد روى البزار، من طريق مبارك بن فضالة، عن عبيد الله، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ نحوه.

قال: ورواه محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقًا لما معهم من ربهم، فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.

وأما ما حكاه ابن جرير وغيره من المفسرين، عن محمد بن إسحاق: من أن النبوة حولت من موسى، إلى يوشع في آخر عمر موسى، فكان موسى يلقي يوشع فيسأله ما أحدث الله إليه من الأوامر والنواهي، حتى قال له: يا كليم الله، إني كنت لا أسألك عما يوحي الله إليك حتى تخبرني أنت، ابتداء من تلقاء نفسك، فعند ذلك كره موسى الحياة وأحب الموت.

ففي هذا نظر، لأن موسى عليه السلام لم يزل الأمر والوحي والتشريع والكلام من الله إليه من جميع أحواله حتى توفاه الله عز وجل، ولم يزل معززًا مكرمًا مدللًا وجيها عند الله، كما قدمنا في الصحيح من قصة فقئه عين ملك الموت، ثم بعثه الله إليه إن كان يريد الحياة، فليضع يده على جلد ثور، فله بكل شعرة وارت يده سنة يعيشها، قال: ثم ماذا؟ قال: الموت. قال: فالآن يا رب، وسأل الله أن يدنيه إلى بيت المقدس رمية بحجر، وقد أجيب إلى ذلك صلوات الله وسلامه عليه.

فهذا الذي ذكره محمد بن إسحاق إن كان، إنما يقوله من كتب أهل الكتاب، ففي كتابهم الذي يسمونه التوراة: أن الوحي لم يزل ينزل على موسى في كل حين يحتاجون إليه، إلى آخر مدة موسى، كما هو المعلوم من سياق كتابهم عند تابوت الشهادة في قبة الزمان.

وقد ذكروا في السفر الثالث أن الله أمر موسى وهارون أن يعدا بني إسرائيل على أسباطهم، وأن يجعلا على كل سبط من الاثني عشر أميرًا، وهو النقيب. وماذاك إلا ليتأهبوا للقتال - قتال الجبارين عند الخروج من التيه -

وكان هذا عند اقتراب انقضاء الأربعين سنة، ولهذا قال بعضهم: إنما فقأ موسى عليه السلام عين ملك الموت لأنه لم يعرفه في صورته تلك، ولأنه كان قد أمر بأمر كان يرتجي وقوعه في زمانه، ولم يكن في قدر الله أن يقع ذلك في زمانه، بل في زمان فتاه يوشع بن نون عليه السلام.

كما أن رسول الله ﷺ كان قد أراد غزو الروم بالشام، فوصل إلى تبوك، ثم رجع عامه ذلك في سنة تسع. ثم حج في سنة عشر، ثم رجع فجهز جيش أسامة إلى الشام، طليعة بين يديه، ثم كان على عزم الخروج إليهم امتثالًا لقوله تعالى: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [التوبة: 29] .

ولما جهز رسول الله جيش أسامة، توفي عليه الصلاة والسلام وأسامة مخيم بالجرف، فنفذه صديقه وخليفته أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ثم لما لمَّ شعث جزيرة العرب وما كان دهى من أمر أهلها، وعاد الحق إلى نصابه، جهز الجيوش يمنة ويسرة إلى العراق: أصحاب كسرى ملك الفرس، وإلى الشام: أصحاب قيصر ملك الروم، ففتح الله لهم، ومكن لهم وبهم، وملكهم نواصي أعدائهم، كما سنورده عليك في موضعه، إذا انتهينا إليه مفصلًا إن شاء الله بعونه وتوفيقه وحسن إرشاده.

وهكذا موسى عليه السلام كان الله قد أمره أن يجند بني إسرائيل، وأن يجعل عليهم نقباء، كما قال تعالى: { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } [المائدة: 12]

يقول لهم: لئن قمتم بما أوجبت عليكم، ولم تنكلوا عن القتال كما نكلتم أول مرة، لأجعلن ثواب هذه مكفرًا لما وقع عليكم من عقاب تلك، كما قال تعالى لمن تخلف من الأعراب عن رسول الله ﷺ في غزوة الحديبية: { قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } [الفتح: 16]

وهكذا قال تعالى لبني إسرائيل: { فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } ثم ذمهم تعالى على سوء صنيعهم ونقضهم مواثيقهم كما ذم من بعدهم من النصارى على اختلافهم في دينهم وأديانهم. وقد ذكرنا ذلك في التفسير مستقصى، ولله الحمد.

والمقصود أن الله تعالى أمر موسى عليه السلام أن يكتب أسماء المقاتلة من بني إسرائيل، ممن يحمل السلاح، ويقاتل ممن بلغ عشرين سنة فصاعدًا وأن يجعل على كل سبط نقيبًا منهم.

السبط الأول: سبط روبيل، لأنه بكر يعقوب، كان عدة المقاتلة منهم ستة وأربعين ألفًا وخمسمائة، ونقيبهم منهم وهو: اليصور بن شديئورا.

السبط الثاني: سبط شمعون، وكانوا تسعة وخمسين ألفًا وثلاثمائة. ونقيبهم: شلوميئيل بن هوريشداي.

السبط الثالث: سبط يهوذا، وكانوا أربعة وسبعين ألفًا وستمائة. ونقيبهم: نحشون بن عميناداب.

السبط الرابع: سبط ايساخر، وكانوا أربعة وخمسين ألفًا وأربعمائة، ونقيبهم نشائيل بن صوغر.

السبط الخامس: سبط يوسف عليه السلام، وكانوا أربعين ألفًا وخمسمائة، ونقيبهم يوشع بن نون.

السبط السادس: سبط ميشا، وكانوا أحدًا وثلاثين ألفًا ومائتين، ونقيبهم جمليئيل بن فدهصور.

السبط السابع: سبط بنيامين، وكانوا خمسة وثلاثين ألفًا وأربعمائة، ونقيبهم: أبيدن بن جدعون.

السبط الثامن: سبط حاد، وكانوا خمسة وأربعة ألفًا وستمائة وخمسين رجلًا، ونقيبهم: الياساف بن رعوئيل.

السبط التاسع: سبط أشير، وكانوا أحدًا وأربعين ألفًا وخمسمائة. ونقيبهم: فجعيئيل بن عكرن.

السبط العاشر: سبط دان، وكانوا اثنين وستين ألفًا وسبعمائة، ونقيبهم: أخيعزر بن عمشداي.

السبط الحادي عشر: سبط نفتالي، وكانوا ثلاثة وخمسين ألفًا وأربعمائة. ونقيبهم: أخيرع بن عين.

السبط الثاني عشر: سبط زبولون، وكانوا سبعة وخمسين ألفًا وأربعمائة، ونقيبهم: الباب بن حيلون.

هذا نص كتابهم الذي بأيديهم، والله أعلم.

وليس منهم: بنو لاوي، فأمر الله موسى أن لا يعدهم معهم، لأنهم موكلون بحمل قبة الشهادة، وضربها وخزنها، ونصبها، وحملها إذا ارتحلوا، وهم سبط موسى وهارون عليهما السلام، وكانوا اثنين وعشرين ألفًا من ابن شهر فما فوق ذلك، وهم في أنفسهم قبائل من كل قبيلة طائفة من قبة الزمان، يحرسونها ويحفظونها ويقومون بمصالحها ونصبها وحملها، وهم كلهم حولها، ينزلون، ويرتحلون أمامها ويمنتها وشمالها ووراءها.

وجملة ما ذكر من المقاتلة غير بني لاوي خمسمائة ألف وأحد وسبعون ألفًا وستمائة وستة وخمسون. لكن قالوا: فكان عدد بني إسرائيل ممن عمره عشرون سنة فما فوق ذلك، ممن حمل السلاح ستمائة ألف وثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسة وخمسين رجلًا، سوى بني لاوي، وفي هذا نظر.

فإن جميع الجمل المتقدمة إن كانت كما وجدنا في كتابهم، لا تطابق الجملة التي ذكروها، والله أعلم.

فكان بنو لاوي الموكلون بحفظ قبة الزمان، يسيرون في وسط بني إسرائيل، وهم القلب، ورأس الميمنة: بنو روبيل، ورأس الميسرة: بنودان، وبنو نفتالي يكونون ساقة.

وقرر موسى عليه السلام - بأمر الله تعالى له - الكهانة في بني هارون، كما كانت لأبيهم من قبلهم، وهم ناداب، وهو بكره، وأبيهو، والعازر، ويثمر.

والمقصود أن بني إسرائيل لم يبق منهم أحد ممن كان نكل عن دخول مدينة الجبارين، الذين قالوا: { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [المائدة: 24] قاله الثوري، عن أبي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس.

وقاله: قتادة، وعكرمة.

ورواه السدي، عن ابن عباس، وابن مسعود، وناس من الصحابة، حتى قال ابن عباس، وغيره من علماء السلف والخلف: ومات موسى وهارون قبله كلاهما في التيه جميعًا.

وقد زعم ابن إسحاق أن الذي فتح بيت المقدس هو موسى، وإنما كان يوشع على مقدمته، وذكر في مروره إليها قصة بلعام بن باعور الذي قال تعالى فيه:

{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ } [الأعراف: 175-177] .

وقد ذكرنا قصته في التفسير، وأنه كان فيما قاله ابن عباس وغيره يعلم الاسم الأعظم، وأن قومه سألوه أن يدعو على موسى وقومه فامتنع عليهم، ولما ألحوا عليه، ركب حمارة له؛ ثم سار نحو معسكر بني إسرائيل، فلما أشرف عليهم ربضت به حمارته فضربها، حتى قامت فسارت غير بعيد وربضت، فضربها ضربًا أشد من الأول، فقامت ثم ربضت، فضربها فقالت له: يا بلعام أين تذهب، أما ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا، أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين تدعو عليهم؟ فلم ينزع عنها فضربها حتى سارت به، حتى أشرف عليهم من رأس جبل حسبان.

ونظر إلى معسكر موسى وبني إسرائيل فأخذ يدعو عليهم فجعل لسانه لا يطيعه إلا أن يدعو لموسى وقومه، ويدعو على قوم نفسه فلاموه على ذلك، فاعتذر إليهم بأنه لا يجري على لسانه إلا هذا، واندلع لسانه حتى وقع على صدره، وقال لقومه: ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة، ولم يبق إلا المكر والحيلة.

ثم أمر قومه أن يزينوا النساء ويبعثوهن بالأمتعة يبعن عليهم، ويتعرضن لهم، حتى لعلهم يقعون في الزنا، فإنه متى زنى رجل منهم كفيتموه، ففعلوا وزينوا نساءهم، وبعثوهن إلى المعسكر، فمرت امرأة منهم اسمها كستى برجل من عظماء بني إسرائيل - وهو زمري بن شلوم - يقال إنه كان رأس سبط بني شمعون بن يعقوب، فدخل بها قبته، فلما خلا بها أرسل الله الطاعون على بني إسرائيل، فجعل يحوس فيهم.

فلما بلغ الخبر إلى فنحاص بن العزار بن هارون، أخذ حربته وكانت من حديد، فدخل عليهما القبة فانتظمهما جميعًا فيها، ثم خرج بهما على الناس والحربة في يده، وقد اعتمد على خاصرته وأسندها إلى لحيته، ورفعهما نحو السماء وجعل يقول: اللهم هكذا تفعل بمن يعصيك، ورفع الطاعون.

فكان جملة من مات في تلك الساعة سبعين ألفًا، والمقلل يقول عشرين ألفًا، وكان فنحاص بكر أبيه العزار بن هارون، فلهذا يجعل بنو إسرائيل لولد فنحاص من الذبيحة اللية والذراع واللحى، ولهم البكر من كل أموالهم وأنفسهم.

وهذا الذي ذكره ابن إسحاق من قصة بلعام صحيح، قد ذكره غير واحد من علماء السلف، لكن لعله لما أراد موسى دخول بيت المقدس أول مقدمه من الديار المصرية، ولعله مراد ابن إسحاق، ولكنه ما فهمه بعض الناقلين عنه، وقد قدمنا عن نص التوراة ما يشهد لبعض هذا، والله أعلم.

ولعل هذه قصة أخرى كانت في خلال سيرهم في التيه، فإن في هذا السياق ذكر حسبان، وهي بعيدة عن أرض بيت المقدس، أو لعله كان هذا لجيش موسى، الذين عليهم يوشع بن نون، حين خرج بهم من التيه قاصدًا بيت المقدس، كما صرح به السدي، والله أعلم.

وعلى كل تقدير فالذي عليه الجمهور: أن هارون توفي بالتيه قبل موسى أخيه بنحو من سنتين، وبعده موسى في التيه أيضًا كما قدمنا، وأنه سأل ربه أن يقرب إلى بيت المقدس فأجيب إلى ذلك، فكان الذي خرج بهم من التيه، وقصد بهم بيت المقدس هو يوشع بن نون عليه السلام، فذكر أهل الكتاب وغيرهم من أهل التاريخ: أنه قطع بني إسرائيل نهر الأردن، وانتهى إلى أريحا، وكانت من أحصن المدائن سورًا، وأعلاها قصورًا وأكثرها أهلًا فحاصرها ستة أشهر.

ثم إنهم أحاطوا بها يومًا وضربوا بالقرون - يعني الأبواق - وكبروا تكبيرة رجل واحد، فتفسخ سورها، وسقط وجبة واحدة، فدخلوها وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم، وقتلوا اثني عشر ألفًا من الرجال والنساء، وحاربوا ملوكًا كثيرة.

ويقال: إن يوشع ظهر على أحد وثلاثين ملكًا من ملوك الشام. وذكروا أنه انتهى محاصرته لها إلى يوم جمعة بعد العصر، فلما غربت الشمس أو كادت تغرب، ويدخل عليهم السبت الذي جعل عليهم، وشرع لهم ذلك الزمان قال لها: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي، فحبسها الله عليه، حتى تمكن من فتح البلد، وأمر القمر فوقف عند الطلوع، وهذا يقتضي أن هذه الليلة كانت الليلة الرابعة عشرة من الشهر الأول، وهو قصة الشمس المذكورة في الحديث الذي سأذكره.

وأما قصة القمر فمن عند أهل الكتاب، ولا ينافي الحديث بل فيه زيادة تستفاد، فلا تصدق ولا تكذب، ولكن ذكرهم أن هذا في فتح أريحا، فيه نظر، والأشبه والله أعلم أن هذا كان في فتح بيت المقدس، الذي هو المقصود الأعظم، وفتح أريحا كان وسيلة إليه، والله أعلم.

قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا أبو بكر، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:

« إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس ».

انفرد به أحمد من هذا الوجه، وهو على شرط البخاري.

وفيه دلالة على أن الذي فتح بيت المقدس هو يوشع بن نون عليه السلام، لا موسى، وأن حبس الشمس كان في فتح بيت المقدس لا أريحا، كما قلنا. وفيه أن هذا كان من خصائص يوشع عليه السلام، فيدل على ضعف الحديث الذي رويناه، أن الشمس رجعت حتى صلى علي بن أبي طالب صلاة العصر، بعد ما فاتته بسبب نوم النبي ﷺ على ركبته، فسأل رسول الله أن يردها عليه حتى يصلي العصر، فرجعت.

وقد صححه علي بن صالح المصري، ولكنه منكر، ليس في شيء من الصحاح ولا الحسان، وهو مما تتوفر الدواعي على نقله، وتفردت بنقله امرأة من أهل البيت مجهولة لا يعرف حالها، والله أعلم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:

« غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن، ولا آخر قد بنى بنيانًا، ولم يرفع سقفها، ولا آخر قد اشترى غنمًا أو خلفات وهو ينتظر أولادها، فغزا فدنا من القرية حين صُلي العصر، أو قريبًا من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئًا، فحبست عليه حتى فتح الله عليه، فجمعوا ما غنموا فأتت النار لتأكله فأبت أن تطعمه.

فقال: فيكم غلول، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه فلصقت يد رجل بيده.

فقال: فيكم الغلول، وليتابعني قبيلتك، فبايعته قبيلته، فلصق بيد رجلين أو ثلاثة.

فقال: فيكم الغلول، أنتم غللتم، فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب.

قال: فوضعوه بالمال، وهو بالصعيد فأقبلت النار فأكلته، فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا، ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا ». انفرد به مسلم من هذا الوجه.

وقد روى البزار، من طريق مبارك بن فضالة، عن عبيد الله، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ نحوه.

قال: ورواه محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.