رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 24 يناير 2025 10:18 ص توقيت القاهرة

كيف أتدبر آيات كتاب الله

أمل كمال

قال فضيلة الشيخ اسماعيل الراوى
سعادة العيش مع القرآن -
هي مصدرٌ للسعادة بشكل عام - تتحقق بتدبُّر آياته؛ لا سيما ونحن في زمن تنتشر فيه الأمراضُ النفسية، وتشحُّ مصادرُ السعادة الحقيقية، ويشيعُ الضيقُ والتبرُّم، وغيابُ الطمأنينة وفَقْدُ السكينة.

لذا سأتحدث قليلًا عن تدبر القرآن في ظل المعاناة مِن هَيمنة الفصل والانفصال عن القرآن الكريم، بوجود حواجز وهمية تجعل أكثرَنا يقرأه ككتاب تاريخ، فنُحرَم من سعادة انطلاق أرواحنا معه، ومن انتفاع عقولنا وأبداننا من كلِّ كلمة فيه! وإن يكن الشائعُ هو تدبر الآيات، إلا أن التدبر يشمَل السورة كاملةً، والكلمة القرآنية، وربما الحرف!

• كيف أتدبر آيات كتاب الله[2]:

(أ) العلم: أن أعلمَ ما هو التدبر ومعناه:

• نجد في تعريف علماء الأمة لتدبر كتاب الله:

• إن التدبر هو التفكر والتأمل، والنظر بالعواقب؛ كما جاء في تفسير سورة النساء من قوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، وقال البغوي فيها: "أفلا يتفكَّرون في القرآن، والتدبر: هو النظر في آخر الأمر".

• وهو التفهُّم والعمل بالتنزيل؛ قال الشوكاني في قوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ [محمد: 24]: "فيعملون بما اشتمَل عليه".

• إنه علمٌ بمرامي آيات كتاب الله، مبنيٌّ على التفكر والتأمل، واتِّعاظٌ وعملٌ بما فيها، تشترك فيه الجوارحُ مع القلب.

وبجمع المعاني، فإن تدبُّرَ كتاب الله يقتضي المزاوجة بين التفكر والعمل، فهما متلازمان يترتَّب على تلازُمهما التوجهُ بمضامين التدبُّر للذات، ونُسقطها على الواقع، فنُحيل معانيها عيشًا حقيقيًّا بكلِّ ما فيها من الدعاء والرجاء إلى التربية والتعليم، إلى التشريع والاقتصاد.

(ب) أن أسعى في التدبر وتحقيق معانيه؛ قال الجرجاني معقبًا على أن التدبر هو النظر في عواقب الأمور: "وهو قريبٌ من التفكر، إلا أن التفكرَ تصرُّفُ القلب بالنظر في الدليل، والتدبر تصرُّفه بالنظر في العواقب".

ولاحِظ أخي القارئ مِن قوله أن هنالك تصرُّفًا؛ أي: عملًا يقوم به أحدُنا بإملاء القلب، فأنت إذ تتدبَّر فاعلٌ، ولستَ فقط منفعلًا، مع تأكيد أن عملك يَسبقه إلْمامُك بتفسير صحيح للآيات، ويرتبط به، فإن كان الفهم والتفسير خاطئًا، جاء التفكر والإسقاط، (أو النظر بالعواقب) خاطئًا، وهذا من مصادر الشَّطط في التدبر الذي يَكثُر اليوم مع الأسف[3]، ومن الأهمية بمكان معرفة العلاقة بين التدبر والتفسير، وستكون موضوع حلقة قادمة مع الأمثلة بإذن الله، وعليه فإن المتدبر:

1) يجب أن يلمَّ بمعاني الآيات وتفسيرها.

2) ويتفكر ويتأمل فيها.

3) ويُدرك ما تَؤول له عمليًّا، فيعرض نفسَه عليها، وكذلك أسرته ومجتمعه اتِّعاظًا واتباعًا، فكريًّا وعمليًّا.

وتلك أركان ثلاثة تلزم كلَّ متدبِّر للآيات، وإن ثالثها هام لدرجة أن بعض علمائنا اعتبروا أن هذا هو التدبُّر، ففي قوله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]؛ قال الحسن البصري رحمه الله تعالى متذكرًا ومذكرًا - فهو مِن أولي الألباب -: "وما تدبُّر آياته إلا اتِّباعُه، والله يعلم، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده".

وهذا يؤكد أن التدبر جمع القول والتفكر والعمل، والإسقاط على واقعنا بلغة العصر, وأنه يمثِّل تطبيقًا عمليًّا لتَوْءَمةِ الإيمان والعمل[4]، وعيشًا حقيقيًّا مع القرآن، ولأهمية هذا الركن الثالث أفرده بالبيان.

أهمية التفاعل مع الآية والإسقاط على الواقع أثناء التدبر: وترجع أهميته لأمرين:

• زيادة على أنه ركنٌ، فهو هدف للتدبر: بتحقُّقه ينتشر أثرُ القرآن والفائدة منه والعمل به.

• ولأن معظمنا لا يُحسنه، فعندما أقول: يتم لك تدبُّر القرآن عندما تَمتزج مع الآيات، وتُحيلها واقعًا ما استطعتَ، يأتيني السؤال: كيف أمتزج مع القرآن؟! فهذه اليوم معضلة في التدبر عند كُثُرٍ ممن عرَفت، لكنه ليس أمرًا صعبًا بإذن الله بالمتابعة والاستعانة بالخطوات هنا، وفي البحوث والكتب الموسعة، وسماع وقراءة الأمثلة، ومثلًا كتبتُ على قصاصة متدبرة وأنا أتلو قوله تعالى: ﴿ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ﴾ [النمل: 87]، "داخرين؛ أي: صاغرين أذِلاء بعد البعث، كلٌّ على الإطلاق، فتنبَّهي! وكائنًا مَن كنت، انظُر للمشهد من الداخل أنا وأنت، أحدهم وكلٌّ منا، حقًّا وعملًا، وليس فقط لفظًا ولا تَخيُّلًا"، وهذا التدبر الذي بدأته بالفهم: تفسير داخرين، ثم تأملتُ المعنى، وأسقطتُه على واقعي بشموليَّة وإيجازٍ، وهو أحد أوجه الامتزاج مع الآيات، والمهم أين يُسْقِطُ المرءُ ما يتدبَّره؟ لو كان على نفسه وعلى غيره بنفس القدر من الجدية واليقين العملي، لكان صلاح الحال أقربَ لأُمَّتنا! ولكن هناك صورة تتكرَّر؛ كأنَّ واحدنا يلبَس ثوبًا فضفاضًا، ويُلقي ما يتدبَّره في جيوبه، وأفضيته هنا وهناك، ثم أبعد عن يمينه وشماله وخلف ظهره، فإن خيِّر بين نفسه والأقربين، أسقَطه على الأقربين - (على الأخ والولد أو زوجته، وعلى الزوج أو والدته، وعلى الجار وقريبه) - ثم على البعيد لا القريب - (شريكه أو مديره ومرؤوسه) - ومع العولمة قد يُسقطه على المجتمعات الأخرى في كل مكان إلا نفسه! فالإسقاط وإن كان عامًّا أو حتى شديد العموميَّة، فهو لا بد أن يخص، فنحن بشرٌ لا ملائكة! ومن لم يصلح بتدبُّره نفسه أولًا، فقد فوَّت نعمةً عظيمة أنعمَها الله عليه حتى يتداركها! ولو انتفَع من تدبره خلقٌ، إلا أنه ظلَم نفسه، وقد يقع في حِمى مَن يدعو للخير ولا يفعله، لا سمح الله.

(ج)- سمو الروح وتنمية موهبة الإحاطة: أنت مفطور على السمو برُوحك، وهذا العيش مع القرآن سيرتفع بك؛ إذ يعيد إلى فِطرتك نقاءها، ويجلوها إن غشاها الرانُ، وأفقدك التفاعلَ مع كلام ربك! وهو ما يعاني منه أكثرُنا! فتستعيد سلامتَها بتطهيرها من الفيروسات المفسدة والملوثة! وعندما تَملِك المقدرةَ على السمو والإحاطة انطلاقًا من الفطرة السليمة، تحلِّق روحُك مع الآيات، وينشرح صدرُك لتدبُّرها، فالنقاء والإحاطة سبلٌ للتدبر، كما أن الحفاظ عليها وتنميتها من ثمراته!

وأسوأ الحالات: الفطرة السليبة التي ابتلعتْها وُحولُ الماديات ومستنقعاتها الآسِنة! فيُصبح الأمر أكثرَ صعوبةً، ولكنه يبقى مُمكنًا بالإرادة، ومع الوقت والتَّكرار، والمزيد من الإيمان - (فالإيمان يزيد وينقص) - وبالعيش مع القرآن والحديث، تلك الأوساط المغذية للرُّوح، ستنجح في التفوق على الرؤية المسطحة للأمور الباهتة! وغالبًا أنت تَملِك موهبةً الإحاطة، ولكنها مُهملة بسبب التسطيح والاستسلام للتكبيل الأرضي: (التأريض بالمصطلح الفيزيائي)؛ قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الملك: 22]، والإحاطة هنا ألا تَمشي مكبًّا، بل أن تنظُر للمشهد الحياتي أيًّا كان: ناس وبيئة، أفكار وأعمال، من خارج الإطار، دون أن تُغفلَ أنك عنصرٌ من المشهد! وكنت كتبت في تدبر هذه الآية: راقبنا ونحن نسير مكبين، ثم ضع زبالة الدنيا هدفًا، وراقبنا ونحن نسير إليه مشمرين: واقعٌ معاش وحصاد خاسر! كأني بنا نلهث وراء "الهباء المنثور": منذ الخطأ في تحديد الأهداف وصولًا للقصور والتقصير في تصحيحها: الوسائل والأهداف! ومع الانكباب على الوجه تفقد المقدرة على الإحاطة، تتعثر بالخيط فتراه حبلًا، وتنشغل بالنفايات عن الجمال والنقاء الذي سخَّره الله لك، وعن أصل الأمر أو المشكل، وحلوله بالتفاهات والذيول! وتسد الشهوات عليك المنافذ، فيشح أكسجين الروح!

فلإتقان التدبر حاوِل أن تُخرج نفسَك من الإطار، لا تَستسلِمْ وكرِّر ذلك بين الفَينة والفينة، ارتفِع بنفسك، فأنت أَسمى مما تفعل بها، والله أراد بنا خيرًا لو نعلم! وتدبر قوله تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]، تجد لسانك يَلهج بالدعاء: ربَّنا تُب علينا، وألْهِمنا ألا نغفل عن مكانتنا التي أردتَها لنا سبحانك، أنت الرحمن الرحيم، اللهم اغفِر تقصيرنا، وأعِنَّا على ذكرك وشُكرك، وحُسن عبادتك، (وهذا من ثمار التدبر: الدعاء)، وسيُسعدك أن تقدِّم لروحك المزيدَ من الأكسجين مع كتاب الله، وأنت تلقي نظرة على المشهد بكامله مِن عل.

(د) تجديد النية ومشيئة الاستقامة: والنية هي مبتدأ الأمر، وإن لم نُشر لذلك في أول المقال؛ (لأنه معلوم)، ومع كل تدبر للقرآن من المهمِّ تجديد النية وتنقيتها؛ لتكون خالصة لوجه الله في تعلم التدبر والعمل به وتعليمه! وأن تتوفَّر لدينا مشيئة الاستقامة والتثبُّت، والتنزه عن تدبُّر فيه لَيٌّ لأعناق النصوص؛ قال تعالى:﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾ [التكوير: 27، 28]، ذلك أنَّ كلام الله لا يقبَل العِوَجَ في الوسائل مهما شرُفت الغايات؛ قال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1]: كلما فتحت القرآن افتَح قلبك وعقلك، وتذكَّر أن الأمر منوطٌ بك أنت؛ لتأمَن الزَّيغَ عن الاستقامة رغم الوضوح سبحان الله، واليوم ما أكثر المضلين! يزيغون وهي "بيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك"[5]! فكيف لو كانت رمادية معتمة مُدْلَهِمَّةً؟!

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.