
القس رفعت فكري سعيد
بين الحين والآخر يطفو على السطح الحديث عن أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا, وعند اشتداد الأزمات ينقسم البشر إلى فريقين, فريق سلبي لايبني سوى السدود ليصل الجميع لطريق مسدود, وفريق آخر إيجابي يسعى لبناء الجسور للوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف. والرئيس عبد الفتاح السيسي هو شخص إيجابي يسعى دائماً لبناء الجسور لا السدود, وقد تبين ذلك من خلال تهنئته لرئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد لفوزه بجائزة نوبل للسلام وكرر الرئيس التهنئه في الندوة التثقيفية التي نظمّها الجيش المصري الأحد الماضي، وأكد الرئيس على أهمية تجاوز أي معوقات بشأن مفاوضات سد النهضة سعياً للتوصل إلى اتفاق يحقق آمال وتطلعات شعوب الدول, وقال السيسي "اتفقت مع رئيس وزراء إثيوبيا أن نلتقي في موسكو حتى نتحدث في الموضوع ونتحرك للأمام حتى نحل هذه المسألة بشكل أو بآخر". ومما لا شك فيه إن اثيوبيا بعد نوبل آبي أحمد غير اثيوبيا قبلها، فعندما يجتمع دعاة السلام ومن يسعون لبناء الجسور فإنهم حتما سيصلون إلى حلول, فرئيس الوزراء الأثيوبي هو نتاج زواج مختلط لأب اثيوبي مسلم وأم اثيوبية مسيحية، وبعد الانفصال اختار الابن ديانة الأم وصار مسيحيًا، وحصل على جائزة نوبل للسلام لأنه مهندس المصالحة الكبيرة ففي عهده استعادت إثيوبيا وإريتريا علاقاتهما الطبيعية بعد عشرين عاماً من العداء والحرب الحدودية التي ارهقت كاهل البلدين, وفور استلامه السلطة رفع حال الطوارئ، وأطلق سراح السجناء السياسيين، وأوقف الرقابة على المواقع الاخبارية، وبرز نجمه على الساحة الإعلامية مؤخراً من خلال دوره في الوساطة التي قادها الاتحاد الافريقي في السودان بعد سقوط عمر البشير. والخبراء في الشأن الأفريقي يؤكدون أن أزمة السد يسهل الوصول لاتفاق بشأنها, فالأستاذ الدكتور إبراهيم نصر الدين أستاذ العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية العليا يرى أن هذا السد فيه فائدة كبيرة لمصر، لأنه سيحجز كل كميات الطمى التى تترسب فى بحيرة ناصر، وهذا يعنى إطالة عمر السد العالى لمدة ١٠٠ عام أخرى على الأقل، وأن مياه النيل فيها وفرة وليست ندرة، بمعنى أن معدل الإيراد السنوى لنهر النيل بفرعيه، النيل الأبيض والأزرق ١٦٦٠ مليار متر مكعب، يأتى من إثيوبيا ١٤٠٠ مليار، ومن المنطقة الاستوائية ٤٦٠ مليارا, ومصر والسودان لا تستهلكان إلا ٨٢ مليار متر مكعب، أى بمعدل ٦% من الإيراد السنوى للنهر، والباقى يضيع فى المستنقعات والبخر، وهذا معناه إننا لدينا وفرة فى المياه غير مستغلة, وأن غالبية دول الحوض، تعتمد بنسبة ٩٠ % فى زراعتها على المطر، وهى ليست بحاجة ماسة إلى المياه فى الزراعة لكى تؤثر علينا، هى فقط فى حاجة للكهرباء، والمشكلة الرئيسية في نظر الدكتور نصر الدين " أنّ هناك مُدركات تاريخية سلبية من كلّ دول القرن وبالذات من كلّ دول حوض نهر "النيل"، فما زالت "أثيوبيا" تتحدّث في كتبها وفي غيرها عن الـ Egyptian Imperialism حتّى تاريخه، وللأسف كتب التاريخ في "السودان" هي الأُخرى تتحدّث عن الاستعمار المصري - التركي للسودان ، وكذلك من يذهب إلى الفنادق الكُبرى في العاصمة الكينية يجد تصويراً لتمثال عربي يلبس العقال ويُسلسِل الأفريقي ويضربه بالسياط، وفي "تنزانيا" نجد في "زنزبار" أكبر مزار لما يُسمّى قاعدة التجارة العربية، تجارة الرقيق العربية, الصورة بهذا الشكل تقول إن هناك مُدركات سلبية بحُكم الاحتكاك العربي التاريخي مع هذه المنطقة وفيما يبدو أنّ هذه المدركات لاتزال مسيطرة على عقول النُخَب الحاكمة" . إن أزمة سد النهضة يمكنها أن تٌحل متى تفاوض الأشخاص المؤمنون ببناء الجسور لا المتفننون في إقامة السدود!!
إضافة تعليق جديد