رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الأربعاء 6 نوفمبر 2024 9:05 ص توقيت القاهرة

رسول الله وطلب العلم

بقلم / محمد عبد العظيم

 

الحمد لله رب العالمين، لايسأم من كثرة السؤال والطلب، سبحانه إذا سئل أعطى وأجاب، وإذا لم يسأل غضب، يعطى الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب ورغب.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وإليه المنقلب هو المالك وهو الملك يحكم ما يريد فلا تعقيب ولا عجب.
وأشهد أن خاتم المرسلين هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب نطق بأفصح الكلام وجاء بأعدل الأحكام وما قرأ ولا كتب.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير"
خلق الله تعالى الإنسان وفضله على كثير من المخلوقات ليعمر الأرض بالخيرات، فعلمه ما لم يكن يعلم، وأمره بالقراءة والتعلم والفهم، قال تعالى )اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم( وجعل سبحانه العلم صفة لازمة لأنبيائه ورسله الذين قاموا بمهمة التعليم لأقوامهم، فهذا خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام يقول لأبيه) يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا(وهذا يوسف الصديق عليه السلام يبلغ رسالة ربه لصاحبيه ويقول لهما ) ذلكما مما علمني ربي(وكان من أهداف بعثته صلى الله عليه وسلم أن يكون معلما، قال الله تعالى) ويعلمهم الكتاب(فكان صلى الله عليه وسلم نعم المعلم،
وقد حذر الله كل مسلم من القول بلا علم؛ فقال سبحانه" وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا " الإسراء:36 
ولأهمية العلم أمر الله رسوله أن يطلب المزيد منه فقال "وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا" طه:114
وقد مدح الله العلماء فقال " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ "الزمر:9.
وإنّ أحاديث الـرسول صلى الله عليه وسلم الواردة في شـأن العلم إنما هي تأكيد لما جاء في القـرآن الكريـم وتعضيد لعظمة مكانة العلم في الإسلام. ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: « طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»
فنص الحديث يدّل على أنّ طلب العلم فرض على كلّ مسلم، وهذا الفرض منه ما يطالب به كلّ مسلم على حدة فيكون فرض عين، مثل العلم بكيفية الصـلاة وكيفية أدائها على الوجـه الشـرعي. ومن العلم ما يكون طلبه من المسلمين عامة غير معيّن الأفراد، فيكن في هذه الحال فرض كفاية، ولاسيما إذا كان في أمور الدين فيطالب به من كانت له قدرة على ذلك وهو ما أشار إليه قوله تعالى: ((فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ لّيَتَفَقَّهُواْ فِى ٱلدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ((التوبة:122
ولقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم بيان الغاية من بعثته بقولـه:"إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا "
قال صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ في المسجد على برد له فقلت له: يا رسول الله إني جئت أطلب العلم، فقال" مرحبا بطالب العلم".
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (مَنْ سَلَكَ طَريقا يَبتَغي فيه عِلما سَلَكَ اللّهُ له طَريقا إلى الجَنّة وإنّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجنِحَتَها لِطالِبِ العِلمِ وإنّ العالِمَ ليَستَغفِر لَهُ مَن في السَماواتِ وَمَن في الأرضِ حَتّى الحيتانُ في الماء. وَفَضلُ العالِمِ على العابِدِ كَفَضلِ القَمَر على سائر الكواكِبِ ، إنّ العُلماءَ وَرَثَةُ الأنبياء ، إنّ الأنبياءَ لَم يُورِّثوا دينارا ولا دِرهَما ، إنّما ورّثوا العِلمَ فَمَن أخَذَ بِهِ أخَذَ بِحَظّ وافِر ” (رواه أبو داود والترمذي واللفظ له
ولا عجب أنْ روى أبوأسامة "رضي الله عنه" قال: ذُكر للنبي " صلى الله عليه وسلم" رجلان، أحدهما عالم، والآخر عابد، فقال صلى الله عليه وسلم" : فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم" (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح) وروى عنه حذيفة بن اليمان بلفظ: "فضل العلم خير من فضل العبادة" رواه الطبراني في الأوسط، والبزار بإسناد حسن.
ومن فضل العلم على العبادة: «أنه لا ينقطع بانقطاع الحياة، و لا يموت بموت أصحابه، فمن صلَى أو صام، أو زكّى أو حجّ أو اعتمر، فإن هذه لها مثوبتها الجزيلة عند الله تعالى، لكنها تنتهي بانتهاء أدائها والفراغ منها». أما العلم فإن أثره يظلّ باقيًا ممتدًا، ما دام في الناس من ينتفع به، مهما تطاولت السنون، وتعاقبت القرون.
لذلك قال " صلى الله عليه وسلم" : «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علمًا علّمه و نشره، وولدًا صالحًا تركه، أو مصحفًا ورَثه، أو مسجدًا بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته» (رواه ابن ماجة بإسناد حسن، والبيهقي، كما رواه ابن خزيمة في صحيحه(
وعن أبي رفاعة ـ رضي الله عنه ـ قال: «انتهيت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب، قال: فقلت: يا رسول الله! رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه، قال: فأقبل عليَّ رسول الله ( وترك خطبته حتى انتهى إليَّ، فأُتي بكرسيٍّ حسبت قوائمه حديداً. قال: فقعد عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته فأتم آخرها» رواه مسلم
عجيب والله! يوقف الخطبة، ويجلس للمتعلم! أي تكريم فوق هذا وأي حفاوة، وكم سيصنع هذا الأسلوب من رغبة في نفس المتعلم والطالب
يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" : «أيها الناس عليكم بطلب العلم، فإن لله رداء محبة، فمن طلب بابًا من العلم، ردّاه بردائه ذاك». وسأل رجل ابن عباس عن الجهاد فقال له: «ألا أدلك على ما هو خير لك من الجهاد؟ تبني مسجدًا تعلّم فيه القرآن، وسنن النبي " صلى الله عليه وسلم" والفقه في الدين».
وقال معاذ بن جبل "رضي الله عنه" : «تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، وهو الأنيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة، والدليل على الدين، والنصير على السراء والضراء، والوزير عند الخلاء، والقريب عند القرباء ومنار سبيل الجنة، يرفع الله به أقوامًا فيجعلهم في الخير قادة، سادة هداة، يعتدّ بهم، أدلة في الخير تقتفى آثارهم، وتُرمق أفعالهم، وتُرغّب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسهم، وكلّ رطب ويابس يستغفر لهم، حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، والسماء ونجومها.. إلى أن قال "رضي الله عنه" : به يُطاع الله، وبه يُعبد، وبه يُمجّد، وبه يُتورع، وبه تُوصل الأرحام، وبه يُعرف الحلال والحرام، وهو إمام والعمل تابعه، يُلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء».
وكان صلى الله عليه وسلم يخصص للنساء مجالس للعلم، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فتعلمنا مما علمك الله. فقال صلى الله عليه وسلم" اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا" فاجتمعن فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله.
وكذا كان المنهج النبوي في التربية والتعليم يقوم على التدرج ومراعاة الحال. 
تقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: «إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصَّل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر؛ لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا؛ لقالوا: لا ندع الزنا أبداً».
وعظ رجل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقال: إنه كان يقال إن استطعت أن تكون عالما فكن عالما ، فإن لم تستطع أن تكون عالما فكن متعلما ، فإن لم تستطع أن تكون متعلما فأحِبَّهم ، فإن لم تستطع فلا تبغضهم ، فقال عمر: سبحان الله لقد جعل الله لنا مخرجا
أسأل الله تعالى ان يعلمنا ما جهلنا ويجعلنا ممن يدلون عباده عليه وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه 

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.