الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، ودبر عباده على ما تقتضيه حكمته وكان بهم لطيفا خبيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وكان على كل شيء قديرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة وبشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد قال الله تعالى "لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا" فلنا القدوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الذروة في العبودية لله، والإنقياد لشرعه حين عرضت عليه قريش ما عرضت عليه مساومة له على دينه، فرفض إغراءاتهم بشدة ورضي بالسعادة التي كان يعيشها.
في ظل عبوديته لله وتبليغه لرسالة السماء، تذكر كتب السيرة أن قريشا بعثت إلىأبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض على ابن أخيه حطام الدنيا الفاني، قالوا إنك منا حيثقد علمت من الشرف في العشيرة والمكانة في النسب، وإن محمدا قد أتى قومك بأمر عظيم، فرق جماعتنا، وسب آلهتنا، وسفه أحلامنا، وإنا نعرض عليه أمورا لعله يقبل منها بعضها، فقال أبو طالب هاتوا ماعندكم، قالوا إن كان ابن أخيك يريد مالا جعلناه أكثرنا مالا، وإن كان يريد شرفا سودناه علينا حتى لانقطع أمرا دونه، وإن كان يريد ملكا ملكناه علينا، وإن كان يريد نكاحا زوجناه أجمل أبكارنا، وإن كان هذا الذي يأتيه رئيا يراه لا يستطيع رده عن نفسه، طلبنا له الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى يبرأ منه.
على أن يترك شتم آلهتنا وتسفيه عاداتنا، ولما عرض أبو طالب على ابن أخيه ما اقترحته قريش قال صلى الله عليه وسلم بلسان الواثق بالله الراضي عن ربه "يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري علىأن أترك هذا الأمر ما تركته إلا أن يأذن الله أو أهلك دونه" فما أعظمها من كلمات، وما أصدقها من مشاعر، وما أنبلها من أحاسيس، كيف يستبدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أدنى بالذي هو خير، كيف يستبدل ملذات الدنيا الحقيرة بالسعادة الحقيقية تحتظل توحيد الله والإيمان به، وهكذا يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله أنه لا سعادة إلا في طاعة الله عز وجل وإمتثال أمرهو إجتناب نهيه، فقال صلى الله عليه وسلم "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي"
وقال تعالى " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" واعلموا أن حب الوطن يظهر في إحترام أنظمته وقوانينه، وفي التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته، وحب الوطن يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته، وفي الإهتمام بنظافته وجماله، وحب الوطن يظهر في إخلاص العامل في مصنعه، والموظف في إدارته، والمعلم في مدرسته، حب الوطن يظهر في إخلاص أصحاب المناصب والمسؤولين فيما تحت أيديهم من مسؤوليات وأمانات، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمواله وثرواته، وحب الوطن يظهر في تحقيق العدل ونشر الخير والقيام بمصالح العباد كل حسب مسؤوليته وموقعه.
إضافة تعليق جديد