في سكون الليل وسط نيران الأحزان ، ومن بين أزهار الأشواك رأيته وقد اسند ظهره إلى شجرة كثيفة تنبت على إحدى ضفاف نهر الدماء - ذاك النهر الذى تسبح فيه جثث الموتى أمثالنا !! -وشموع الخوف تضيء حوله حديقة الظلام.
وجدته يعبث بحشائش الحديقة السوداء يقطف منها كل ما هو أخضر بعدما مزق كل ورقة رسم فيها صورة مضيئة لهذه الدنيا ،(إلا) صورة واحدة ... واحدة فقط .. هي تلك التي رسمها بحبره الأسود ، نظرت إليها ..تأملتها .. قلبتها(فجعلت عاليها سافلها) !! .. فلم أحس بفرق يُذكر، كل ما رأيته هو المعنى الحقيقي لآهات (النهاية) ..
فلم أكن أتخيل في يوم من الأيام أن يمسك هذا الشاب - المحب للطبيعة صاحب الإحساس المرهف- بقلمه ليرسم صورة رآها ونراها كل يوم معروضه أمامنا على مسرح الموتى!!
لقد كرهتها .. نعم كرهتها ، ..
أنا ذاك الشاب الذي أتحدث عنه ... نعم أنا ؛ أنا صاحب الصورة ... أنا صاحب الحبر الأسود..
أزيحوا عني دنياكم لقد سئمتها .. لقد سئمت دنيا الغرور ، ابعدوها عني خذوها من أمام عيني حتى لا يغرني جمالها الزائف الخادع كما غركم.
خذوا من أمامي كل ما هو ملون واتركوا لي السواد !!
فيا عجبا ومالي لا أعجبُ ؟ !!
رأيتهم يتسابقون فيها ويبحروا في ملذاتها ويجمعوا كنوزها غير مكترثين بشيءٍ اسمه حلال و آخر يُسمى حرام .. فبئس ما يجمعون ، باعوا سعادتهم الأبدية وحياتهم الحقيقية بثمن بخس لا يزن جناح بعوضة ، ولا يكفي لشراء شق تمرة إلا إذا تصدق عليه البائع!!
ونسوا بل تناسوا أنه مهما طالتْ الأعمار لابد من فراق بعد وصال .
فها أنا أتركها لكم .. لا أريدها ..
فيا دنياي – عفواً دنياكم فهي ليست لي - غرّي غيري قد طلقتك ثلاثا .. فأنتِ لستِ ملكي ، ولا تحلي لي من بعدُ!!
إضافة تعليق جديد