رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 25 يناير 2025 2:56 ص توقيت القاهرة

مع نبي الله داود عليه السلام

أمل كمال

هو داود بن ايشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نحشون بن عويناذب بن ارم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عبد الله ونبيه، وخليفته في أرض بيت المقدس.

قال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه:
كان داود عليه السلام قصيراً، أزرق العينين، قليل الشعر، طاهر القلب ونقيه. تقدم أنه لما قتل جالوت، وكان قتله له فيما ذكر ابن عساكر عند قصر أم حكيم بقرب مرج الصفر، فأحبته بنو إسرائيل ومالوا إليه وإلى ملكه عليهم، فكان من أمر طالوت ما كان وصار الملك إلى داود عليه السلام، وجمع الله له بين الملك والنبوة بين خير الدنيا والآخرة، وكان الملك يكون في سبط، والنبوة في آخر، فاجتمع في داود هذا وهذا.

كما قال تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}

أي: لولا إقامة الملوك حكاما على الناس، لأكل قوي الناس ضعيفهم، ولهذا جاء في بعض الآثار:

السلطان ظل الله في أرضه.

وقال أمير المؤمنين عثمان بن عفان: إن الله ليزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقرآن

وقد ذكر ابن جرير في تاريخه أن جالوت لما بارز طالوت فقال له: اخرج إلي وأخرج إليك، فندب طالوت الناس فانتدب داود فقتل جالوت.

قال وهب بن منبه: فمال الناس إلى داود، حتى لم يكن لطالوت ذكر، وخلعوا طالوت وولوا عليهم داود.

وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}

وقال تعالى: {... وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ}

أعانه الله على عمل الدروع من الحديد ليحصن المقاتلة من الأعداء، وأرشده إلى صنعتها وكيفيتها فقال:

{وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} أي: لا تدق المسمار فيفلق، ولا تغلظه فيفصم

قال الحسن البصري، وقتادة، والأعمش: كان الله قد ألان له الحديد حتى كان يفتله بيده، لا يحتاج إلى نار ولا مطرقة.

قال قتادة: فكان أول من عمل الدروع من زرد، وإنما كانت قبل ذلك من صفائح.

قال ابن شوذب: كان يعمل كل يوم درعاً يبيعها بستة آلاف درهم، وقد ثبت في الحديث:

((أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وأن نبي الله داود كان يأكل من كسب يده)).

وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} .
قال ابن عباس، ومجاهد: الأيد: القوة في الطاعة، يعني: ذا قوة في العبادة والعمل الصالح.

قال قتادة: أُعطي قوة في العبادة، وفقهاً في الإسلام.

قال: وقد ذكر لنا أنه كان يقوم الليل، ويصوم نصف الدهر.

وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

((أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود: كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى)).

وقوله: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} .

كما قال: {يا جبال أوبي معه والطير} أي: سبحي معه.

{إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ}

أي: عند آخر النهار وأوله. وذلك أنه كان الله تعالى قد وهبه من الصوت العظيم ما لم يعطه أحداً، بحيث أنه كان إذا ترنم بقراءة كتابه يقف الطير في الهواء، يُرجع بترجيعه، ويسبح بتسبيحه، وكذلك الجبال تجيبه وتسبح معه، كلما سبح بكرة وعشياً صلوات الله وسلامه عليه.

وقال الأوزاعي: حدثني عبد الله بن عامر قال: أعطي داود من حُسن الصوت ما لم يعط أحد قط، حتى أن كان الطير والوحش ينعكف حوله، حتى يموت عطشاً وجوعاً، وحتى إن الأنهار لتقف.

وقال وهب بن منبه: كان لا يسمعه أحد إلا حجل كهيئة الرقص، وكان يقرأ الزبور بصوت لم تسمع الآذان بمثله، فيعكف الجن، والإنس، والطير، والدواب على صوته، حتى يهلك بعضها جوعاً.

عن عائشة قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت أبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال: ((لقد أوتي أبو موسى من مزامير آل داود)).
وقد كان داود عليه السلام مع هذا الصوت الرخيم، سريع القراءة لكتابه الزبور كما قال الإمام أحمد: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((خفف على داود القراءة، فكان يأمر بدابته فتسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه)).

والمراد بالقرآن ههنا الزبور: الذي أنزله عليه، وأوحاه إليه، وقد كان ملكاً له أتباع، فكان يقرأ الزبور بمقدار ما تسرج الدواب، وهذا أمر سريع مع التدبر والترنم والتغني به على وجه التخشع، صلوات الله وسلامه عليه.

وقد قال الله تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً}
والزبور: كتاب مشهور، أنزل في شهر رمضان، وفيه من المواعظ والحكم ما هو معروف لمن نظر فيه.

وقوله: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} أي: أعطيناه ملكاً عظيماً، وحكماً نافذاً.

روى ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس:

أن رجلين تداعيا إلى داود عليه السلام في بقر: ادعى أحدهما على الآخر أنه اغتصبها منه، فأنكر المدعى عليه، فأرجأ أمرهما إلى الليل، فلما كان الليل أوحى الله إليه أن يقتل المدعي،

فلما أصبح قال له داود: إن الله قد أوحى إلي أن أقتلك، فأنا قاتلك لا محالة، فما خبرك فيما ادعيته على هذا؟
قال: والله يا نبي الله إني لمحق فيما ادعيت عليه، ولكني كنت اغتلت أباه قبل هذا، فأمر به داود فقتل، فعظم أمر داود في بني إسرائيل جداً وخضعوا له خضوعاً عظيماً.

قال ابن عباس: وهو قوله تعالى: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ}

وقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} أي: النبوة.

{وَفَصْلَ الْخِطَابِ} قال شريح، والشعبي، وقتادة، وأبو عبد الرحمن السلمي، وغيرهم:

فصل الخطاب: الشهود والأيمان، يعنون بذلك البينة على المدعي، واليمين على من أنكر.

وقال مجاهد والسدي: هو إصابة القضاء وفهمه.

وقال مجاهد: هو الفصل في الكلام، وفي الحكم

{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} .

وقد ذكر كثير من المفسرين من السلف والخلف ههنا، قصصاً وأخبارا أكثرها إسرائيليات، ومنها ما هو مكذوب لا محالة، تركنا إيرادها هنا قصداً اكتفاء واقتصاراً على مجرد تلاوة القصة من القرآن العظيم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

قال الله تعالى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ}

أي: إن له يوم القيامة لزلفى، وهي القربة التي يقربه الله بها، ويدنيه من حظيرة قدسه بسببها، كما ثبت في حديث

الجزء الثانى

(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)..

سيدنا داود عليه السلام هو نبي الله .. أنزل عليه الزبور كتابًا بعد التوراة، وأتاه الله العلم والحكمة وسخّر له الجبال والطير يسبحون معه، كما ألانَ له الحديد .. فذلك المعدن الصلب قد أصبح في يد داود لينًا ، إذ كان داود يصنع من الحديد دروعًا للمجاهدين في سبيل الله ، منحه الله سبحانه منحه صوتًا جميلاً مؤثرًا ،إذا سمعه الناس دخل الإيمان في قلوبهم، واستجابت له الطيور فراحت تسبح لله ، واستجابت الجبال أيضًا ؛ فقد كان يشبه خرير الجداول ، وتغريد الطيور في الربيع .

كان داود حاكمًا عادلًا ، كان يحكم بين الناس بشريعة الله ، و كان المظلوم يأخذ حقه كاملًا، كما كان داود عليه السلام عبدًا شكورًا وخالصًا لله ، وكان يصوم يوم ويفطر يوم ، وكان يقوم نصف الليل و ينام ثلثه و يقوم سدسه،. وقد اهتم داود بتربية الخيل ، فالحصان كان سلاحًا قويًا ، لأن الفرسان يقاتلون في سبيل الله و الحق...

الفترة التي سبقت سيدنا داود :
عد وفاة نبي الله موسى، دخل بنو إسرائيل أرض فلسطين، وسكنوا فيها، ولكن بعد مرور السنين ضل بني إسرائيل عن عبادة الله، وزاد طغيانهم وكانوا يقتلون الأنبياء، فسلط الله عليهم قومًا جبارين هزموهم وأذلوهم، وتوالت الهزائم على بنو إسرائيل، لدرجة انهم أضاعوا التابوت الذي كان به بقية مما ترك آل موسي وهارون، وهذا التابوت كان يوجد به الألواح التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على موسى عليه السلام، وأيضًا كان يوجد به عصا موسي، فقد كانوا يأخذون التابوت معهم حتى تحل عليهم السكينة ويستطيعوا تحقيق النصر.

وفي تلك الفترة هيأ الله تبارك وتعالى لهم غلامًا يقال له "شمويل" نشأ فيهم وتولاه الله بعنايته وأنبته نباتًا حسنًا، ثم جعله الله نبيًا وأوحى إليه وبعثه إلى بني إسرائيل، وأمره بالدعوة إلى دين الإسلام وتوحيده تعالى وترك عبادة الأصنام، فلما دعا قومه -بني إسرائيل- إلى دين الله طلبوا منه أن يُقيم عليهم ملكًا ليقاتل معهم أعداءهم لأنّ ملكهم كان قد مات .

وقد صوّر القرآن الكريم ذلك بقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ۖ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ )...

فقال لهم إن الله تعالى اختار لهم طالوت ملكًا لكم، فاعترضوا على طالوت؛ إذ إنه ليس من أسرة الملوك (أبناء يهوذا) وليس غنيًا ويوجد من بينهم من هو أغنى منه، فقال لهم إن الله اختاره لكم وفضله عليكم بقوة جسمه وعلمه، وآية ملكه أن يرجع التابوت لكم تحمله الملائكة.

قصة سيدنا داود عليه السلام

(وقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

وبالفعل حدثت المعجزة وعادت التوراة يومًا ، وتجهز جيش طالوت ، و مشي الجيش مسافة طويلة حتى احسوا بالعطش ، فقال طالوت للجنود سوف نصادف نهر في طريقنا ، من سيشرب منه يخرج من الجيش ، ومن لم يذقه ويبل ريقه فقط يبقى في الجيش معي ، وعندما وصلوا إلى النهر شرب معظم الجنود وخرجوا من جيش طالوت .

وكان هدف طالوت من هذا الاختبار أن يعرف من سيطيعه ومن سيعصاه من الجنود ، ولكي يعرف أيضا من لديه قوة تحمل وإرادة ومن ضعيف الإرادة ، ولم يبق معه سوى 330 رجلًا، وكان عدد جيش طالوت قليل جدًا وجيش العدو كان كبير جدًا، فشعروا بأنهم أضعف من جيش جالوت وقالوا له كيف سنهزم هذا الجيش القوي الكبير ؟ فقال المؤمنين في جيش طالوت (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ).
وعندما ظهر جالوت طلب أن يبارزه أحد ، فخاف من قوته جميع جنود طالوت ، إلا راعي الغنم الصغير الذي كان مؤمنًا بالله، ويعرف أن القوة الحقيقية في هذا الكون هي الإيمان بالله وهو داود عليه السلام.. تقدم داود لمبارزة جالوت وكان معه عصاه وخمسة أحجار ونبلة يستخدمها الرعاة ، وعلى الجانب الآخر كان جالوت مدجج بالأسلحة وسخر من داود وضحك عليه ، فوضع داود حجر قوي في النبلة وطوّح بها في الهواء ثم أطلق الحجر فأصاب جالوت وقتله ، وعندما بدأت المعركة انتصر جيش طالوت على جيش جالوت .

داود ملكًا لبني إسرائيل :
عندما أتم داود الأربعين عامًا جمع الله له الملك والنبوة، وأصبح ملك بني إسرائيل، فأقام داود العدل ودعا قومه -بني إسرائيل- إلى تطبيق الشريعة التي أنُزلت عليه وهي شريعة التوراة المبنية على الإسلام، والإيمان بأنه رب هذا العالم كله وهو الذي خلقه وأبدعه، وأنه لا أحد يستحق العبادة إلا الله تعالى وحده، وأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه داود عليه الصلاة والسلام الزبور وفيه مواعظ وعِبر وأذكار.

وقد جعل الله عز وجل داود ملكًا قويًا يخاف منه الأعداء من غير حرب ، وقد أعطاه الله الحكمة والقدرة على التمييز بين الحق والباطل ومساندة الحق، فكان نبيًا وملكًا وقاضيا.

وكان داود عليه السلام يصنع دروع من حلقات حديدية تساعد المحارب في التحرك بحرية وتحمي جسمه من السيوف والخناجر، وكانت أفضل من الدروع الموجودة في ذلك الوقت.

وقد كان نبي الله داود عليه السلام مع ما أتاه الله تبارك وتعالى من المُلك والنعم الكثيرة يأكل من كسب يده، ويقوم الليل والنهار في طاعة الله سبحانه وتعالى، وقد ثبت في الحديث: “إنَّ أطيب ما أكل الرجل من كسبه وأن نبي الله داود كان يأكل من كسب يده“.

من نعم الله على داود أنه وهبه صوتاً جميلا، فكان يصلي ويسبح لله بصوته الجميل فتخشع قلوب الناس، ومن شدة خشوع داود في العبادة والتسبيح، أمر الله الطير والجبال أن تسبح معه، وقد أنزل الله على داود كتاباً جميلا اسمه الزبور ليسبح الله بما جاء فيه.

رُزق داود بابن أسماه سُليمان، وفي يوم من الأيام جلس داود ليحكم بين الناس، فدخل عليه رجلان فقال الأول: إن غنم هذا الرجل دخلت حقلي وأكلت كل زرعي، وقد جئت إليك لتحكم بيننا، فسأل داود الرجل الثاني: هل فعلت غنمك هذا؟ فقال الرجل: نعم، فحكم داود بأن يأخذ صاحب الحقل غنم الرجل تعويضًا عن الزرع.

فاستأذن سليمان من أبيه أن يقول شيء فسمح له داود فقال عندي حكم آخر يا أبي، ليأخذ صاحب الغنم الحقل ليصلحه، ويأخذ صاحب الحقل الغنم لينتفع بها حتى يعود الحقل كما كان، فيأخذ صاحب الحقل حقله ويأخذ صاحب الغنم غنمه، فقال داود: هذا حُكم عظيم يا سُليمان، الحمد لله الذي وهبك الحكمة.

وقد عاش داود بعد أن اطمئن أن الله قد وهب سليمان الحكمة ليحكم بني إسرائيل من بعده، وقبل أن يموت أوصى داود سليمان بأن يعبد الله ولا يضل عن عبادته.

بعض حكم نبي الله داود عليه السلام :
"حقّ على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يُحاسب فيها نفسه، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويَصْدُقونه عن نفسه، وساعة يُخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويُجمل، فإن هذه الساعة عونٌ على هذه الساعات وإحجام للقلوب" .

"حق على العاقل أن يعرف زمانه ويحفظ لسانه ويقبل على شأنه".

وفاة داود عليه الصلاة والسلام :
كان نبي الله داود عليه السلام فيه غيرة شديد فكان إذا خرج أغلق الأبواب، فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع، فخرج ذات يوم وغلقت الدار فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار، فإذا رجل قائم وسط الدار فقالت لِمن في البيت: من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة والله لنفضحن بداود، فلما جاء داود إذا الرجل قائم في وسط الدار فقال له داود: من أنت؟ فقال: أنا الذي لا أهاب الملوك ولا يُمنع مني الحجاب، فقال داود: أنت والله إذن لملك الموت مرحبًا بأمر الله، ثم مكث حتى قُبضت روحه .

ولما غُسل وكُفن وفُرغ من شأنه طلعت عليه الشمس وكانت شديدة، فقال ابنه سليمان للطير: أظلّي على داود، فأظلته الطير حتى أظلمت عليه الأرض، فقال سليمان للطير: اقبضي جناحًا وغلبت على التظليل عليه "المضرحية" وهي طيور الصقور ذات الأجنحة الطويلة.

وقيل إن عمر داود عليه السلام لما مات كان مائة سنة، وقيل: إنه لم يحزن بني إسرائيل على أحد بعد موسى وهارون إلا على داود عليه السلام ، وقد جلس الناس الذين حضروا جنازة داود عليه السلام في الشمس، وكان هذا اليوم صائف شديد الحرارة

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.