اليوم : الخميس الموافق 10 أكتوبر 2024
الحمد لله الرحيم الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وعظيمنا محمدا عبده ورسوله سيد ولد عدنان، صلى عليه الله وملائكته والمؤمنون وعلى آله وأزواجه وخلفائه وجميع أصحابه ومن تبعهم بإحسان، ثم أما بعد، إن أمر الأمانة خطير جدا وما أكثر ما نرى من يصلي ويصوم ويزكي، وإذا جاء وقت الأمانة فهو خائن، فلا تقدر أن تمدحه، ولا تقدر أن تقول لمن سألك عنه فلان أمين، فضع مالك عند هذا الإنسان، لا تقدر أن تقول هذا الشيء، هذا في الدنيا، وهذه العقوبة يوم القيامة، فكم من الناس من يأتي يوم القيامة وهو خائن، فيأتي الذي إختلس مليون جنيه، والذي أخذ ألف جنيه، والذي أخذ جنيها واحدا والذي أخذ أقل من ذلك.
ويقال له هذه الأمانة فهات هذه الأمانة، فيهوي في النار ليأتي بها، فيحملها على منكبه، فإذا كاد أن يخرج زلت من على منكبه، ووقعت في النار، فينزل في النار ليأتي بها، ولا يزال كذلك أبد الآبدين إن لم يكن من الموحدين، ثم قال ابن مسعود رضي الله عنه الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة وأشياء عددها، وأشد ذلك الودائع، ويقول راوي الحديث فأتيت البراء بن عازب فقلت ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود رضي الله عنه؟ قال كذا وقال كذا، قال البراء صدق، أما سمعت الله تعالي يقول " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها " ويقول الشيخ الصالح أبو القاسم عبد الله بن أبي الفوارس محمد بن علي بن حسن الخزاز الصوفي البغدادي ببغداد سمعت القاضي أبا بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد البزاز الأنصاري يقول.
كنت مجاورا بمكة حرسها الله تعالى فأصابني يوما من الأيام جوع شديد لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع، فوجدت كيسا من إبريسم مشدودا بشرابة من إبريسم أيضا فأخذته وجئت به إلى بيتي، فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ لم أري مثله، فخرجت فإذا الشيخ ينادي عليه، ومعه خرقة فيها خمسمائة دينار وهو يقول هذا لمن يرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ، فقلت أنا محتاج، وأنا جائع، فآخذ هذا الذهب فأنتفع به، وأرد عليه الكيس، فقلت له تعالى إليّ، فأخذته وجئت به إلى بيتي، فأعطاني علامة الكيس، وعلامة الشرابة، وعلامة اللؤلؤ وعدده، والخيط الذي هو مشدود به، فأخرجته ودفعته إليه، فسلم إليّ خمسمائة دينار، فما أخذتها، وقلت يجب عليّ أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاء، فقال لي لا بد أن تأخذ، وألح عليّ كثيرا.
فلم أقبل ذلك منه، فتركني ومضى، وأما ما كان مني فإني خرجت من مكة وركبت البحر، فإنكسر المركب وغرق الناس، وهلكت أموالهم، وسلمت أنا على قطعة من المركب، فبقيت مدة في البحر لا أدري أين أذهب، فوصلت إلى جزيرة فيها قوم، فقعدت في بعض المساجد، فسمعوني أقرأ، فلم يبقي في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إليّ وقال علمني القرآن، فحصل لي من أولئك القوم شيء كثير من المال، قال ثم إني رأيت في ذلك المسجد أوراقا من مصحف، فأخذتها أقرأ فيها فقالوا لي تحسن تكتب؟ فقلت نعم، فقالوا علمنا الخط، فجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب، فكنت أعلمهم، فحصل لي أيضا من ذلك شيء كثير فقالوا لي بعد ذلك عندنا صبيّة يتيمة، ولها شيء من الدنيا نريد أن تتزوج بها، فامتنعت، فقالوا لا بل وألزموني، فأجبتهم إلى ذلك.
فلما زفوها إليّ مددت عيني أنظر إليها، فوجدت ذلك العقد بعينه معلقا في عنقها، فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه، فقالوا يا شيخ، كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها، فقصصت عليهم قصة العقد فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير، حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة، فقلت ما بكم، فقالوا ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية، وكان يقول ما وجدت في الدنيا مسلما إلا هذا الذي رد عليّ هذا العقد، وكان يدعو ويقول اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بإبنتي، والآن قد حصلت، فبقيت معها مدة ورزقت منها بولدين، ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولداي، ثم مات الولدان فحصل العقد لي فبعته بمائة ألف دينار، وهذا المال الذي ترون معي من بقايا ذلك المال، هكذا ساق هذه الحكاية يوسف بن خليل الحافظ في معجمه، وساقها ابن النجار في تاريخه، وقال هي حكاية عجيبة.
إضافة تعليق جديد