حين يهاجر الصبر من القلوب

بقلم/نشأت البسيوني 
ثمة وجع لا يشبه شيئا مما عرفناه
وجع يتسلل كالسارق إلى تفاصيل أيامنا
يسرق منا الصبر أولا ثم السلام ثم القدرة على التحمل
حتى نصحو ذات صباح بلا طاقة على التجمل
بلا شغف على البقاء
كأن الروح قررت أن تغلق أبوابها في وجه العالم
يا صديقي
الصبر كان يوما جناحنا الوحيد
لكن ماذا نفعل حين يهاجر
حين يتركنا في منتصف الألم بلا ملجأ
وحين يصبح الاحتمال عبئا
والابتسام محاولة خاسرة لتجميل الخراب
نحاول أن نتظاهر بأننا بخير
نرتب ملامحنا أمام الآخرين
نضحك وهما
لكننا نعرف أن خلف كل ضحكة تنهيدة معلقة
وأننا حين نخلع وجوهنا الليلية
نعود إلى حقيقتنا المنهكة
كم من مرة قلنا غدا سيكون أجمل
ولم يأت الغد
كم من وعد تعلقنا به كالغريق بخشبة
ثم اكتشفنا أن الخشبة مكسورة
كم من قلب أعطى كثيرا
ولم يجد سوى الجفاء مكافأة على نقائه
يا صديقي
حين يهاجر الصبر لا يبقى لنا سوى الكتابة
نكتب كي لا نصرخ
ونبوح كي لا نموت اختناقا
نكتب عن أوجاعنا بلسان هادئ
كأننا نخدر الجرح بالكلمات
لكننا نعلم أن الحبر لا يطبب شيئا
إنما يخلد الوجع بطريقة أنيقة
يقال إن الصبر مفتاح الفرج
لكن أحدا لم يخبرنا كم بابا علينا أن نطرق
ولا كم مرةٍ يجب أن ننكسر قبل أن يفتح الباب أخيرا
لم يخبرونا أن الفرج أحيانا يأتي متأخرا
حتى يذوب الشوق إلى الفرح نفسه
فنكتفي بأننا نجونا فقط لا أكثر
حين يهاجر الصبر من القلوب
تصبح التفاصيل الصغيرة وجعا مضاعفا
صوت الذاكرة يرهقنا
ورائحة الأيام القديمة تعيدنا إلى ما نحاول نسيانه
نبحث عن دفء في قلوب باردة
وعن صدق في وجوه تتقن الكذب ببراعة
لكن رغم كل شيء
يبقى هناك شعاع عنيد في الداخل
يبقى فينا إيمان صغير
أن الله لا يغلق بابا إلا ليفتح آخر أنقى
وأن الصبر وإن هاجر سيعود في لحظة ما
ليعيد ترتيب الفوضى
ويهمس لنا
كنت أختبر صبركم لا أكثر