الحمد لله الرحيم الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدي والفرقان وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وعظيمنا محمدا عبده ورسوله سيد ولد عدنان، صلى عليه الله وملائكته والمؤمنون وعلى آله وأزواجه وخلفائه وجميع أصحابه ومن تبعهم بإحسان، ثم أما بعد، لقد قسم لنا العلماء الحياة أربعة أقسام فقالوا بأن حياء العبد من الله ومن الملائكة ومن الناس ومن نفسه، وأما حياؤه من نفسه فيكون بالعفة وصيانة الخلوات، وقال بعض الحكماء ليكن إستحياؤك من نفسك أكثر من إستحيائك من غيرك وقال بعض الأدباء من عمل في السر عملا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر، قال فيثاغورس إحذر أن تركب قبيحا من الأمر لا في خلوة ولا مع غيرك.
وليكن إستحياؤك من نفسك أكثر من إستحيائك من كل أحد، وقال الماوردي قال بعض الحكماء من عمل في السر عملا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر، ولقد إتصف الأنبياء والصالحون بخلق الحياء فقد جاء في وصف موسى عليه السلام أنه كان حييّا ستيرا، حتى كان يستر بدنه، ويستحي أن يظهر مما تحت الثّياب شيئا حتى مما ليس بعورة، وبسبب تستره الزائد، آذاه بعض بني إسرائيل في أقوالهم، فقالوا ما يبالغ في ستر نفسه إلا من عيب في جسمه، أو من أدرة هو مصاب بها، أي نفخة في الخصية، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن موسى كان رجلا حييا ستيرا، لا يرى من جلده شيء إستحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل.
فقالوا ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده، إما برص وإما أُدرة وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا يوما وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثم إغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول ثوبي حجر، ثوبي حجر حتى إنتهى إلى ملإ من بني إسرائيل، فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فو الله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا، أو أربعا، أو خمسا، فذلك قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسي فبرأة الله مما قالوا وكان عند الله وجيها " هذا الحديث رواه البخاري، وحياء موسى الزائد كان من همته العلية التي تنشد الكمال.
وقد رأى في ذوقه الرفيع أن ستر بدنه أكثر كمالا من كشفه، فكان يستحيي من كشفه للناس، كما أن وصف الحياء كان ملازما له صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في عثمان بن عفان رضي الله عنه "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة " مسلم، دليل على حيائه وهو خلق الأنبياء، فقد جاء عن خاتمهم صلى الله عليه وسلم "أربع من سنن المرسلين، الحياء والتعطر والسواك، والنكاح" رواه الترمذي، وهذا عثمان بن عفان رضي الله يقول صلى الله عليه وسلم فيه " وأصدقهم حياء عثمان " رواه الترمذي وابن ماجه، وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه خطب الناس يوما، فقال "يا معشر المسلمين، استحيوا من الله، فو الذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب الغائط في الفضاء متقنعا بثوبي استحياء من ربي عز وجل".
إضافة تعليق جديد