زوجتى والأدب... My wife And Literature بقلم الأديب المصرى د. طارق رضوان جمعة

فى منزلى حياة متجددة، لا تشوبها الرتابة الزوجية أو الكأبة، فلا ينال منا الروتين الزوجى لله الحمد كله علانيته وسره، وبالمعوذتين نعيد ونزيد ونحتمى، ولك حواء أكتب لتقتضى، فترتوى وتتعلمى.
ف لزوجتى زوج أديب. وما الأديب إلا رجل يجيد نسج الحروف وصنع الكلمات فيرسم بها كل ما هو جميل ليريح النفوس المتعبة من زخم الحياة، ربما حبا فى الخيال وربما هروبا من واقع مهين. فلا تستهينى بقوة الكلمة فإن لها فعل السحر، فلها فى الروح والجسد دبيب، وتجعل من العهد بينك وبين زوجك صون عتيد. فكيف لأحد أن يقلل من شأن الكلمة وقد بلغ من أمرها ما بلغ: فالكلمة تؤرق مضجعا، تعكر صفوا، تبدل حالا، تريق دمعا، توحش أنسا، وتميت شعورا، تورث ضغينة، تفزع سكينة، وتأتى بما قد لا تقدر أن تأتى به خطوب الزمان...تفعل كل هذا او نقيضه.
ولأننى يا كرام أجيد بعض فنون الأدب، ف لزوجتى رصيد من الغزل يكفيها غذاء ونهرا لا ينضب. فأنا أسافر بها إلى مدن لك أزورها وأزمنة لم أشهدها. فنزور سويا الحى اللاتيني ، بينما نحن جالسين معا على أريكة واحدة فى بيتنا، فنمسح دمعة من خد (البؤساء) فنسعد بهم كما نتمنى أن نمسح دمع أهلنا فى فلسطين الحبيبة. أنا من جعلت لها من الصعب روضة... من زمن الكوليرا أمنا وأمانا لحبنا، فنداوى الم المجروحين ووجع المعذبين. وتارة أكون لها ناصحا ومعلما ومعينا فنزور البندقية لتتقى شر ( تاجرالبندقية) ولتعرف مكر اليهود أرباب الفتن والأذية، ولترى كم متعبة هى مهنة المحامية حين تؤمن بالقضية. سنسافر فى ( قطار الشرق السريع) إلى ( سمرفند) وسنرى فى طريقنا( ألف شمس مشرقة).
وأبحث معها عن ( لقيطة اسطنبول) وعن( زقاق المدق) فنلتقى ب (أولاد حارتنا). وسنشهد سويا ( الحرب والسلام). وأنا من علمتها( قواعد العشق الأربعون)، وأقمت على شرفها( وليمة من أعشاب البحر)، فدعوت لهذه الوليمة ( زوربا، هاملت، دون كيشوت، وأنا كارلينا) . وقام بدعوتنا الرائع شكسبير لتناول العشاء فى قصر (King Lear ) لنرى كم ماكرات بناته. ثم سنخرج فى حرس مهيب إلى الغابات ليرحب بناTarazan Of The Apes ) .ستفرح زوجتى واولادى برؤية (زوجات ويندسور) ، سيرون(Macbeth, Romeo and Juliet, Julius Ceasar ) . ستذكرون عنترة بن شداد حين يرون( Othello ) بسواده الشديد. سنستمتع بالحديث إلى الأقزام حين نصافحهم فى (The Lord Of The Rings). سنركب معهم (Black Beauty ) ليحكى لنا أسرار الخيل ورقة شعوره على لسان احدهم. سنرى مدى الظلم الذى تعرض له انسان فى (The Count Of Monte Cristo ).
سأنتهز الفرصة لأخبر زوجتى أنى أكتفيت بها ( مائة عام من العزلة)، فلا تظنى يوما أنى سأستبدلك ب( فتاة من ورق). فلا تخشى ( رياح الجنوب) لأنها ستجعل مشاعرنا تهيم فى( فوضى الحواس).
زوجتى زوجة أديب فهى اما ل عمر الخيام ، ولم تتأفف بل كانت شاكرة لمستشفى الولادة حين رفضوا تسجيل أبنائنا بأسماء ك ( اوشو، بورخيس، هاروكى، نيرودا) حتى بناتنا اخترنا لهم اسماء كلمات مثل( ونوكيا أو بلقيس). لم نسكن بلدة واحدة بفضل القراءة بل سكنا مدن عديدة فى أزمان كثيرة وفريدة فزورنا قرطبة واشبيلية وغيرهما.
زوجتى لا ينال منها العجب حين تجدنى أضع كتابا على وجهى فيطول هذا، فهى تعلم أن عيناى ترقرقت بالدمع عند قراءة فقرة قد تركت قلبى. وهى دوما لا تحزن حين تجد مكتبنا مليئة بالكتب بينما ثلاجتنا فارغة. فهى تعلم أن الإنسان يأكل ليعيش وليس يعيش ليأكل.
هى زوجة أديب تعلم كيف تصالحنى بكتاب او بسطر من كتاب حين يصيبنى الغضب.
وختاما فتحية وسلاما لكل زوجة داعمة لزوجها، لكل أبن له والد قارئ أو أديب. الان فى نهاية مقالى بات جليا لك حواء أنك إن أردت العيش بأكثر من مكان وزمان فتزوجى قارئ والأفضل فاخنارى لك شريك حياة أديبا.. رجل يكتب له حس وروح
ملحوظة ليس كل ما نكتبه يعبر عن واقعنا، إنما هو الأدب يا سادة، ففاقد الشىء يعطيه بغزارة.