رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الخميس 30 يناير 2025 9:02 م توقيت القاهرة

الذي أنقض ظهرك

 
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لك يا رب العالمين، أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا فهو صلى الله عليه وسلم الذي ناداه ربه فقال "الذي أنقض ظهرك" أي بمعني أثقل هذا الوزر كاهلك، وأضنى ظهرك حتى كاد ينقضه ويوهنه، فالآن أذهبنا هذا الثقل وأزلنا هذه التبعة، وأعفيناك من هذا الخطب، وأرحناك من هذا الحمل، فاسعد بهذه البشرى، وتقبّل هذا العطاء، وافرح بهذا التفضّل، وهو صلى الله عليه وسلم الذي ناداه ربه فقال "ورفعنا لك ذكرك" أي بمعني لا أذكر إلا تذكر معي، يقرن ذكرك بذكري في الأذان والصلاة والخطب والمواعظ، فهل تريد شرفا فوق هذا؟ يذكرك كل مصلي وكل مسبّح وكل حاجّ وكل خطيب، فهل تطلب مجدا أعلى من هذا؟ 

فأنت مذكور في التوراة والإنجيل، منوّه بإسمك في الصحف الأولى والدواوين السابقة، إسمك يشاد به في النوادي، ويُتلى في الحواضر والبوادي، ويُمدح في المحافل، ويُكرر في المجامع، فرفعنا لك ذكرك فسار في الأرض مسير الشمس، وعبر القارات عبور الريح، وسافر في الدنيا سفر الضوء، فكل مدينة تدري بك، وكل بلد يسمع بك، وكل قرية تسأل عنك، فرفعنا لك ذكرك فصرت حديث الرّكب، وقصة السّمر، وخبر المجالس وقضية القضايا والنبأ العظيم في الحياة، ورفعنا لك ذكرك فما نُسي مع الأيام، وما مُحي مع الأعوام، وما شُطب مع قائمة الخلود، وما نُسخ من ديوان التاريخ، وما أغفل من دفتر الوجود، نُسي الناس إلا أنت، وسقطت الأسماء إلا إسمك، وأغفل العظماء إلا ذاتك، فمن إرتفع ذكره من العباد عندنا فبسبب إتّباعك ومن حُفظ إسمه فبسبب الإقتداء بك. 

فقد ذهبت آثار الدول وبقيت آثارك، ومُحيت مآثر السلاطين وبقيت مآثرك، وزالت أمجاد الملوك وخلّد مجدك، فليس في البشر أشرح منك صدرا، ولا أرفع منك ذكرا، ولا أعظم منك قدرا، ولا أحسن منك أثرا، ولا أجمل منك سيرا، فإذا تشهّد متشهّد ذكرك معنا، وإذا تهجّد متهجّد سمّاك معنا، وإذا خطب خطيب نوّه بك معنا، فاحمد ربّك لأننا رفعنا لك ذكرك، وهو صلى الله عليه وسلم الذي ناداه ربه فقال " فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا" أي إذا ضاقت عليك السبل وبارت الحيل، وتقطعت الحبال وضاق الحال، فإعلم أن الفرج قريب وأن اليسر حاصل، فلا تحزن فإن بعد الفقر غنى، وبعد المرض شفاء، وبعد البلوى عافية وبعد الضيق سعة وبعد الشدّة فرحا، فسوف يصلك اليسر أنت وأتباعك، فترزقون وتنصرون وتكرمون ويفتح عليك. 

ولكن ليس يسر واحد بل يسران، فإنها سنة ثابتة وقاعدة مطّردة أن مع كل عسر يسرا، بعد الليل فجر صادق، وخلف جبل المشقة سهل الراحة، ووراء صحراء الضيق روضة خضراء من السعة، إذا إشتد الحبل إنقطع، وإذا اكتمل الخطب ارتفع، فسوف يصل الغائب، ويشفى المريض، ويعافى المبتلى، ويفك المحبوس ويغنى الفقير، ويشبع الجائع ويروى الظمآن، ويسرّ المهموم، وسيجعل الله بعد عسر يسرا، وهذه السورة نزلت عليه الصلاة والسلام وهو في حال من الضيق، وتكالب الأعداء، وإجتماع الخصوم، وإعراض الناس، وقلة الناصر، وتعاظم المكر، وكثرة الكيد، فكان لا بد له من عزاء وسلوة وتطمين وترويح، فنزلت هذه الكلمات له ولأتباعه الى يوم القيامة وعدا صادقا وبشر طيبة وجائزة متقبلة.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.