بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله فتح باب التوبة للمذنبين، ووعد بحسن العاقبة للصادقين، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد ذكرت كتب السيرة النبوية الشريفة الكثير عن رحلة الإسراء والمعراج، وإن الأمة الإسلامية ينبغي عليها أن تدرك قدر المعجزات الربانية وأن تعي أن في دينها قدرا من الغيبيات تستلزم الإيمان والتسليم، ولقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ليلة الإسراء والمعراج فلما أصبح حدث الناس بما أراه الله من آياته الكبرى فإشتد تكذيبهم له واذائهم إياه وتعديهم عليه وقالوا إن العير لتطرد شهرا إلى الشام من مكة مقبلة وشهرا مدبرة.
أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة، ثم أراد المشركون إستغلال هذا الخبر في تضعيف نبوته صلى الله عليه وسلم وتوهين صحابته لكنهم واجهوا قلوبا قوية صادقة من أمثال أبي بكر رضي الله عنه، حيث لم يمنعه من التصديق واليقين لخبر الإسراء والمعراج إلا التوثق من صحة نسبته للرسول صلى الله عليه وسلم، فجاءته قريش فقالوا له يا أبا بكر هل لك في صاحبك يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة، فقال لهم أبو بكر إنكم لتكذبون عليه فقالوا بلى، ها هو ذاك في المسجد يحدث الناس به، فقال بإيمان الصادق المؤمن والله لئن كان قاله فقد صدق، وما يعجبكم من ذلك ؟ فوالله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار، وهذا أبعد مما تعجبون منه، ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة قال نعم، قال يا نبي الله فصفه لي فإني قد جئته يقول عليه الصلاة والسلام فرفع لي حتى نظرت إليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر والناس وكلما ذكر شيئا يقول أبو بكر صدقت، أشهد إنك رسول الله حتى إذا انتهى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وأنت يا أبا بكر الصديق فسماه يومئذ الصديق، فإن الصديق لم يسبق الأمة بكثير صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في قلبه، فأثمر الإيمان واليقين وإستحق به فضل الصحبة والقربى من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وعرف ذلك له المسلمون وأفصح عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا" فما أحوجنا عباد الله إلى إيمان كإيمان أبي بكر يحمينا به الله من الشكوك والإرتياب.
ويدفعنا إلى عمل الصالحات بأنفس راضية مطمئنة، ولقد سجلت كتب السيرة وكتب السنة بل القرآن العظيم سجل هذه الآية العظيمة والمعجزة البليغة في سورة كاملة، ولم يسجل لها تاريخ معين، ولم يعرف في أي يوم ولا أي شهر ولا أي عام تم الإسراء والمعراج ولم يرد في السنة تخصيص يوم أو ليلة للإحتفال بها ؟ فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم جاهلا بفضلها ؟ أو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم فضل هذه الليلة لكنه كتم الأمر ولم يخبر به أمته صلى الله عليه وسلم، فإن عدم ذكر تاريخ ليلة الإسراء والمعراج وعدم إخبار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عنها وعدم معرفة الصحابة بذلك التاريخ يدل دلالة واضحة على أن ذلك اليوم يمر كغيره من الأيام والليالي، ولو كان الإحتفال بها في ليلة مخصوصة قربة إلى الله تعالى لقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
مثل ما قال للأنصار حينما رآهم يحتفلون بيومين " لقد أبدلكم الله خيرا منهما يومي الفطر والأضحى" ولم يقل وليلة الإسراء ولو كان هناك ذكر وعبادة معينة في يوم أو ليلة الإسراء والمعراج لقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وحض عليه مثل ما حض على قيام ليلة القدر أو صيام الأيام البيض أو غير ذلك من الفضائل، ألا فاتقوا الله عباد الله وأعلموا أنه ليس في ليلة الإسراء ولا يومها فضل خاص ولا عبادة خاصة، فلا تخص بقيام ولا صيام ولا إحتفال فإن هذا كله من البدع وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
إضافة تعليق جديد