بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا، ثم اما بعد، ذكرت المصادر أن المفكر العالمي فوكو في تحليله للكاتب والمفكر ديكارت وكتابه وقيل بعد إنتهاء فوكو من قواعد ديكارت ينتقل الى التأملات حيث يرى أن ديكارت هو الذي أدخل التأملات الى الفلسفة ويرى أن للتأمل مقصدا أو غاية لإدراك موضوع ما، ومن تأمل المسألة الدينية يتضح أن يكارت لم يكن معارضا للموقف الديني السائد وإنما عارض الفهم الأرسطي للدين، كما عارض نزعة الإلحاد، لذلك فإن ديكارت لم يكن غريبا عن فكر عصره، وبينما يعد فوكو أن الميتافيزيقيا هي موضوع التأملات يبدو أن ديكارت.
كان يبحث عن دعائم ثابتة للعلوم مما ينفي عنه الهدف الميتافيزيقي المعلن ويحيل الى هدف التأملات التي تجعل العلم موضوعا، فداخل التأملات تتحول الميتا فيزيقا الى فلسفة أولى ثم الى عامة، وإن مسألة الفلسفة الأولى تحيل ديكارتيا حسب فوكو الى ضرورة إدراك زوال الميتافيزيقا العامة كبحث في الوجود بما هو موجود، كما أن النظر لا يتعلق بالنفس أو بالجسم منفصلين، بل بطبيعة الإنفصال بينهما وهذا يعني إنتهاء الفلسفة الأولى كمبحث انطولوجي، وبداية ثلاثة موضوعات هي الإله ومسألة الوجود والنفس والجسد وإنفصالهما، ومن تفحّص التأملات يتبين أن البنية السداسية للتأملات تحيل الى الشك والنفس والإله، الخاطئ والحقيقي، والإله وماهية الأشياء المادية، وفي إختلاف النفس عن الجسم، كما نجد التأملات من الأول الى الثالث.
تبيّن أن واقع النظر يمر من اللاتيقن من هذا الشيء الذي يقع خارجه، الإله، أو لعل الإله هو الشيء الوحيد الذي يقع خارج الأنا أفكر، على أن إثبات الذات ديكارتيا تبقى عقيمة إذ يفترض التفكير في هذا الخارجي وجوده، فإثبات هذا الإله الذي بإمكانه أن يجعل الإثباتات الأخرى ممكنة فالكل تابع للإله، ومن ذلك نتبين أن التأملات تحيلنا الى جملة ثنائيات مختلفة، وبعد أكثر من نصف الكتاب يبدأ فوكو بتحليل تأملات ديكارت من خلال نقل الأستاذ محسن صخري للدروس المعطات التي لا نستطيع ان نتبين من خلالها أي جديد في فهم التأملات الديكارتية كما وردت لديه بحيث يقف فوكو حياديا تماما، إن لم نقل أن نقل الدروس تلك تفيض بتشويش الذهن حول المعطى الديكارتي في تأملاته، وذلك بإستثناء رأي عام ورد أثناء الحديث عن التأمل السادس.
حيث يرى فوكو أن الديكارتية خلصت الفلسفة من الخطاب الأنطولوجي وأحدثت نمط معالجة الكينونة من منطق الإختلاف كما بدأت الفلسفة بالميل لصالح الماهية على حساب الكينونة واللقاء بين العقلاني والرياضي في التأملات جعل تأثير الرياضي يتجسد داخل الفلسفي ذاته على حساب الانطولوجي، ومن خلال قراءتنا السريعة لفوكو قارئا ديكارت نجد انه لم يعمق فهمه إياه من خلال القراءة تلك مما يجعلنا نرجّح أن فوكو لم يقدم جديدا لقراء ديكارت بدون وساطته وإن يكن قد حاول الإلتزام للوفاء بادعائه الذي تصدّر الدروس، أما الأستاذ محسن صخري فقد نجح من خلال فكرة كتابه بنقل دروس جامعية عن مدرس مثل فوكو لكنه تعثر بالاسلوب ولم يسعفه المخزون اللغوي بإنتقاء الألفاظ للتعبير عما يريد قوله كما أنه كان أمينا على النقل.
ولم يبدي سوى إكالة المديح لأستاذه من غير أن نجد مسوغا لذلك، ويعيش العالم المتقدم أزمة حضارة بسبب إفتقاده الوجهة أو الهدف الأكبر الذي يجذب إليه جميع مناشط الحياة، ويمنحها المنطقية والإنسجام، أما المسلمون فأزمتهم الأساسية، هي أزمة حركة في العالم، وأزمة شهود على العصر، فهم في أكثر الأحيان يتأثرون، ولا يؤثرون، ويأخذون من الحياة أكثر مما يعطونها وذلك بسبب إنخفاض إنتاجيتهم، وضعف إدارتهم لإمكاناتهم الشخصية والعامة.
إضافة تعليق جديد