رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الجمعة 15 نوفمبر 2024 2:44 ص توقيت القاهرة

المبادرة بالتوبة قبل حلول الأجل

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين يا رب اللهم لك الحمد والشكر والثناء على جزيل إنعامك والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين والحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه وصلوات الله وسلامه على خير خلقه وأنبيائه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين ثم أما بعد إنه ينبغي علي العبد أن يبادر بالتوبة قبل حلول أجله، فإذا أيقن المسلم أن كل شيء بيد الله تعالى وحده وأن أجله محدود ومعدود فما عليه إلا أن يستعد لهذه اليوم الذي حتما سيسير فيه إلى ربه تعالى، ورحم الله الفضيل بن عياض إذ لقيه رجل فسأله الفضيل عن عمره فقال الرجل عمري ستون سنة، قال الفضيل إذن أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله، يوشك أن تصل.
فقال الرجل إنا لله وإنا إليه راجعون، قال الفضيل هل عرفت معناها؟ قال نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إلى الله راجع، فقال الفضيل يا أخي إن من عرف أنه لله عبد وأنه إلى الله راجع عرف أنه موقوف بين يديه، ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول فليعد للسؤال جوابا، فبكى الرجل وقال يا فضيل وما الحيلة؟ قال الفضيل يسيرة، قال ما هي يرحمك الله؟ قال أن تتقي الله فيما بقي، يغفر الله لك ما قد مضى وما قد بقي" والتوبة المقبولة لا بد وأن تكون قبل فوات الأوان، وذلك لأن المسوف يقضي دهره متعديا على حدود الله، مفرطا في جنبه حتى إذا جاءه الموت، وكشف عنه الغطاء، وعاين الأمور على حقيقتها يتحسر ويندم، ويتمنى التأخير، أو الرجعة إلى الدنيا ليتدارك أمره، وأنى له ذلك.
وقد ضاعت منه الفرصة وفات الأوان، فالإنسان لا يدري بما يختم له ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه " فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " رواه البخاري ومسلم، ويقول الشاعر يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليل، فتأهبي يا نفس، لا يلعبن بك الأمل الطويل، فلتنزلن بمنزل، ينسى الخليل به الخليل، وليحملن عليك فيه من الثرى حمل ثقيل، واعلموا يرحمكم الله أنه قد يؤدي التسويف إلى تراكم الأعمال، وتزاحم الأعباء، فلا يدري المرء أيها يقدم، وأيها يؤخر، ومن ثم يتشتت فكره ويضيع سعيه.
ويصبح أمره فرطا، ولا يمكن أن ينجز واجبا من الواجبات، فعلى المرء أن يسارع بالتوبة قبل حلول الأجل، وهذا هو عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وقد فرغ من دفن سليمان بن عبد الملك الخليفة الذي كان قبله، وإنتهى من الخطبة التي افتتح بها حكمه بعد أن بايعه الناس، ينزل عن المنبر ويتجه إلى بيته، ويأوي إلى حجرته يبتغي أن يصيب ساعة من الراحة بعد هذا الجهد، وذلك العناء اللذين كان فيهما منذ وفاة الخليفة سليمان بن عبد الملك، وما يكاد يسلم جنبه إلى مضجعه حتى يقبل عليه ولده عبد الملك وكان يومئذ يتجه نحو السابعة عشرة من عمره ويقول له ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ فقال يا بني، أريد أن أغفو قليلا، فلم تبقي في جسدي طاقة، فقال أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين؟
فقال أي بني، إني قد سهرت البارحة في عمك سليمان، وإني إذا حان الظهر صليت في الناس، ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله، فقال ومن لك يا أمير المؤمنين بان تعيش إلى الظهر؟ فألهبت هذه الكلمة عزيمة عمر، وأطارت النوم من عينيه وبعثت القوة والعزم في جسده المتعب، وقال ادنوا مني أي بني، فدنا منه، فضمه إليه، وقبل ما بين عينيه، وقال الحمد لله الذي أخرج من صلبي، من يعينني على ديني، ثم قام، وأمر أن ينادي في الناس ألا من كانت له مظلمة فليرفعها"

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.