اليوم : الأحد الموافق 10 نوفمبر 2024
الحمد لله كما أمر، إقرارا بربوبيته وإرغاما لمن جحد به وكفر، وأُصلي وأُسلم على نبينا خير البشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، وبعد في شهر ربيع الأول من العام الثالث عشر من البعثة، وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا من مكة المكرمة البلد الأول للوحي، وأحب البلاد إلى الله تعالي ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكان إيذاء المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه سببا من أسباب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ولقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، فصبر وصابر، وتحمل من أذى قومه ما لا يقدر على تحمله الرجال أولو القوة، وحين تشاور المشركون في دار الندوة فيما يصنعون بالنبي صلى الله عليه وسلم، إما أن يثبتوه عندهم بالحبس ويوثقوه، وإما أن يقتلوه فيستريحوا بزعمهم من شره.
وإما أن يخرجوه ويجلوه من ديارهم، فكل أبدى من هذه الآراء رأيا رآه، فإتفق رأيهم على رأي رآه شريرهم أبو جهل لعنه الله، وهو أن يأخذوا من كل قبيلة من قبائل قريش فتى ويعطوه سيفا صارما، ويقتله الجميع قتلة رجل واحد، ليتفرق دمه في القبائل، فيرضى بنو هاشم ثم بديّته، فلا يقدرون على مقاومة سائر قريش، فترصدوا للنبي صلى الله عليه وسلم في الليل ليوقعوا به إذا قام من فراشه، فجاءه الوحي من السماء، وخرج عليهم، فذر على رؤوسهم التراب وخرج، وأعمى الله أبصارهم عنه، حتى إذا استبطؤوه جاءهم آت، وقال خيبكم الله، قد خرج محمد وذرّ على رؤوسكم التراب، فنفض كل منهم التراب عن رأسه، ومنع الله رسوله منهم، وأذن له في الهجرة إلى المدينة، فهاجر إليها، وأيده الله بأصحابه المهاجرين والأنصار، ولم يزل أمره يعلو حتى دخل مكة عنوة.
وقهر أهلها، فأذعنوا له وصاروا تحت حكمه، بعد أن خرج مستخفيا منهم، خائفا على نفسه، فسبحان اللطيف بعبده الذي لا يغالبه مغالب، وإن من دروس الهجرة النبوية الشريفة هو الثبات ويتجلى خُلق الثبات في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه من بين جحافل المتربصين به، فقد وقفوا على الباب وأشهروا السيوف ينتظرون اللحظة الفارقة التي يقضون فيها على الدعوة والداعية، ولقد نزل الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطمئنه، ويأمره بالخروج وسط المشركين دون خوف ولا وجل، فسوف يأخذ الله عز وجل بأبصارهم، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة المباركة وهو يقرأ صدر سورة يس، من أولها إلى قوله عز وجل " وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون " وإمعانا في السخرية من المشركين.
أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من التراب، ووضع جزءا منها على رأس كل مشرك يحاصر بيته، وهم لا يشعرون، ثم إنطلق إلى بيت الصديق رضي الله عنه لإستكمال تنفيذ الخطة، فهي بحمد الله إلى الآن تسير على ما يرام، وكان من الممكن أن يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من البيت قبل قدوم المشركين لكن الله عز وجل أراد ذلك لإثبات أن الأمر كله بيد الله عز وجل، وأنه دون توفيق الله عز وجل لا يتم أمر من الأمور، وأيضا ظهرت المعجزة الظاهرة في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثبات لا تزلزله الجبال، ولا يرهبه حجم الباطل، وهو يقرأ آيات من القران الكريم في ثبات صلى الله عليه وسلم وحين تقترب الأقدام من ثور، قال أبو بكر والله يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى موقع قدمه لأبصرنا.
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم مطمئنا له " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " فهذا مثل الثبات، وكما كان من سمات الصحابه هو الإيثار، ويتجلى ذلك الخُلق الكريم في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد استقبله الأنصار، وفتحوا له الديار، وآثروه هو وأصحابه على أنفسهم، فقد كانت الأخوة بين المهاجرين والأنصار بلغت ذروتها، وتميزت بالإيثار والتعفف، فكان الأنصاري يخيّر أخاه من المهاجرين أن يأخذ من أمواله ما يشاء، وكان المهاجري يتعفف أن يطلب بهلع وجشع، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لما قدم المهاجرون المدينة نزلوا على الأنصار في دورهم، فقالوا يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم نزلنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أبذل في كثير منهم، لقد أشركونا في المهنأ، وكفونا المؤنة.
ولقد خشينا أن يكونوا ذهبوا بالأجر كله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلا ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم به عليهم" وهذا هو الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف لما قدم المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وعند الأنصاري امرأتان، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال له بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق.
إضافة تعليق جديد