اليوم : الأحد الموافق 29 سبتمبر 2024
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد روي أن ملك الموت دخل على داود عليه السلام فقال من أنت؟ فقال ملك الموت أنا من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشوة، قال فإذًا أنت ملك الموت، قال نعم، قال أتيتني ولم أستعد بعد، قال يا داود، أين فلان قريبك؟ أين فلان جارك؟ قال مات، قال أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟ فهو الموت ما منه ملاذٌ ومهربن متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب، نؤمل آمالا ونرجو نتاجها وعلّ الردى عمّ نرجيه أقرب، فإلى الله نشكو قسوة في قلوبنا وفي كل يوم واعظ الموت يندب، وإلى الله نشكو قسوة قد عمت، وغفلة قد طمت، وأياما قد طويت، أضعناها في المغريات، وقتلناها بالشهوات فكم من قريب دفناه، وكم من حبيب ودعناه، ثم نفضنا التراب من أيدينا وعدنا إلى دنيانا، لنغرق في ملذاتها، بل ربما ترى بعض المشيعين يضحكون ويلهون.
أو يكونون قد حضروا رياء وسمعة بسبب الغفلة وقسوة القلوب، وإن المصائب مصائب، لكن المسلم إذا تلقاها بصدر رحب، وصبر ورضا عن الله جل وعلا، لا تكن تلك المصائب تخدر أعصابنا، وتمنعنا من التحرك والعمل، وأن نتخذ من المصيبة وسيلة إلى تعطيل أعمالنا، وترك واجباتنا، وتبديل مواعدنا، وإظهار الحزن الدائم، لا، هي تعزية، ودعاء للميت، ورضا بقضاء الله، أما أعمالنا ومواعدنا والتزاماتنا، فلا يجوز أن نلغيها لأجل ذلك لأن في هذا حذرا شديدا، وعلينا أن نعزي الميت، ونصلي عليه، ونقف بجانب أهله، لكن نعطل أعمالنا، أو نلقي باللوم على من لم يصبر معنا أياما معينة، نلقي عليه اللوم، ونصفه بالتقصير في حقنا، هذا أمر غير مشروع، فالبعض نراهم عند الميت يجتمعون ثلاثة أيام، ويعطلون أعمالهم، ومواعيدهم، وتكون هذا الأيام أيام أكل وشرب وتسلية، وترك للمواعيد، وإبطال لها، بدعوة أنها أيام عزاء، وهذا كله غير مشروع.
فعليك أن تسلم وتعزي وتنصرف، أما هذا الجلوس الدائم الطويل، وتعطيل الأعمال، وإلغاء المواعيد والإرتباطات، فكل هذا لا دليل يؤيده، فلنتقي الله في أنفسنا، واعلموا إن الله جل وعلا أعز هذه الأمة، ورفع قدرها، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، وأكمل لها الدين، وأتم عليها النعمة، وبعث فيها سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم وختم به الرسالات والشرائع كلها، ونسخ به الشرائع التي قبله، فيا أيها المسلمون كفى بالموت واعظا، ووالله لو كان الأمر سينتهي بالموت لهان الأمر، لكنه مع شدته وهوله، أهون مما يليه من القبر وظلمته، وكل ذلك هين إذا قورن بالوقوف بين يدي الله الكبير المتعال، في موقف ترتج له النفوس وتنخلع له القلوب، وقيل أن عثمان رضي الله عنه كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟
فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه قال، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما رأيت منظرا قط إلا القبر أفظع منه" فالقبر أول منازل الآخرة، فإن كان من أهل الجنة عرض له مقعده من الجنة وإن كان من أهل النار عرض عليه مقعده من النار ويفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعا ويملأ عليه نورا ونعيما إلى يوم يبعثون وأما الكافر فيضرب بمطرقة من حديد ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر فقال " من صاحب هذا القبر؟ فقالوا فلان، فقال صلى الله عليه وسلم " ركعتان أحبّ إلى هذا من بقية دنياكم" وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم.
" ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدها هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم" فإن غاية أمنية الميت المقصر أن يمدّ له في أجله ليركع ركعتين يزيد فيها من حسناته ويتدارك ما فات من أيام عمره في غير طاعة، فأين نحن من هذا المقام.
إضافة تعليق جديد