رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

السبت 18 مايو 2024 8:21 م توقيت القاهرة

الدكروري يكتب عن المنهج المتوازن لرسول الله

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله فتح بابه للطالبين وأظهر غناه للراغبين، وبسط يده للسائلين، قصدته الخلائق بحاجاتها فقضاها، وتوجهت له القلوب بلهفاتها فهداها، وضجت إليه أصوات ذوي الحاجات فسمعها، ووثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعها، وطمعت بكرمه آمال المحسنين فما قطع طمعها، بابه الكريم مناخ الآمال ومحط الأوزار، لا ملجأ للعباد إلا إليه ولا معتمد إلا عليه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين فهدى الله به من الضلالة وبصر به من الجهالة وكثر به بعد القلة وأغنى به بعد العيلة ولمّ به بعد الشتات وأمّن به بعد الخوف فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد. 

إن رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم لم تكن شفقته بأصحابه ورقته بهم وحبه الغامر لهم يمنعه من تصحيح الخطأ وإقامة الحق وتنفيذ القصاص العادل معهم، فكان صلي الله عليه وسلم رجل متوازن يضبط مشاعره ويلجم عواطفه بلجام العقل والحق، فعندما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوفاة عثمان بن مظعون أسرع إلى بيته فقد كان عثمان رضي الله عنه من الصحابة القريبين إلى قلبه فبكى النبي صلى الله عليه وسلم عليه بكاء كثيرا ولكن عندما قالت زوجة عثمان رحمة الله عليك أبا السائب لقد أكرمك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم "وما يدريك أن الله أكرمه؟ والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي" فالدموع التي سكبها على عثمان ما كانت لتحول بينه وبين تصحيح خطأ أو على الأقل مبالغ فيه. 

فالوفاء شيء والحق شيء آخر، وكان هذا المنهج المتوازن، لازمة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى في سياسته لأهل بيته نعم كان يفيض حبّا لزوجاته، ويتفجر رقة وعذوبة لهن لكن ما كان يرضى أن يكون الحب لإحداهن مبيحا للاعتداء والتجاوز، فتقول السيدة عائشة رضي الله عنها ما رأيت صانعة طعام مثل صفية بنت حيي أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إناء فيه طعام وهو عندي "تعني النبي صلى الله عليه وسلم " فما ملكت نفسي أن كسرته فقلت يا رسول الله ما كفارته؟ قال "إناء بإناء وطعام بطعام" وكان صلى الله عليه وسلم زوجا يتودد إلى زوجاته ويتقرب إليهن، ويفعل كل ما يقوي الرابطة ويشد العلاقة، فكان إذا شربت عائشة رضي الله عنها من الإناء أخذه فوضع فمه على موضع فيها وشرب.

وإذا تعرقت عرقا وهو العظم عليه لحم، أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتعامل معهن ببشريته التي فطره الله عليها فلم يكن متكلفا متعنتا، وهذا سر عظمته، ومبعث الاقتداء بسيرته، فقد كان يتكأ في حجر عائشة ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها، وربما كانت حائضا، وكان يأمرها فتتزر ثم يباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خلقه أنه مكنها من اللعب ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده وهي متكأة على منكبيه تنظر، وكان ينزل إلى مستوى زوجاته، ويشبع رغباتهن فكان صلى الله عليه وسلم يسرب بنات الأنصار إلى عائشة يلعبن معها، وأكثر من هذا ما روته هي بنفسها تقول "سابقت رسول صلى الله عليه وسلم في سفر، فسبقته على رجلي، قالت فلما حملت اللحم سابقته فسبقني، فقال هذه بتلك السبقة" 

وكان صلى الله عليه وسلم يخفض لهم جناحه، ويفهم طبيعتهم السنية، فيداعبهم ويلاطفهم ويقبلهم، ويحتضنهم ويصبر عليهم، ويكره أن يقطع عليهم مرحهم وسعادتهم حتى ولو كان بين يدي الله تعالى، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن الحسن بن علي رضي الله عنهما دخل عليه وهو يصلي وقد سجد فركب ظهره فأبطأ في سجوده حتى نزل الحسن، فلما فرغ قال له بعض أصحابه يا رسول الله قد أطلت سجودك، فقال صلى الله عليه وسلم "إن ابني قد ارتحلني فكرهت أن أعجله"

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.