بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد، إن من أدلة من يحتفلون بالمولد النبوي الشريف هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ومن سنة في الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها" فإذا كان معنى الحديث كما هو متعارف أن من سن في الإسلام سنة حسنة أي أحيا سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم إذن فعلى هذا الأساس نكمل شرح الحديث على أنه ليس من المعقول أنه تشرح حديثا على قاعدة ثم تغيير القاعدة لشرح باقي هذا الحديث " فمن سن سنة سيئة أي أحيا سنة سيئة لرسول الله صلي الله عليه وسلم.
فهل رسول الله له سنة سيئة حتى نحييها ؟ حاشاه عن ذلك، إذن فليس هذا هو الشرح الصحيح وإنما لو قلنا أن من أحدث أو سن سنة حسنة في الدين بعموم اللفظ فله أجرها وأجر من عمل بها وبالتالي من سن في الإسلام سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة وإن المولد النبوي من السنن الحسنة، والله أعلم، وقد كفانا الإمام الشاطبي المؤنة في الرد على هذا الإشكال فقال " قوله صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة أي" ليس المراد به الإختراع ألبتة، وإلا لزم من ذلك التعارض بين الأدلة القطعية، إن زعم مورد السؤال أن ما ذكره من الدليل مقطوع به، فإن زعم أنه مظنون فما تقدم من الدليل على ذم البدع مقطوع به، فيلزم التعارض بين القطعى والظني، والإتفاق من المحققين على تقديم القطعي.
ولكن فيه من وجهين أحدهما أنه يقال إنه من قبيل المتعارضين، إذ تقدم أولا أن أدلة الذم تكرر عمومها في أحاديث كثيرة من غير تخصيص، وإذا تعارضت أدلة العموم من غير تخصيص لم يقبل بعد ذلك التخصيص، والثاني على التنزيل لفقد التعارض، فليس المراد بالحديث الإستنان بمعنى الإختراع، وإنما المراد به العمل بما ثبت من السنة النبوية وذلك لوجهين، أحدهما أن السبب الذي لأجله جاء الحديث هو الصدقة المشروعة بدليل ما في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار، فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار او العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فقمص وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رآهم من الفاقة.
فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن واقام فصلى ثم خطب فأثني علي الله بما هو أهله ثم قال " وبعد تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره" حتى قال "ولو بشق تمرة" قال فجاءه رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سن في الإسلام سنة حسنه فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " فتأملوا أين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سن سنة حسنة "
و"من سن سنة سيئة" تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على أبلغ ما يقدر عليه، حتى بتلك الصرة، فإنفتح بسببه باب الصدقه على الوجه الأبلغ، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال "من سن في الاسلام سنة حسنة " فدل على أن السنة ها هنا مثل ما فعل ذلك الصحابي، وهو العمل بما ثبت كونه سنة وأن الحديث مطابق لقوله في الحديث الآخر " من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي" الحديث إلى قوله "ومن إبتدع بدعة ضلالة" فجعل مقابل تلك السنة الإبتداع، فظهر أن السنة الحسنة ليست بمبتدعة، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ومن أحيا سنتي فقد أحبني" والوجه الثاني من وجهي الجواب أن قوله " من سن سنة حسنة"
و"من سن سنة سيئة" لا يمكن حمله على الاختراع من أصل لأن كونها حسنة أو سيئة لا يعرف إلا من جهة الشرع لان التحسين والتقبيح مختص بالشرع لا مدخل للعقل فيه، وهو مذهب جماعة أهل السنة، وإنما يقول به المبتدعة، اعني التحسين والتقبيح بالعقل، فلزم أن تكون السنة في الحديث إما حسنه في الشرع وإما قبيحة بالشرع، فلا يصدق إلا على مثل الصدقة المذكورة وما أشبهها من السنن المشروعة، وتبقى السنة السيئة منزلة على المعاصي التي ثبت بالشرع كونها معاصي كالقتل المنبه عليه في حديث ابن آدم حيث قال عليه السلام "لأنه أول من سن القتل" وعلى البدع لأنه قد ثبت ذمها والنهي عنها بالشرع، فقد عاد الحديث والحمد لله حجة على أهل البدع من جهة لفظه وشرح الأحاديث الأخر له "
إضافة تعليق جديد