كتب /محاسب جلال الزغاط
زيارة الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون بصحبة ريسنا ورئيس جمهوريتنا عبد الفتاح السيسى تلك الزيارة التى صَدَرت للشعب المصرى طاقة إيجابية غير عادية فهى قصة سيذكرها التاريخ طويلا تفنيدا وتحليلا من الناحية السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأهم من الناحية الأمنية
أما الحكاية لازم نحكيها من البداية وهى حكاية منطقة
خان الخليلى فقد تم إنشاء منطقة "خان الخليلى' في القاهرة عام 784 هجريًا الموافق 1382 ميلاديًا
بأمر من الأمير المملوكي جهاركس "جركس" الخليلي أحد أمراء السلطان الظاهر برقوق خلال العصر المملوكي
وكان الموقع الأصلي للمنطقة مقبرة للخلفاء الفاطميين تُعرف باسم "تربة الزعفران" حيث قام الأمير جهاركس بنبش المقابر وإزالتها لبناء الخان مستنداً إلى فتوى شرعية تبرر ذلك بحجة أن الفاطميين "كفار رفضة" وفقًا للمذهب السني السائد آنذاك
وايضا يجب أن نعلم
اولا .. التأسيس صُمم الخان على طراز العمارة الإسلامية المملوكية وهو مبنى مربع الشكل يحيط بفناء مركزى يشبه "الوكالة" (نوع من الخانات التجارية)
حيث خُصصت الطوابق السفلية للمحلات التجارية والعلوية للمخازن والمساكن
ثانيا .. حدثت تعديلات لاحقة فى عام 1511 ميلادياً حيث أعاد السلطان المملوكى قنصوه الغورى تطوير المنطقة فهدم أجزاءً من الخان الأصلى وأنشأ مكانها وكالات تجارية وحوانيت (محلات) مع إضافة بوابات جديدة مثل "باب الغورى" أو "باب البادستان" الذي لا يزال قائماّ حتى اليوم
ثالثا .. من حيث السياق التاريخى كان الخان جزءاً من تحول القاهرة إلى مركز اقتصادي تحت حكم المماليك حيث حل محل الأسواق المتنقلة بمنشآت حجرية دائمة لتسهيل فرض الضرائب والتنظيم من هو الأمير جهاركس الخليلى
ـ ينتمي إلى مدينة الخليل فى
فلسطين منصب الخليل أمير آخور (المشرف على اسطبلات السلطنة)
وكان مقرباً من السلطان برقوق
تُوفى عام 1389 ميلادياً في معركة بدمشق ووصف المؤرخ المقريزي نهايته بأنها "عقوبة إلهية" لنبشه قبور الفاطميين ولا يزال خان الخليلي يحتفظ بطابعه التاريخي كواحد من أقدم الأسواق في الشرق الأوسط يجذب السياح بحرفيته التقليدية ومقاهيه العتيقة مِثل مَقهى "الفيشاوى"
وقد تحول خان الخليلى مع الوقت إلى سوق شعبى يبيع كل ما يخطر على البال من المشغولات النحاسية والفضية إلى العطور والتوابل والتحف الأثرية والملابس التقليدية التى تجذب السياح وتتميز أزقة خان الخليلى الضيقة بمبانيها القديمة وزخارفها الإسلامية مما يجعلها لوحة فنية تعكس روعة العمارة العربية كما تقع بالقرب من أهم المعالم التاريخية مثل جامع الأزهر ومسجد الحسين مما يجعلها مقصداً للزوار من جميع أنحاء العالم
وهنا يأتى بيت القصيد فى المرحلة التاريخية بين نابليون وماكرون توجد علاقة غير مباشرة بين منطقة خان الخليلى في القاهرة والحملة الفرنسية على مصر (1798–1801) رغم أن الخان بُنى في العصر المملوكى (القرن 14) قبل الحملة بقرون وإليك أبرز أوجه الارتباط:
السياق التاريخي للحملة الفرنسية وخان الخليلي
الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت دخلت مصر عام 1798 واحتلت القاهرة بما فيها المناطق المحيطة بخان الخليلى مثل حى الحسين والأزهر والتي كانت مركزًا للمقاومة الشعبية ضد الفرنسيين
أثناء الحملة وثّق العلماء الفرنسيون الذين رافقوا نابليون معالم القاهرة بما فيها العمارة الإسلامية والمبانى التاريخية بالقرب من خان الخليلى في كتاب "وصف مصر" مما سجل أهمية المنطقة كجزء من التراث المصرى
خان الخليلي كرمز للمقاومة الشعبية
المنطقة المحيطة بالخان (خاصة حي الحسين والأزهر) شهدت انتفاضات شعبية ضد الفرنسيين مثل ثورة القاهرة الأولى (1798) حيث تجمع المصريون في الأزقة حول الخان للمقاومة
اختيار الرئيس الفرنسى الحالي إيمانويل ماكرون لزيارة خان الخليلى عام 2025 مع الرئيس السيسى اعتُبر رمزاً للتسامح لكنه أثار أيضاً ذكريات عن التوتر التاريخي بين مصر وفرنسا خاصة أن الحى كان ساحة للمقاومة والمواجهات خلال الحملة
الإرث الثقافى المشترك
رغم الصراع العسكرى خَلّفت الحملة الفرنسية تأثيراً ثقافياً على مصر مثل إدخال المطبوعات الحديثة (من خلال مطبعة الحملة) والتي ساهمت لاحقاً فى نشر المعرفة عن آثار مصر بما فيها مناطق مثل خان الخليلى
في العصر الحديث أصبح الخان نقطة تلاقى ثقافى حيث زاره الرئيس "ماكرون" كرمز للحوار بين الشرق والغرب في إشارة إلى تَحوّل العلاقات من الصراع إلى الشراكة
التناقض بين الماضي والحاضر
الحملة الفرنسية كانت غزواً عسكريا بينما زيارة ماكرون الأخيرة للخان هدفت إلى تعزيز التعاون الثقافى والسياسى والاقتصادى
كما ظهر في اختياره لتناول العشاء في أحد مطاعم الخان وتناوله الشاى على المقهى الذى كان يجلس عليه نجيب محفوظ ومعظم الأدباء والشعراء والكتاب المصريين والذى يمثل نموزج من الأدب المصرى المتأثر بالحوار مع الثقافة الفرنسية
خلاصة القول
ٱن العلاقة بين خان الخليلي والحملة الفرنسية هي علاقة "رمزية وتاريخية" تجمع بين ذكرى الصراع (كموقع للمقاومة والجهاد) والإرث الثقافى (كجسر للحوار لاحقاً)
وان المنطقة تحولت من ساحة حرب إلى أيقونة للتراث والتسامح كما تَجسّد في الزيارة الأخيرة لرئيس فرنسى يعيد كتابة صفحة جديدة من العلاقات السياسية والثقافية والتاريخية "والانسانية وهى من هم مكتسبات زيارة ماكرون إلى خان الخليلى" مع مصر محاسب جلال الزغاط
عضو الهيئة العليا لحزب الحرية المصرى وأمين عام محافظة القاهرة.
إضافة تعليق جديد