رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 26 أبريل 2024 11:09 م توقيت القاهرة

الدكروري يكتب عن الزراعة وحياة البشرية " جزء 5

بقلم / محمـــد الدكـــروري

فقد أثبتت التقارير المخبرية التي أجريت على كثير من المواد الغذائية المستوردة من بلاد أخرى، أنها تحتوي على مواد ضارة وخطيرة على الصحة، ومن هنا يمكننا ان نعرف السبب الذي من أجله دعا النبي صلى الله عليه وسلم أمته للاهتمام بالزراعة، واعتبر ذلك العمل من قبيل العبادة التي تجلب الثواب لصاحبها، وصدقة جارية يصل ثوابها ويمتد إلى ما بعد الموت، وهذه الدعوة للاهتمام بالزراعة تعتبر من مفاخر الإسلام التي أظهرت تقدم المسلمين في كل الميادين العمرانية خاصة في تأمين الثروة الغذائية التي يحتاجها الناس ومن الإرشادات اللافتة في هذا الحديث الشريف التي تشجع على الزراعة، أنه جعل لصاحب الزرع صدقة على كل ما ينتفع من زرعه سواء أكل منه إنسان أو دابة أو طير، والأغرب من ذلك أنه جعل له ثوابا على ما يسرق منه سرقة، دون أن تكون له نية في نفع غيره من زرعه.

فما أعظمها من دعوة لإقامة العمران، وتشييد الحضارة من خلال تشجيع المسلمين على الاهتمام بالزراعة، حتى تتحول بلاد المسلمين إلى بساتين وجنات، توفر الغلال، وتؤمن فرص العمل للشباب وعندها تتمكن هذه الأمة من الاستغناء عن استيراد طعامها من بلاد أخرى قد تكون من أولئك الذين لا يضمرون الخير للمسلمين وما أعظمها من وقفة تربوية اخرى للمسلمين ليحسنوا من مستوى البيئة في بلادهم من خلال الزرع والتشجير اللذين يلطفان الأجواء، وينقيان الهواء وفي ذلك نفع كبير يعود خيره على هذا الإنسان البائس في هذا العصر الغريب الذي أفسد الإنسان فيه مجالات كثيرة، أثرت على صحته وباتت تشكل عوامل خطيرة تهدده في كيانه ووجوده، ولايمكن للإنسان الذي حمل هذه الأمانة الثقيلة والمسؤولية الكبرى أن يقوم برسالة عمارة الأرض واستخراج كنوزها والمحافظة على هذه البيئة نقية صالحة. 

من هواء ومياه وأشجار ونباتات إلا إذا واصل شكره العملي على هذه النعم ة لعله يضمن المزيد من خيراتها وبركاتها، ومما ورد في القرآن الكريم من التنويه بالزراعة قوله تعالى في سورة الذاريات "والأرض فرشناها فنعم الماهرون" أي أي بسطناها ومهدناها بين أيديكم ليسهل عليكم العمل فيها والانتفاع بثمراتها وخيراتها، وفي آية أخرى من سورة يس"وفجرنا فيها من العيون لياكلوا من ثمرة وما عملته أيديهم أفلا تشكرون" أي أن الله تعالى إنما أجرى العيون والينابيع في الأرض لتسقي بها الأراضي الزراعية، ثم تجني من ثمراتها وتنتفع بغلاتهاوقد ذكر الله ذلك في صدد الامتنان على البشر وتذكيرهم بالنعمة، وشكر نعمة الأرض إنما يكون بالإنفاع بها لابإهمالها على مرأى من المنعم، أي أن شكر نعمة الأرض التي فرشها الخالق تحت أرجلنا، وأجرى في جنابتها العيون والآبار القريبة من متناول أيدينا.

إنما يكون بالحرث والسقي والزرع والغرس، مع استعمال جميع الوسائل العصرية حتى تعطي إنتاجها أطيب، ومحصولا أغرز وأكثر، وكذلك زكاة ما تنبته منها، فقال تعالى في سورة البقرة "ياايها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ماكسبتم ومما أحرجنا لكم من الأرض" ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "من بنى بنياينا في غير ظلم ولااعتداء، أو غرس غرسا في غير ظلم ولااعتداء كان له اجره جاريا مانتفع به أحد من خلق الرحمان تبارك وتعالى" وإن ما ورد في فضل الغرس يتناول حتى من غرسه لعياله أو لنفقته، لأن الإنسان يثاب على ماسرق له وإن لم ينوي ثوابه، قال وكذا يثاب على ماتركه عجزا كالسنبل في الحصيدة إذا أكلته الدواب، ويقول القرطبي "لايبعد أن يدوم للغارس الثواب وإن انتقل إلى غيره إلى يوم القيامة" وقال بعصهم لايختص حصول الثواب بمن باشر الغرس والزراعة.

بل يتناول من استؤجر لذلك وتسبب فيه بوجه" وقال النووي "اختلف في أطيب الكسب فقيل التجارة وفي الزراعة وهو الصحيح، وقيل الصناعة باليد" وإن من نعم الله تعالى على عباده نعمة الأرض التي فرشها الخالق بين أيديهم وجعلها قرارا، وأجرى في مناكبها عيونا وانهارا، فأنبتت زروعا وثمارا، بعد أن أرسل الله السماء مدرارا ولا يمكن للإنسان الذي شرفه الله باستخلافه في الأرض، وحمله مسؤولية عمارتها أن يعيش فوقها إلا إذا قام بهذه الرسالة السامية، وذلك بالعمل المتواصل على استخراج كنوزها وخيراتها واستغلال مكنوناتها، وهذا لايتأتى له إلا بواسطة زراعتها وغرسها بجد ونشاط دائمين لعله يقوم بالأمانة الثقيلة التي حملها، وهي المشي والسعي في ارجاء الأرض بحثا عن الرزق الذي ضمنه الخالق عز وجل للمشتغلين ا لعاملين السالكين منها سبلا فجاجا.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.