إن الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه وتعالى على امتنانه ونشهد بأنه لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأن محمدا عبده ورسوله داع لرضوانه، وصلي اللهم عليه وعلى آله وخلانه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد هذا هو النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم لقد كانت البركة فيه ومعه وعنده صلي الله عليه وسلم فكلامه مبارك، فيقول الكلمة الموجزة فتحمل في طياتها العبر والعظات ما يدهش لروعتها العقل حسنا وبلاغة، ويلقي الخطبة فيجعل الله تعالي فيها من النفع والتأثير والبركة ما يبقى صداه في الأجيال جيلا بعد جيل، والبركة في عمره صلى الله عليه وسلم، فقد عاش ثلاثا وعشرين سنة في إبلاغ رسالته ليس إلا، فكان في هذه الفترة الوجيزة من الفتح والنصر والنفع والعلم والإيمان والإصلاح.
ما لا يقوم به غيره في قرون ولا دهور، ففي ثلاث وعشرين سنة فحسب، بلّغ الرسالة وأدى الأمانة وعلّم القرآن ونشر السنة، وقضى على الكفر، وأسس دولة العدل، وأقام أعظم حضارة راشدة عرفتها الإنسانية، وانظر الى بركة يوم واحد من أيامه صلي الله عليه وسلم وهو يوم النحر، وهو اليوم العاشر من حجه صلى الله عليه وسلم على سبيل المثال، ففي هذا اليوم الواحد صلى الفجر بمزدلفة ودفع الى منى وهو يلبّي ويذكر الله ويدعوه، ويعلم الناس المناسك، ويفتي الحجاج، ثم رمى جمرة العقبة، ثم حلق ثم نحر ثم ذهب الى المسجد الحرام فطاف، ثم صلى الظهر، وهو مع ذلك يرشد الناس ويوجّههم، هذا إلى صلاة الظهر فقط، مع أن وسيلة النقل ناقته صلى الله عليه وسلم، مع بعد المسافة.
وكثرة الزحام وحرارة الجو ووقوفه للناس يسألونه، فسبحان من بارك في لحظات عمره ودقائق حياته، وبورك له صلى الله عليه وسلم في آثاره، فقد مر بصاحب قبرين يعذبان، أحدهما كان لا يتنزه من البول، والآخر كان يمشي بالنميمة بين الناس، فشق صلى الله عليه وسلم عصا خضراء كانت معه وغرسها على القبرين وقال " أرجو أن يخفف عنهما من العذاب حتى تيبسا" رواه البخاري ومسلم، وهذا خاص به، ولا يكون إلا له صلى الله عليه وسلم، لما جعل الله فيه من البركة، وإن من بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قيل أنه مرض علي ابن أبي طالب بالرمد يوم خيبر، حتى أصبح لا يرى شيئا، فنفث عليه صلى الله عليه وسلم فأبصر بإذن الله تعالي في الحال لبركة دعائه ونفثه.
وكان الجيش في الخندق ألف رجل قد بلغ بهم الجوع مبلغا عظيما، فدعا جابر بن عبدالله رضي الله عنهما الرسول صلى الله عليه وسلم وثلاثة معه على عناق من ولد الماعز ذبحها وشيء من طعام الشعير، فدعا صلى الله عليه وسلم الجيش جميعا وسبقهم، ودعا على الطعام ونفث، ثم أدخلهم عشرة عشرة، فأكلوا جميعا وشبعوا جميعا وبقي الطعام بحاله، ووزع على أهل المدينة، فما بقي بيت إلا دخله من ذلك الطعام، فلا إله إلا الله، ويا لها من معجزة باهرة وآية ظاهرة على صدقه وبركته ونبوّته صلي الله عليه وسلم، وكما من بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه سافر معه جيش قوامه ألف وأربعمائة رجل، فإنتهى ماؤهم وأشرفوا على الهلاك،
وإنقطعوا في البيداء، فدعا صلى الله عليه وسلم بقربة صغيرة فيها قليل من ماء، فصبّه على يده الشريفة الطاهرة المباركة، فثارت من بين أصابعه أنهار الماء، فملأ الناس أوعيتهم وعبأوا قربهم وسقوا رواحلهم، وشربوا وتوضؤوا واغتسلوا جميعا، فحيّا الله ذاك الكف الطاهر المبارك الذي ما خان ولا غش ولا غدر ولا نهب ولا سلب ولا سرق ولا سفك.
إضافة تعليق جديد