بقلم د/ سماح عزازي
في عالم تتسابق فيه الدول للترويج لمواقعها السياحية، وتُصرف فيه الملايين من أجل لفت أنظار العالم، وفي ظل التحديات الاقتصادية والظروف العالمية المعقدة يسعي العديد من الدول الي استخدام استرتيجيات تسويقية
مبتكرة لترويج لقطاع السياحة الذي يعد من اهم مصادر الدخل القومي لكن في مفارقه غير مألوفه استطاعت مصر
ان تجلب جميع الانظار علي المستوى العالمي من خلال زيارة غير تقليدية جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر لتكون حدثًا غير تقليدي، حيث تحوّلت إلى حملة دعائية هائلة لم يكن بإمكان مصر تمويلها من خلال الطرق التقليدية.
زيارة ماكرون الأخيرة إلى مصر لم تقتصر على كونها زيارة سياسية أو ثقافية فقط، بل كانت بمثابة "حملة تسويقية غير مباشرة" ضمنت لمصر ترويجاً واسع النطاق على مستوى عالمي، دون أن تتكبد الدولة أي تكاليف. فظهور الرئيس الفرنسي برفقة زوجته في أبرز معالم مصر الأثرية مثل معابد الكرنك ووادي الملوك، تحت شمس النوبة الذهبية، قد تحوّل إلى فرصة نادرة ساعدت في نقل صورة استثنائية عن السياحة المصرية.
هذه الصور التي انتشرت بشكل واسع على منصات الإعلام العالمي ومواقع التواصل الاجتماعي، تزامنت مع رسائل تأكيدية عن الأمان والاستقرار في مصر، وهو ما يعد أحد العوامل الأساسية التي يبحث عنها السائح في وجهات سفره اليوم.
منذ سنوات، عملت وزارة السياحة المصرية على ترويج الصورة الذهنية لمصر كوجهة سياحية آمنة وجذابة، لكن ما فعلته زيارة ماكرون كان بمثابة قفزة نوعية لهذه الجهود. كيف لا، وقد تم توظيف إحدى أبرز الشخصيات العالمية لإيصال هذه الرسالة إلى ملايين الفرنسيين والأوروبيين، لتصبح مصر في بؤرة اهتمام الإعلام العالمي. هذه الحملة الدعائية التي قام بها ماكرون، دون أن تدفع الدولة المصرية تكلفة مالية تذكر، يمكن وصفها بأنها "تسويق غير مباشر عالي التأثير"، وهو نوع من التسويق يصعب تحقيقه عبر قنوات الإعلام التقليدية التي تتطلب ميزانيات ضخمة.
التسويق للسياحة عبر الشخصيات العامة عادة ما يكون أحد أقوى الأساليب، ففي أوروبا وأماكن كثيرة حول العالم، تتسم الشخصيات السياسية والفنية بأنها محرك أساسي لتغيير التصورات العامة والتوجهات الثقافية. وماكرون، بوصفه رئيسًا لدولة كبرى، أرسل رسالة عالمية بأن مصر بلد آمن، وجاذب للسياح، ويجب على الجميع اكتشافه. إن هذه الصورة التي صُنعت خلال أيام قليلة من زيارة واحدة لا تقدر بثمن.
إذا أردنا تقدير تكلفة مثل هذه الحملة الدعائية من خلال الإعلانات في الصحف والمجلات، أو الحملات التلفزيونية، أو منصات الإنترنت في فرنسا مثلاً، فسنكتشف بسهولة أن ذلك كان سيتطلب ملايين الدولارات. ولكن ماكرون ببساطة قد جعل مصر محط أنظار السياح من خلال ما يمكن أن نطلق عليه "تسويق متكامل" حدث دون أي تكلفة مالية.
إن أهمية هذه الزيارة لا تقتصر فقط على دعاية مجانية لقطاع السياحة، بل تمتد لتؤكد على ضرورة استغلال الفرص الدولية التي قد لا تتكرر بسهولة. فالتوقيت، وسط الظروف العالمية الراهنة من تحديات اقتصادية وأمنية، جعل من هذه الزيارة فرصة ذهبية. حيث أن الدول التي تسعى لاستعادة قطاعاتها السياحية بعد جائحة كورونا قد وجدت في السياحة المصرية مرفأً آمناً ووجهة مميزة تستحق الاكتشاف من جديد.
وفي هذه اللحظة الفارقة، لا بد من استثمار هذا الزخم العالمي. علينا أن نعمل على تنفيذ حملات ترويجية استراتيجية في أسواق مختلفة، مستفيدين من نجاح هذه الزيارة في فتح الأفق للسياحة المصرية في أوروبا والعالم، وتوظيفها بما يعزز من صورة مصر كوجهة سياحية عالمية.
ليس هذا فحسب بل هذة الزيارة اضافت بعدا مهما في تعزيز ثقة السوق الاوربية في استقرار وامن الوجهات السياحية في مصر خاصة في ظل الظروف العالمية الراهنة ويعد هذا النوع من التسويق عبر شخصيات عالمية له تأثير غير مباشر ولكنه عميق في تغير التصورات السائدة
إن مصر ليست فقط غنية بتاريخها، بل تقدم أيضًا تجربة سياحية فريدة لا تُضاهى. ومع هذه الفرصة الاستثنائية التي خلقها ماكرون، يجب أن تكون لدينا الاستراتيجية المناسبة لتحويل هذه الزيارة إلى فرصة مستدامة تروج لمصر بشكل أوسع.
إضافة تعليق جديد