بقلم د / سماح عزازي
في تصريح فجّر جدلًا واسعًا، طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس حركة حماس بضرورة وقف إطلاق النار وتسليم الأسرى، قائلًا: "كل يوم يوجد مئات القتلى… سلموا الرهائن وسدّوا الذرائع وخلّصونا".
تصريح أتى في لحظة نزيف دامٍ تعيشه غزة، لكنه فتح أيضًا بابًا من التساؤلات حول عمق الأزمة الفلسطينية الداخلية، والشرخ المتزايد بين القيادة السياسية في الضفة الغربية، والمقاومة في قطاع غزة.
ما الذي قاله محمود عباس؟
خلال اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في رام الله، صرّح الرئيس عباس بنبرة غاضبة ومباشرة، داعيًا إلى وقف المعارك وتسليم الأسرى، في إشارة غير مباشرة إلى أسرى عملية 7 أكتوبر التي نفذتها كتائب القسام.
قال عباس:
"كفى، يجب وقف كل هذه الحروب التي تزهق الأرواح. كل يوم هناك مئات القتلى… يجب أن نغلق الذرائع، وأن نسلم الرهائن…"
التصريح اعتُبره البعض "صرخة استغاثة"، فيما رآه آخرون تحميلًا للمقاومة مسؤولية استمرار العدوان، ما أثار استياء قطاعات كبيرة من الشارع الفلسطيني والعربي.
تباين الردود الفلسطينية والعربية
انقسم الشارع الفلسطيني بين من رأى في كلام عباس محاولة للتهدئة وتجنيب غزة مزيدًا من الدماء، وبين من اعتبرها "طعنة سياسية" تأتي على حساب المقاومة وصمودها في وجه الاحتلال.
في المقابل، لم تُصدر حركة حماس ردًا رسميًا مباشرًا، لكنها واصلت التأكيد عبر منابرها الإعلامية على أن الاحتلال هو من يتحمل مسؤولية المجازر، وأن قضية الأسرى جزء من معركة الندية والمساومة، لا التنازل.
غياب الشريك الموحد يعقّد الحلول
يرى عدد من الدبلوماسيين الدوليين، من بينهم روبرت مالي، أن أحد أهم أسباب تراجع فاعلية الضغط الدولي على إسرائيل هو غياب شريك فلسطيني موحد.
وفي هذا السياق، قالت هيلغا شميد:
"لا يمكن لأي مبادرة دولية أن تنجح ما دام الفلسطينيون أنفسهم غير قادرين على تقديم رؤية موحدة، أو حتى وفد تفاوضي مشترك."
تآكل الشرعية وغياب المشروع
يرى المحلل السياسي ناثان براون أن الانقسام الحاد بين الضفة وغزة أضعف القضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
وقال:
"التعاطف مع الفلسطينيين لا يكفي. المجتمع الدولي بحاجة إلى قيادة فلسطينية موحدة تمثل الجميع، وتطرح رؤية سياسية قابلة للتفاوض."
وأكد براون أن استمرار الانقسام يُضعف أي مكاسب ميدانية، وأن الأهم من الصراع المسلح هو المشروع السياسي الذي يستثمر نتائج المعارك لصالح القضية.
الصيغة الدستورية تحت المجهر
يرى الخبير في القانون الدستوري الدولي د. أحمد الزيات أن تصريحات الرئيس الفلسطيني وإن كانت سياسية، إلا أنها تطرح إشكالًا قانونيًا حول حدود تمثيل السلطة للشعب الفلسطيني في ظل غياب الانتخابات.
ويقول الزيات:
"ما زالت شرعية الرئيس الفلسطيني مستمدة من انتخابات 2005، وهذا يفتح الباب أمام تساؤلات عن مدى تمثيل هذه التصريحات لرغبة الشعب بأكمله، خصوصًا في ظل الانقسام وانتهاء ولاية المؤسسات التشريعية."
لا شك أن النزيف في غزة يحتاج إلى وقفة، لكن الأهم من ذلك أن يقف الفلسطينيون أولًا أمام مرآة الذات.
في وقت يُدفن فيه الشهداء بالعشرات يوميًا، فإن كل تصريح، وكل موقف، لا يُقاس فقط بوقعه الإعلامي، بل بتأثيره الأخلاقي والسياسي على القضية التي تمثل صوت أمة، لا فصيلاً.
آن الأوان لفلسطين أن تتحدث بصوت واحد… لا أن يختلط صوتها بالعتاب، في لحظة صراخ العالم كله من هول المجازر.
المصادر الموثقة:
وكالة وفا الرسمية الفلسطينية – تصريحات الرئيس عباس، 22 أبريل 2025.
قناة العربية – تقرير عن الاجتماع التنفيذي في رام الله.
صحيفة القدس العربي – تحليلات وردود الفعل على خطاب عباس.
مركز كارنيغي للشرق الأوسط – تحليل ناثان براون.
تصريح هيلغا شميد – منتدى ميونيخ للأمن، فبراير 2024.
حوار قانوني مع د. أحمد الزيات – "صوت القانون"، التلفزيون المصري، إبريل 2025.
إضافة تعليق جديد