اليوم : الأربعاء الموافق 13 نوفمبر 2024
الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، والحمد لله الذي رضى من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه وحبيبه أما بعد إن الطريق إلي الله سبحانه وتعالي يكون أولا بالصبر وثانيا بالصلاة، فإذا قصّر الإنسان في هذا الطريق تأتي المعونة الإلهية، وإذا قصّر تأتي يد العناية الإلهية فتحمله على هذا الطريق، فقد يعينك الله تعالي على نفسك ببعض المصائب، ويعينك على نفسك وهي النفس شاردة، لأن النفس توّاقة إلى الدنيا، تواقة إلى ملاذها وإلى طيباتها وإلى بهرجها وإلى زينتها.
وتأتي يد العناية الإلهية فتعينك على نفسك وتعينك على أن تستقيم على أمره، فعن أبو هريرة رضي الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم "كل أُمتي يدخلون الجنة إلا من أبى فقالوا، يا رسول الله من يأبى؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" رواه البخاري، وهذا الذي يأبى أن يدخل الجنة لابد من أن يسوقه الله إلى الجنة بالسلاسل وما هي السلاسل ؟ هي المصائب، فيقول تعالي " ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع" أي بمعني نقص المواد أو إرتفاع الأسعار، أو الأرباح تتناقص والدخل يتناقص والمطالب تتعاظم والمكاسب تتصاغر، وتخاف من شيءٍ لا تعرفه وقلق دائم وتوتر عصبي دائم وتخاف في كل لحظة من مصيبة لا تنتهي، وتتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، ويقول تعالي " نقص من الأموال والأنفس والثمرات " فقد يفقد الإنسان طفلا غاليا عليه.
أو قد يفقد عزيزا، وقد يفقد الزوج زوجته، وقد تفقد الزوجة زوجها وقد يذهب الطفل في حادث أليم وهو أحسن أولاده، وقد يأتي صقيع فيذهب بالثمرات ويقول لك كنت سأضمّن هذا البستان بمائة ألف ودفع لي في هذا العام عشرة آلاف فقط، لذلك دخل النبي صلي الله عليه وسلم على رجل مريض، فقال هذا الرجل يا رسول الله ادعوا الله أن يرحمني، فقال صلي الله عليه وسلم "يا رب ارحمه" فقال الله عز وجل "كيف أرحمه مما أنا به أرحمه، وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه إلا إبتليته بكل سيئة كان عملها سقما في جسده أو إقتارا في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده حتى أبلغ منه مثل الذر" فما من عثرة ولا إختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما من عثرة، تمشي في الطريق فتعثرت قدمك، وما من عثرة ولا إختلاج عرق.
أي بمعني مرّت سيارة مسرعة كادت، فاضطربت ولم يحدث شيء، لكنك اضطربت نفسيا، ومعني ما من عثرة ولا إختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر، حتى أبلغ عليه مثل الذر فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه" والهدف هو أن تسعد إلى الأبد في جنة عرضها السماوات والأرض، والهدف أن تكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فإذا كُشف الغطاء إخترتم الواقع وإذا كشف الله عز وجل للمؤمن عند موته مقامه قال هذا المؤمن لم أري شرا قط ، كل ما ساقه الله له من مصائب في ماله وفي جسده وفي أولاده وفي زوجته وفي نفسه يراها محض فضل، وتمام نعمة، وتمام حكمة، ومحض محبة، أما سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فيقول والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا.
أي أن يقيني برحمة الله وحكمته قبل كشف الغطاء كيقيني بعد كشف الغطاء، لذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "ما أصاب عبدا مصيبة إلا بإحدى خلتين، بذنب لم يكن الله ليغفر له إلا بتلك المصيبة، أو بدرجة لم يكن الله ليبلغه إياها إلا بتلك المصيبة" فلننظر إلي حال طفل صغير يجلس على كرسي طبيب الأسنان، ما إن يضع شيئا في فمه حتى يصرخ ويتحرك ويضطرب وينزع نفسه من مقعد هذا الطبيب، لماذا ؟ لأنه لا يعلم أن هذا من أجله، ولمصلحته ومن أجل تسكين ألمه، لكن الراشد يجلس هادئا، ويضبط أعصابه ويتحمل الألم ثم يصافح الطبيب وينقده الأجرة ويصبر على الألم لأنه راشد، وهكذا الناس مع الله فالمؤمن العاقل يتلقى المصيبة بصبر جميل، ويراها محض رحمة، وحكمة وعدالة وعطف والجاهل يتكلم كلمات لا تليق بالله عز وجل قد يكفر بالمصيبة.
إضافة تعليق جديد