الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد إن الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم ممدوحا، فذو العرش محمود وهذا محمد صلي الله عليه وسلم، هذا الاسم الأعلم، إذا ذكر ذكرت معه الفضيلة في أجمل صورها، وذكر معه الطهر في أرقى مشاهده، وذكر معه العدل في أسمى معانيه، محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم هو إسم كتب بحروف من نور في قلوب الموحّدين، فلو شققت كل قلب لرأيته محفورا في النياط مكتوبا في السويداء، مرسوما في العروق، محمد صلي الله عليه وسلم هو صاحب الغرة والتبجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيد بجبريل، حامل لواء العز في بني لؤين وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي.
بشّرت به الرسل وأخبرت به الكتب وحفلت باسمه التواريخ، وتشرفت به النوادي، وتضوعت بذكره المجامع، وصدحت بذكراه المنائر، ولجلجت بحديثه المنابر، عصم من الضلالة والغواية، وحفظ من الهوى، فكلامه شريعة ولفظه دين وسنته وحي، سجاياه طاهرة وطبيعته فاضلة، وخصاله نبيلة، ومواقفه جليلة، وتواضعه جمّ وجوده عمّ ونوره تمّ فهو مرضي الفعال، صادق الأقوال، شريف الخصال، ليّن الجانب، سهل الخليقة، يسير الطبع، ظاهر العناية، ملحوظ بعين الرعاية، منصور الراية، موفق محظوظ، مظفّر مفتوح عليه صلي الله عليه وسلم أصلح الله قلبه، وأنار له دربه، وغفر له ذنبه صلي الله عليه وسلم، فهو المصلح الذي عمر الله به القلوب، وأسعد به الشعوب، وأعتق به الرقاب من عبودية الطاغوت، وحرّر به الإنسان من رقّ الوثنية، وهو الذي أعفى البشرية من التكاليف الشاقة، وأراحها من المصاعب، وأبعدها من المعاطب.
وسهل لها بإذن الله أمر الحياة، وبصّرها بسنن الفطرة، فهو رحمة للإنسان، إذا علّمه الرحمن، وسكب في قلبه نور الإيمان، ودلّه على طريق الجنان، وهو رحمة للشيخ الكبير، إذ سهّل له العبادة، وأرشده لحسن الخاتمة، وأيقظه لتدارك العمر وإغتنام بقية الأيام، وهو صلي الله عليه وسلم رحمة للشاب إذ هداه إلى أجمل أعمال الفتوة وأكمل خصال الصبا، فوجّه طاقته لأنبل السجايا وأجلّ الأخلاق، وهو رحمة للطفل، إذ سقاه مع لبن أمه دين الفطرة، وأسمعه ساعة المولد أذان التوحيد، وألبسه في عهد الطفولة حلة الإيمان، وهو رحمة للمرأة، إذ أنصفها في عالم الظلم، وحفظ حقها في دنيا الجور، وصان جانبها في مهرجان الحياة، وحفظ لها عفافها وشرفها ومستقبلها، فعاش أبا للمرأة وزوجا وأخا ومربيا.
وهو صلى الله عليه وسلم رحمة للولاة والحكام، إذ وضع لهم ميزان العدالة، وحذرهم من متالف الجور والتعسف، وحدّ لهم حدود التبجيل والإحترام والطاعة في طاعة الله ورسوله صلي الله عليه وسلم وهو رحمة للرعية، إذ وقف مدافعا عن حقوقها محرما الحيف ناهيا عن السلب والنهب والسفك والإبتزاز والإضطهاد والإستبداد، إذا فهو رحمة للجميع ونعمة على الكل، وكان إذا تكلم صلي الله عليه وسلم علا كلامه حدود النفس وتجاوز أقطار الروح، فغاص حديثه في أعماق الأفئدة، ونقش لفظه في صفحة الذاكرة، وخطّ على سويداء القلوب، وكان صلي الله عليه وسلم إذا ضحك ملأ المكان أنسا، وأتحف الحضور بشرا، وعبّأ جلاسه سعادة وحفاوة، وكان صلي الله عليه وسلم إذا بكى خشع لبكائه الناس، وذرفت كل عين مخزونها، وأخرجت كل نفس مكنوناتها، فكأن نذر القيامة على الأبواب، وكأن رسل الموت وقوف على الرؤوس، فلا ترى إلا دموعا وخشوعا وخضوعا وإطراقا.
إضافة تعليق جديد