الصامتون حين يصرخ القلب

بقلم/نشأت البسيوني 

ثمة وجع لا يرى لكنه يسكن كل نبضة في القلب
وجع يتسلل في هدوء يختبئ خلف العيون المبتسمة خلف الكلمات اللطيفة خلف أنا بخير التي تقال بألف وجع مكتوم
هو الوجع الذي لا يحكى لأنك إن نطقت به خفت أن ترهق من تحب وإن كتمته نزفت أنت حتى الهلاك

إنه وجع الصامتين أولئك الذين يضحكون الناس وهم يختنقون
الذين يربتون على أكتاف الآخرين وهم بأمس الحاجة إلى يد تربت على وجعهم
تراهم يمشون بثبات وكأن فيهم شيئا من الجبال
لكنهم في الحقيقة هشون كزجاج مرهق من الصدمات
يتقنون التظاهر بالقوة حتى يظن الناس أن الحزن لا يعرف طريقهم
ولا أحد يدري أن أرواحهم تمشي على حافة الانهيار كل يوم

كم مرة ضحكت لتخفي دمعتك
وكم مرة قلت كل شيء بخير وأنت على وشك الانفجار
كم مرة خبأت ألمك خلف نكتة حتى لا يسألوك ماذا بك
أتعرف لم يكن ذلك ضعفا بل نبلا
فأنت لم ترد أن تثقل على أحد ولم ترد أن تحمل غيرك ما لا يحتمل

لكن الحقيقة أن هذا الصمت يوجع أكثر من الكلام
أن الوجع الذي لا يقال يأكل صاحبه ببطء حتى يفرغ من نفسه
أنك حين تخفي ما فيك خوفا على الآخرين
تنسى أن نفسك أيضا روح تحتاج من يرفق بها

وفي عتمة الليل حين يخفت كل ضجيج من حولك
تبدأ الأصوات في صدرك تتحدث
كل كلمة كتمتها تصرخ كل دمعة حبستها تطلب حريتها
تجلس هناك تناجي الله بصوت مرتجف
يا رب أنت وحدك تعلم ما في قلبي أنت تعلم أني صبرت كي لا أؤذي أحدا
وأن وجعي ليس تمردا بل خوف على من أحب

تتذكر كل المرات التي طيبت فيها خاطر غيرك وأنت الموجوع
كل الليالي التي بكيت فيها حتى الفجر كي لا يراك أحد
كل المواقف التي ابتلعت فيها غصتك وقلت ما يستاهلش
ثم تبتسم رغم كل شيء
لأنك لا تعرف الكره ولا تجيد الرد بالوجع
بل تكتفي بأن تقول في سرك حسبي الله ونعم الوكيل

الصامتون هؤلاء هم أجمل الناس وأوجعهم
أرواحهم نقية لكن العالم قاس جدا عليهم
يعطون بلا حساب يساندون بلا شكوى
وإذا ما احتاجوا الكلمة التي اعتادوا قولها للآخرين
لم يجدوا من يقولها لهم

ومع ذلك ما زالوا يبتسمون
لأنهم يعرفون أن الله هو من يسمعهم حين يطول الصمت
وأن كل وجع صبروا عليه يكتب لهم نورا لا يطفأ

فيا أيها الموجوع بصمت
اعلم أن الله يرى دمعتك وإن لم تسقط
ويسمع أنينك وإن لم تنطق
ويبدلك يوما ما راحة تنسيك كل ما كتمته في صدرك

سيأتي وقت تشرق فيه من جديد
تضحك لا لأنك تخفي الألم بل لأنك نجوت منه
تتحدث لا لتبرر وجعك بل لتروي كيف جعل الله من صبرك سلاما

ابق كما أنت صامتا بكرامة نقي القلب رغم الجراح
لأن الذين يتألمون بصمت
هم الذين يزرع الله في قلوبهم نورا لا ينطفئ
حتى وإن مروا في العتمة ألف مرة
فهو وحده يعلم كم كان الوجع عميقا وكم كان صبرك عظيما