الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال، المتعالي عن الأشباه والأمثال، أحمده سبحانه وأشكره، من علينا بواسع الفضل وجزيل النوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه من خلقه، كتب الفلاح لمن إتبعه وإحتكم إلى شرعه، ففاز في الحال والمآل صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد لقد أمرنا الله عز وجل بالسعي والعمل، ولم يكن الأنبياء المطهرين عليهم السلام ومعهم الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم أجمعين في معزل عن العمل، بل اقتحموا الميدان على إختلاف مناشطه وجهوده، فعن نبي الله داوود عليه السلام، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم " ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده " رواه البخاري.
فقد كان نبي الله داود عليه السلام يعمل في صناعة الدروع الحديدية وما شابهها، ومن قصة نبي الله موسى الكليم عليه السلام في أرض مدين نجد أنه قد وافق أن يكون أجيرا، يعمل ويكد بعرق جبينه وهو من أولى العزم الكبار، وقد عمل جمع من أولى العزم من الأنبياء أيضا في رعي الغنم، وعلى ذلك سارت سنة الأنبياء الكرام يعملون ولا يأنفون، وكان لصحابة النبي الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد أعمال هم لها في المهن عاملون، فكان الصديق أبو بكر تاجر أقمشة وعمر بن الخطاب دلالا وعثمان بن عفان تاجرا وعلى بن أبي طالب عاملا، وكان عبد الرحمن بن عوف تاجرا والزبير بن العوام خياطا وسعد بن أبى وقاص نبّالا أي يصنع النبال وعمرو بن العاص جزارا وكان ابن مسعود وأبو هريره رضي الله عنهم.
لديهم مزارع يزرعونها وكان عمار بن ياسر يصنع المكاتل ويضفر الخوص، وهكذا كان أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لهم صنائع وحرف، وهناك في قلب المجتمعات مهن قد ظهرت وإستقرت تدور كلها في دوائر الإستهلاك المحلي ولا تسمن ولا تغني في بناء الأمم وصنع الحضارة، مثل المحلات التي تبيع الأدوات الإستهلاكية التي تعد في باب الترفيه، وإستشرت السوق الملتهبة بالبيع في طرقات الناس والقطارات، وتزيد أعداد الواقفين لا العاملين في توقيف السيارات وإغتصاب الشوارع من بعض الصبية لفرض إتاوات على الناس، والمتأمل يرى في سوق العمل عجبا، أفواج كثيفة متخرجة من التعليم العالي لكنها لا طموح لدى أفرادها في مجال التميز بالعمل المفيد الذي يعود بالتنمية الحقيقية على وطنه وأمته.
وإنما يعمل خريج الهندسة في مجال السياحة والمتخرج من الطب بالتجارة وهكذا في دوائر مفرغة لا يجدها المتابعون إلا بين ظهراني أمتنا، ومع أمواج البلاء الجارفة فقد ظهر مع هذا الجيل ظرفاء وهباء ينعتون أنفسهم بأنهم نشطاء، ولسنا ندري أين مكان الدراسة الذي يخرج هؤلاء النشطاء في بلادنا؟ وما هو نشاطهم الحقيقي في مجال العمل ونهضة الأمة؟ وما هم إلا أدوات تعمل لمصالح غريبة مشبوهة عن وطننا وعن ديننا، وظهر كذلك إستراق للمناصب والخبرات بإطلاق نعت الخبراء على كثير من المفلسين والسطحيين ومعهم كل من يعمل في صحيفة لا يعرفها أحد ثم يطلق عليه نعوت الإعلاميين المشهورين، ولا شك فإن سوق العمل في هذه المجالات يتأرجح بين نادر من الصدق وأمواج سخيفة من السطحية والغثاء.
إضافة تعليق جديد