رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 19 سبتمبر 2024 2:09 ص توقيت القاهرة

الحياة الطيبة لا تنتهي بالموت

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله شارح صدور المؤمنين، فانقادوا إلى طاعته وحسن عبادته، والحمد له أن حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، يا ربنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصلى اللهم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين أجمعين، ثم أما بعد قيل أن أحد الصالحين كان ينطلق إلى الرمضاء فيتمرغ فيها ويقول لنفسه ذوقي ونار جهنم أشد حرا، أجيفة بالليل بطالة بالنهار؟ وإن أحدهم رفع رأسه إلى سطح فرأى امرأة، فنظر إليها فأخذ على نفسه أن لا ينظر إلى السماء ما دام حيا، هكذا كان الصالحون من هذه الأمة يحاسبون أنفسهم عن تفريطها ويلومونها على تقصيرها، يلزمونها التقوى وينهونها عن الهوى عملا بقوله تعالى كما جاء في سورة النازعات " وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوي فإن الجنة هي المأوي " 

وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الليل حتى تفطرت قدماه الشريفتان، وسئل عليه السلام في ذلك فقال "أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا" رواه البخاري، فأي مجاهدة أكبر من هذه المجاهدة، وهذا هو الإمام علي رضي الله عنه يتحدث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وما أرى شيئا يشبههم كانوا يصبحون شعثا غيرا صفرا قد باتوا سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم وكانوا إذا ذكر الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه لولا ثلاث ما أحببت العيش يوما واحدا، الظمأ لله بالهواجر والسجود له في جوف الليل ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام.

كما يُنتقى أطايب الثمر، وعاتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه نفسه على تفويت صلاة عصر في جماعة وتصدق بأرض من أجل ذلك تقدر قيمتها بمائتي ألف درهم، واعلموا يرحمكم الله إن الحياة الطيبة تحرير للنفس من قيود المادة وأغلال الشهوات ثم تسبيحها في ملكوت الأرض والسموات، والحياة الطيبة سمو الإنسان عن حاجات جسده الفاني دون أن يهملها، والإستجابة لحاجات نفسه الخالدة دون أن ينسى حقوق الآخرين، وكما أن الحياة الطيبة لا تتراجع بتراجع صحة الجسد، ولكنها تتزايد بتزايد إقبال النفس على ربها، وكما أن الحياة الطيبة لا تنتهي بموت بل تبلغ أوجها به، والحياة الطيبة لا تضمنها أعراض زائلة كالمال والسلطان، ولكن يضمنها رب كريم، ومن بيده مقاليد السنوات والأرض والناس أجمعين. 

وقال أحد الصالحين والله أنا في سعادة لو علمها أبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف، وعن أشعث بن شعبة المصيصي قال قدم الرشيد الرقة، فإنجفل الناس خلف ابن المبارك، وتقطعت النعال، وإرتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد للخليفة فقالت هذا والله الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان، وقال ابن القيم يصف حال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يتنقل في أصناف من البلاء والاختبار، قال لي ذات مرة ويعني شيخ الإسلام ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أنى رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وكان يقول في محبسه في القلعة لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هذه النعمة، أو قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير، ونحو هذا. 

وكان يقول في سجوده وهو محبوس " اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله، وقال لي مرة المحبوس من حُبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه، ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال " فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمه وظاهره من قبله العذاب"

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.