اليوم : الأحد الموافق 12 يناير 2025
الحمد لله رب العالمين على كل حال، الحمد لله المتصف سبحانه بالعزة والعظمة والجلال، نحمده تبارك وتعالى بالغدو والآصال، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد، فالشبيه محال، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله كريم الخصال، خير البرية أتقاها وأعدلها، سيد الرجال، اللهم صلي وسلم وبارك عليه، وعلى الصحب والآل، ما دام في الكون شخوص وظلال، أما بعد لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي زيادة في ثمن السلعة تسامحا منه وكرما لأن الدنيا لا تساوي عنده شيئا، وأما في القضاء، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذجا فريدا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغلظ له، فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم به، فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا، وإشتروا له بعيرا فأعطوه إياه،
قالوا لا نجد إلا أفضل من سنه، قال اشتروا فأعطوه إياه فإن خيركم أحسنكم قضاء" رواه مسلم، وبهذه الأخلاق كان الرجل لا يكاد يعامل النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويسلم إن كان كافرا، أو يزيد إيمانه إن كان مسلما، إننا يجب أن نكون دعاة بتعاملنا قبل أقوالنا، يجب أن نكون رحماء بإخواننا حتى تسود المودة، وينتشر الإخاء، لأن غياب التسامح يمزق شملنا، ويفرق جمعنا، وكان قيس بن عبادة من الأجواد المعروفين فمرض يوما فاستبطأ إخوانه في عيادته، فسأل عنهم فقيل له إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين، فقال أخزى الله مالا يمنع الإخوان من الزيارة، ثم أمر مناديا ينادي من كان عليه لقيس مال فهو منه في حل، فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه لكثرة من عاده وزاره، فإن التيسير له معاني كثيرة منها أن الله عز وجل لا يكلف الناس بما يطيقون، بل بما هو في وسعهم.
فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتأمل قول الله تعالي "إلا وسعها " كيف تجد تحته أنهم في سعة ومنحة من تكاليفه، لا في ضيق وحرج ومشقة، فإن الوسع يقتضي ذلك، فإقتضت الآية أن ما كلفهم به من غير عسر لهم ولا ضيق ولا حرج، بخلاف ما يقدر عليه الشخص فإنه قد يكون مقدورا له ولكن فيه ضيق وحرج عليه، وأما وسعه الذي هو منه في سعة فهو دون مدى الطاقة والمجهود، بل لنفسه فيه مجال ومتسع، ومنها أن العمل وإن كان فيه مشقة إلا أن الله تعالى يجعله سهلا بطرائق كثيرة، منها أنه يغير طبيعته الشاقة فيجعلها سهلة، كما ذكر الشيخ بالنسبة للقرآن الكريم ذكرا وتدبرا وفهما، ومنها أن يجد المؤمن في العمل لذة روحية، حتى إنه ليكاد ينسى ما فيه من مشقة، وإذا حلت الهداية قلبا نشطت للعبادة الأعضاء، ومنها أن يريد المؤمن تحقيق غاية يحبها.
لكنه يعلم أنها لا تتحقق إلا بعبادة معينة فيحرص عليها طلبا لتلك الغاية المحبوبة فتهون عليه، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على شكر ربه وهو شعور له لذة لا تعدلها لذة وهو الذي يسّر له هذا العمل الذي يبدو شاقا، ومنها أن الله عز وجل قد يزيل مشقات العمل حتي لا يكاد يبقى منها شيء، فأشق شيء على الإنسان أن يُقتل لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ما يجد الشهيد من مس القتال إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة " رواه الترمذي، وعليه فإذا كان الله تعالى قد تكفل بتسهيل العمل بما أنزل من أمر ونهي فكذلك يجب أن نفهمه نحن في ممارستنا له ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح مشيرا إلى هذه الممارسة " إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق"
وقال " إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره، إن خير دينكم أيسره" فعبارة خير دينكم هي إشارة إلى الدين الممارس لا الذي أنزله الله تعالى فإن ذلك ميسّر في أصله لا يحتاج إلى أن ييسّره إنسان.
إضافة تعليق جديد