رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 20 أبريل 2024 2:07 م توقيت القاهرة

ميمي شكيب : ما بين حياة القصور وجدران السجون حياة صاخبة ونهاية مؤلمة " بروفايل "

كتب / محمد إبراهيم

نقف احيانا حائرين، أمام عجلة الزمن تلك التي تدور بنا ما بين النعيم والشقاء، ما بين لحظة وأخرى .

ميمي شكيب حياتها ما بين شهرة ومجد، يشار لها بالبنان لفقر و قضية دعارة ، عصفت بحياتها وجعلتها أسيرة لنظرات الاتهام من كل المقربين منها ، " قضية الرقيق الاييض "

ميمي شكيب او أمينة شكيب ذلك اسمها الحقيقي ، عندما تقرأ سطور حياتها ، تمر امامك كشريط سينما ، حياة مليئة بالصخب والسعادة ، وفجأة تنقلب رأسا علي عقب بدون سابق انذار .

ونعرض اهم المحطات في حياة ميمي شكيب .

- البداية بين قسوة الاب و حياة القصور .

بين جنبات تلك المدينة الهادئة ، مسكن العديد من الباشوات و علية القوم " حلوان " ، عاشت امينة شكيب ، التي ولدت في 25 ديسمبر 1913 ، والداها كان مأمور قسم حلوان ، و والدتها شركسية الأصل ، كانت سيدة ارستقراطية تتقن عدة لغات ، وكانت لدي امينة اخت تكبرها ب ٤ سنوات ، هي زينب او كما سيطلق عليها فيما بعد الفنانة " زوزو شكيب " ، تميزت امينة دائما عن الشقيقة الكبرى ، بخفة الدم و الشخصية المرحة ، وهو ما سيظهر فيما بعد علي الشاشة فسنري ميمي شكيب في ادوار مرحة ، و زوزو شكيب في ادوار جادة ، فهي المرأة الخائنة التي دائما ما تظهر علي الشاشة رافعة حاجبيها لأعلي .

عاشت الاختان بين القصور والسرايات ، في تلك المدينة الهادئة ، وتلقت ميمي شكيب تعليمها بمدرسة العائلة المقدسة بحلوان ، واتقنت اللغنين الفرنسية والاسبانية .

عانت امينة وزينب من معاملة الاب ، التي كانت تشبه المعاملة العسكرية ، التي اتسمت بالاوامر ليل نهار، فمنعهما الأب من الخروج ، سوي للذهاب للمدرسة والا يختلطا بأحد وكانت جدران ذلك القصر ما هي الا عالمهم المحدود ، وأصبحن لايرون اي ملمح للحياة سوى بين تلك الجدران ، وتلك المعاملة القاسية ، هي ما ستجعل ميمي شكيب فيما بعد تنطلق للحياة فاتحة ذراعيها بقوة ، واحيانا بسوء تصرف عندما تحين لها تلك الفرصة .

- ميمي شكيب واولي مواجهات الحياة .

وفاة الأب كانت تلك اولي اختبارات الحياة ، لميمي شكيب وقتها كان عمرها كعمر الزهور التي لم تتفتح بعد ، فهي ابنة الاثني عشر عاما ، التي لم تنجح في هذا الاختبار ، بل ابدلت قسوة الاب بقسوة الزوج ، فبعد وفاة الاب انقلبت حياة الاسرة رأسا علي عقب ، وتكالبت أسرة الاب علي الام وابنتيها لكي يأخذوا منها البنتان ، ورفضت الأم فحرموا الاسرة من الميراث ، فاضطرت الام للخروج و مواجهة الحياة ، وهي تلك المرأة الارستقراطية فعملت لكي تحمي بنتيها من ذل السؤال ، وفي تلك الاثناء اطل عليهم ذلك العجوز المتصابي ، ابن شقيقة إسماعيل صدقي رئيس الوزراء حين ذاك ، لكي يتزوج من ميمي شكيب وهو يكبرها بأكتر من عشرين عاما ، و امام إحتياج الأم وافقت ، و وجدت ميمي شكيب وقتها أن الفرصة قد سنحت لها الان لكي تعيش و تأخذ ما لم تنله من قبل ، ولكنها مع هذا الزوج لم تري سوى الاسوء فكان اكتر تزمتا من الاب ومنعها من الخروج ، من البيت بل تزوج عليها بعد ثلاثة اشهر من الزواج وهي حامل بطفلها ، مما جعلها لا تتحمل تلك الصدمة ، واصيبت بشلل مؤقت ، ونقلت لمنزل والدتها ، وطلبت الطلاق وبعد عناد كبير من الزوج وافق في النهاية ، وتخلصت ميمي شكيب من ذلك الطوق الذي كاد ان يقضي عليها .

- الفن هو طريق الحياة .

بعد تلك التجربة ادركت ميمي شكيب ، أنه قد آن الأوان لكي ترسم هي طريق حياتها ، وتمردت علي كل شئ ، و لجأت للفن الذي كانت تهواه منذ الصغر ، فطافت علي المسارح والمراكز الثقافية ، لكي تتلمس طريقها برفقة شقيقتها زوزو شكيب ،

فأنضمت لجماعة أنصار التمثيل والسينما و أسست فرقة مسرحية ، انضم لها كلا من " ذكي رستم " و " احمد علام" ، و كانت أول رواية بعنوان " فيوليت" ، ولم تنجح تلك الرواية ، ولكنها لم تيأس ، فوضع القدر أمامها نجيب الريحاني ، الذي ضم الاختين الي فرقته ، وبعد فترة أصبحت ميمي شكيب هي بطلة الفرقة ، و كان لنجيب الريحاني الفضل الكبير في ان علمها التمثيل ، و كيفية نطق مخارج الحروف ، والاداء المسرحي ، و قدمت معه عدة عروض مسرحية منها "حكم قراقوش " و "قسمتي " و "الدلوعة " ،

ومن المسرح لعالم السينما ، انطلقت " دلوعة المسرح" وقدمت العديد من الافلام ، وتنوعت ادوارها ما بين الفتاة الفاتنة التي تجذب أنظار الكثيرين كما في فيلم " تحيا الستات " ، وبين الحماة خفيفة الظل " الحموات الفاتنات " ، و قدمت ايضا ادور الزوجة الشريرة كما في فيلم " شاطئ الغرام " ، وكان أول أفلامها " البشمقاول " وتوالت الافلام من بينها فيلم " ابن الشعب" 1934و "سي عمر " و "الحل الاخير" 1937 و" بيومي افندي" 1949 و " ابن ذوات " 1953" تحيا الستات" " شاطئ الغرام " .

- علاقات متعددة ومغامرات طائشة .

كعادتها أقحمت ميمي شكيب نفسها في عدة علاقات عاطفية ، كنوع من التعويض عن ما لاقته من سطوة الاب و قسوة الزوج الأول .

ارتبطت بعلاقة عاطفية ، مع أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي انذاك ، وعندما علمت الملكة نازلي بتلك العلاقة اخبرت نجيب الريحاني بضرورة طرد ميمي شكيب من الفرقة ، مما اضطر ميمي للابتعاد عن رئيس الديوان الملكي .

وبعدها ارتبطت برجل الاقتصاد أحمد عبود باشا ، وتناولت الصحف تلك العلاقة بكثير من الاقاويل ، مما اضطرها للتفكير جديا في الزواج ، وتزوجت من رجل الاعمال جمال عزت ، ولم يدم الزواج طويلا ، وتم الطلاق بسبب غيرته الشديدة عليها .

ظلت كذلك حتي تزوجت من سراج منير ، وكانا الاتنان قد وقفا سويا ، امام بعضهما في فيلم ابن الشعب ، وكأنهما كانا يمثلان قصة حياتهما ، التي ستحدث فيما ، بعد ففي هذا الفيلم تجسد ميمي شكيب دور ابنة احد الباشوات ، التي تحب شاب فقير ويرفضه اهلها ، مما يجعل ذلك الشاب يكافح ويعمل محاميا ويصبح مشهورا لكي يتزوجا في النهاية .

ووقتها دق الحب باب الاتنين ، وطلب سراج منير يد ميمي شكيب للزواج ، وفرحت كثيرا و ايقنت انها قد وجدت من سيعوضها عن ما لاقته من قسوة .

ولكن اسرتها رفضت تلك الزيجة ، و كانت الام تصر عليها لكي تعود للزوح الاول والد طفلها ، وافترق الاثنان سراج وميمي ، حتي التقيا مرة اخري، في فيلم "الحل الاخير" وليكن فعلا هو الحل الاخير لهما ، وجدد سراج عرضه بالزواج ، وامام إصرار رفض الأسرة لذلك الزواج ، توسط نجيب الريحاني لدي الاسرة لتوافق في النهاية ويجتمع الحبيبان .

ويتزوجا عام 1942 ، ويظلا معا حتي وفاة سراج منير 1957 ، وقدما معا عدة أفلام منها" ابن الشعب ،الحل الاخير، سي عمر ابن ذوات ،بيومي افندي " .

- قضية "الرقيق الابيض" ونار الاقتراب من رجال السياسة .

كان إقتراب ميمي شكيب من رجال السياسة ، وبال عليها منذ البداية ، فكانت تقترب من كل رجال السياسة وتقيم الحفلات والسهرات ، بمنزلها وخاصة بعد وفاة سراج منير ، اقتربت اكثر واكثر حتي جاءت الطامة الكبري .

حين داهمت الشرطة منزلها ، لتلقي القبض عليها وبرفقتها العديد من الفنانات ، ممن تواجدن في منزلها ، في تلك اللحظة وتوجه لها تهمة إدارة شبكة دعارة ، وضم الاتهام كلا من الفنانات " ناهد يسري ،و زيزي مصطفي، امال رمزي ،ميمي جمال ، سها عزت، ... واخريات .

و تم تسليط الاضواء على تلك القضية ، التي ظلت بالمحاكم لمدة 170 يوم ، قضتهم ميمي شكيب بالسجن ، ولأن رجال السياسة هم من أشعلوا فتيل تلك القضية ، كان يجب عليهم ان يسدلوا الستار علي تلك القضية ايضا ، وبالفعل بعد 170 يوم حكمت محمكة الاداب بالقاهرة ، بجلستها العلنية رقم 7116 لعام 1974 ، برئاسة القاضي اسعد بشاي ومحمد حسنين وكيل النيابة وصلاح النادي امين السر ، حكمت المحكمة بالبراءة واخلاء سبيلهن بدعوي عدم ظبطهن متلبسات وكونهن كانوا في جلسة عادية في المنزل ،

لكن ميمي شكيب ظلت خلال تلك المحاكمة ، لا تنطق بشئ غير انها مظلومة ، وان القضية ملفقة ، ومن كثرة البكاء قيل انها اصيبت بالصمم والبكم في السجن ، ولم تحصل ميمي شكيب علي البراءة ، سوي علي الورق ، ولكنها ظلت متهمة في اعين الجميع ، فتباعد عنها الكل الاصدقاء والمنتجين ، و مما اضطرها للجوء لصندوق معاشات النقابة ، لكي تستطيع العيش ، وبسبب تلك الحالة التي وصلت لها ميمي شكيب تعرضت لأزمة نفسية ، دخلت علي إثرها مصحة نفسية لعدة اشهر .

- النهاية ... والقضية ضد مجهول .

في 20 مايو 1983، عندما تحين تلك اللحظة لحظة النهاية ، يتراءى امام الانسان شريط حياته ، منذ البداية الي تلك اللحظة ، وكأنها كانت مدركة ان تلك القضية ، وان كانت اغلقت وحصلت على البراءة ، الا انها في انتظار المجهول دائما ، و بالفعل طرق ذاك المجهول بابها ، و اطلق ليده الملوثة بالدماء العنان ، والقي بها من شرفة منزلها ، الكائن بوسط البلد ، لتهبط جثة هامدة ، وليسدل الستار علي تلك القصة ، وتقيد القضية ضد مجهول وان كان الفاعل معلوم للجميع .

اسدل الستار ، علي حياة كانت تملأ الدنيا مرح وصخب ، عاشت ايام صعبة كثيرة ، وايام سعادة أكثر ، لكنها في النهاية تظل قصة مثيرة للشفقة ، لانها بدأت حياتها بقسوة ، وانتهت بغدر وخسة .......

 

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.