الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، وأسعد وأشقى، وأضل بحكمته وهدى، ومنع وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى، والرسول المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى، ثم أما بعد إن الشريعة الإسلامية ميسرة لا مشقة فيها ولا عسر، فاقتضت حكمة الله تعالى أن تكون الشريعة الخاتمة عامة ميسورة يسهل فهمها وتعقلها والعلم بها لتسع الجميع إذ لوكان العلم بها عسيرا لكان من العسير على جمهور المكلفين بها أخذها ومعرفتها أولا، والامتثال لأوامرها ونواهيها ثانيا، وتظهر معالم التيسير للشريعة الإسلامية في مجالات كثيرة منها تيسير القرآن الكريم فقد جعل الله عز وجل القرءان ميسرا حتى يسهل الأخذ به وفهمه وتدبره وحفظه، ومعنى تيسير القرآن.
هو تيسير اللفظ وخلوه من التعقيد حتى يسهل حفظه وتسهل تلاوته على الألسن، ولم يكن شيء من كتب الله تعالى يحفظ على ظهر القلب غير القرآن، ومنه تيسير المعنى حتى يسهل فهمه وتدبره على الناس، ولذا يقول الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنه لولا أن الله يسره على لسان الآدميين، ما إستطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله، عز وجل، ولقد ضُرب لنا في القرآن الكريم نماذج رائعة تجسدت فيهم حقيقة الصبر، وإستحقوا أن يذكروا بصبرهم فيقتدى بهم الصابرون، فنجد في قصة نبي الله الخليل إبراهيم وإسماعيل عليهما التي حكاها الله تعالي لنا بقوله عن إبراهيم عليه السلام.
" وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين، رب هب لي من الصالحين، فبشرناه بغلام حليم، فلما بلغ معه السعي، قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم، وتركنا عليه في الآخرين، سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين، إنه من عبادنا المؤمنين" فمن أيهما تعجب من الأب الذي رأى في المنام أنه يذبح إبنه، أم من الابن الذي يستسلم لأمر الله تعالي طواعية واختيارا، فلقد كان الابن وحيد الخليل إبراهيم عليه السلام ولم يأته إلا على كبر فما ظنك بتعلق الأب بابنه، فإنه تعلق لا يوصف، ولكن تعلقه بالله عز وجل أعظم وطاعته لله تعالي فوق كل ذلك.
ولقد حطم الخليل إبراهيم عليه السلام كل نداءات الأرض لما جاء الأمر من السماء، وضرب للناس أروع الأمثال في الطاعة، ولقد كان الوحي في هذه المرة رؤيا فلم يتأولها الخليل إبراهيم عليه السلام لصالحه بدافع من غريزة الأبوة، ولكنه إمتثل وعرض على إبنه ما رأى عرضا في غاية الإيجاز والسهولة ولكنه يتضمن أمرا في غاية الخطورة، ولم يكن الابن صغيرا بحيث لم يري الأب من جدواه ما يجعله شديد التعلق به والإعتماد عليه، ولكنه بلغ مع أبيه السعي فأصبح فتى مفتول العضلات، قوي الساعد، وكانت إجابة الابن محيرة حقا، فلقد حسم الموقف بجملتين قالهما لأبيه خلدهما التاريخ له، وكانتا سببا في تدوين إسمه في الصابرين حيث قال تعالي " وإسماعيل وإدريس وذا الكفل، كل من الصابرين"
وقال إسماعيل عليه السلام " يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين" أي لا تأخذ رأيي ولا تنتظر مشورتي بل نفذ ما أمرت به، ثم لا ينسى أن يستمد العون من الله على حاله بالصبر فهو لا يعتمد على قوته وشدة جلده بل يسأله من ربه، وصدقا وأسلم الوالد ولده، وتله أبوه للجبين، وتهيأ للذبح وجاءت البشرى عند ذاك بعد أن حقق الابتلاء ثمرته "وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرءيا "
إضافة تعليق جديد