بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، حق قدره ومقداره العظيم، أما بعد إن الجنة فوق الوصف، فكيف يقدر قدر درا غرسها الله تعالي بيده وجعلها مقرا لأحبابه وملأها من كرمه ورحمته ورضوانه ووصف نعيمها بالفوز العظيم وملكها بالملك الكبير وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص فهي درب الكعبة نور يتلألأ، وريحانه تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة وملك كبير ومقام في أبد، في دار سليمة، وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة ومحلة عالية بهية.
لو لم يكن من شرفها إلا أنه لا يسأل بوجه الله غيرها لكفاها عزا وشرفا، تلكم يا عباد الله جنة المأوى حفها الله تعالي بالمكاره لما فيها لما فيها من نعيم وهل يتعب تاعب من بذل جهد جزاؤه رؤية الرحمن، ولكن أين المتكاسلون عن الصلاة، ألا يتعب الواحد منهم نفسه دقائق معدودة ليفوز بعدها بنعيم مقيم، وأين المانعون للزكاة ألا يدفعون القليل ليفوزوا بالربح الكثير، وأين المفطرون في رمضان ألا يصبرون ساعات قليلة ليمتعوا أنفسهم بلذيذ الأكل والشراب بعد طول قيام في يوم الحر والزحام، فإن الجنة أعدت للمتقين الخاشعين ولمن وصل رحمة وبر والديه وأحسن خلقه وأحسن إلى جاره، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام، وتقرب إلى الله بالنوافل وسائر أنواع الطاعات فقيل أنه لما حضرت أبا هريرة رضي الله عنه الوفاة بكى فقيل ما يبكيك قال قلة الزاد وعقبة كؤود.
المهبط منها إمّا إلى الجنة وإما إلى النار، فإذا كان هذا حال صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بحالنا؟ فيجب علينا أن نجد ونجتهد ونثابر، والله لو لم يكن في الجنة نعيم سوى لذة النظر إلى وجه الرحمن الرحيم لكفى بذلك حافزا ودافعا لنا نحو العمل بجد وإجتهاد ولكفى برؤية الرحمن الرحيم مانعا الناس من الملهيات والمحرمات واتباع الشهوات، فإن أصحاب الجنة هم المؤمنون الموحدون، فكل من أشرك بالله أو كفر به، أو كذب بأصل من أصول الإيمان فإنه يحرم من الجنان، ويكون في النيران، والقرآن الكريم ذكر كثيرا أن أصحاب الجنة هم المؤمنون الذين يعملون الصالحات، وفي بعض الأحيان يفصل الأعمال الصالحة التي يستحق بها صاحبها الجنة، فهم دخلوها بأسباب إيمانهم وأعمالهم الصالحة، ولكن الذي أوجب ذلك رحمة الله ومغفرته.
كما في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال " لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " فدخولهم الجنة برحمة الله وفضله، لا بمجرد أعمالهم، بل أعمالهم أسباب، والذي يسرها وأعان عليها وأوجب دخول الجنة ومن بذلك هو الله وحده سبحانه، فأصحاب الجنة إستحقوها بالإسلام والإيمان، وأصحاب الجنة أخلصوا دينهم لله تعالي، وأصحاب الجنة قوي إرتباطهم بالله وعظمت رغبتهم إليه وعبادتهم له، ومن أعمال أصحاب الجنة الصبر والتوكل، ومن أعمالهم هو الإستقامة على الإيمان، ومنها الاخبات إلى الله تعالى، فأصحاب الجنة يحققون عقيدة الولاء والبراء بالحب في الله والبغض في الله فلا يوادون الكفرة والمشركين.
إضافة تعليق جديد