د \ نبيلة سامي
مناورات الطيران الأزرق ٢٠١٧ التي تم اختتامها مؤخرا تقدم أدلة على ما هو في أذهان الاستراتيجيين الإسرائيليين في لحظة من التوترات الإقليمية المرتفعة، يحللها اللواء/ أسامة الجريدلي
تدريبات "العلم الأزرق – 17 "( Blue Flag - 17 exercise) التى تنتهى هذا الأسبوع هى الأكبر في تاريخ إسرائيل ، والثالثه من نوعها حيث أجريت الأولى عام 2013 والثانيه عام 2015 ( تجرى فى إسرائيل كل عامين) ، حيث حضرها ممثلين عن 40 دولة بصفة "مراقب" ، و 8 دول مشاركة فعليا فى التدريبات ضمت حوالى ألف عنصر و 100 طائرة . تتمثل الدول الثمانية فى كل من " الولايات المتحدة الأمريكية" ( حوالى 200 عنصر من سلاح الجو الأمريكى – 7 مقاتلات من طراز Falcon F-16C تابعين لجناح المقاتلات 31 / السرب 510 بقاعدة Aviano الجويه بإيطاليا) ، و"الهند" ( تشارك بطائرة عمليات" C-130J special operations aircraft/ Super Hercules" وعلى متنها 45 عنصرًا من وحدة القوات الخاصة التابعة للسلاح الجوى الهندى والمعروفة باسم " Garud "( تناط بمهام حماية الأهداف الحيوية ومكافحة الإرهاب وعمليات إنقاذ الرهائن – يستخدمون من ضمن تسليحهم أسلحة صناعة إسرائيلية "البندقية الهجومية Tavor TAR-21 - بندقية القنص Galil - الرشاش Negev ) حيث يشارك 16 عنصرًا منهم فى تدريب "إنزال خلف خطوط العدو" لتنفيذ مهام ثم إعادتهم مرة أخرى" ، ولذلك الغرض تم دفعهم لتنفيذ تدريبات مشتركة مع القوات الإسرائيلية المماثلة "وحدة شالداج" و"القوات الهجومية المحمولة جوا" ، و"الوحدة 669 الخاصة بالبحث والإنقاذ" ، حيث تمركزوا فى كل من القاعدتين الجويتين "نفاطيم / شرق مدينة بئر سبع" ، و"بالماحيم/ على ساحل البحر المتوسط جنوب مدينتى "تل أبيب" و"بت يام" فى منطقة ناحال سوريك) ، و"ألمانيا " (عدد 6 طائرات من طراز " Eurofighter Typhoon ") ، و"فرنسا" ( 5 مقاتلات من طراز Mirage 2000AD ") ، و"إيطاليا" (5 طائرات من طراز " Tornado" ) ، و"بولندا" (6 طائرات F-16 ) ، و" اليونان " (5 طائرات F-16 ) ، فى الوقت الذى تشارك فيه "إسرائيل" بطائرات قتالية من طرازات " F-15/ F-16I / F-16C) .
تستهدف تلك التدريبات متعددة الأطراف تحسين أوجه التنسيق والتكامل والكفاءة التكتيكية للقوات الجوية بين كل من اسرائيل والولايات المتحدة من جانب والست دول الأخرى من جانب آخر ، ومن خلال تحديد التحديات أمام كافة الطائرات المشاركة ، وجعلها تعمل سويا بالرغم من تغيير شكل التدريبات بين الدول المختلفة والتي تملك كل واحدة منها تقنية طيران خاصة بها ، وبما يسمح بتوفير المشاركة الاستراتيجية التي تتيح فرصة التعلم والمهنية لجميع الأطراف المشاركة، وبالارتكاز على محاكاة سيناريوهات حرب جوية بين الدول المشاركة لتنفيذ مهام تدريبات جوية قتالية دفاعية وهجومية (تنفيذ حوالى 100 غارة جوية نهارية وليلية، واعتراض جوى ، ومهام حرب إليكترونية يوميًا ، فضلا عن كيفية التهرب من منظومات الدفاعات الجوية المضادة ، ومحاكاة التعامل معها وقصفها، ومواجهة طائرات بدون طيار معادية ، وبما يعكس فى مجمله توفير فرص الاستفادة سواء من تكتيكات ووسائل جديدة، أو من الخبرات المتبادلة، فضلا عن تحسين التعاون العسكرى من خلال العمل الجماعى للقوات الجوية المشاركة.
على الجانب المقابل ترتكز فكرة المشروع - فى إطارها العام - على المواجهة بين جانبين من القوات، الجانب الأول "القوات الحمراء" والذى يمثل العدو بقيادة السرب "الأحمر" الإسرائيلى رقم 115 ويضم مقاتلات F-16 وطائرات الهليكوبتر الهجومية Bell AH-1 Cobra والمسؤول عن تدريب أسراب السلاح الجوي الإسرائيلي ( متمركز بالأساس فى قاعدة "عوفدا" – يطلق عليه Dragon Squadron أو Red Squadron) والذى يتبعه لأغراض تلك التدريبات كل من بطارية صواريخ أرض/ أرض "باتريوت" لمحاكاة اعتراض وتدمير الصواريخ البالستية أرض/جو، ووحدات طائرات بدون طيار، عن طريق تبني تفكير العدو ونصب التحديات الاستراتيجية المشابهة للتهديدات الحقيقية في الميدان، أما الجانب الثانى "القوات الزرقاء" فيضم تشكيلات متغيرة لطائرات الدول المشاركه بما فيها إسرائيل .
وفى هذا السياق ، يمكن توضيح بعض الأبعاد ذات الدلالات المهمة:
أولا : مشاركة ثلاث دول " الهند ،ألمانيا ، فرنسا " لأول مرة مع إسرائيل فى هذه التدريبات مقارنة بالتدريبين السابقين، مع تضخيم إسرائيل لمغزى اشتراك طائرات من السلاح الجوي الألمانى في إسرائيل بالتركيز على اعتباره حدثا غير مسبوق على الإطلاق نظرا لما عاناه اليهود من جراء "المحرقة" النازية، مع إعطاء اهتمام خاص لمشاركه "الهند" وانعكاساتها على توطيد مجالات التعاون المتزايدة بين الجانبين خلال المرحلة الحالية خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء الهندى لإسرائيل فى يوليو 2017، وزيارة 3 قطع بحرية من الأسطول الغربى الهندي لقاعدة حيفا البحرية مؤخرا، والتنامى الواضح لصادرات اسرائيل العسكرية للهند فى مجالات متعددة.
ثانيا : ارتباط تنفيذ تلك التدريبات من قاعدة "عوفدا الجوية" بكونها أكثر القواعد الجوية في إسرائيل المهيئه لذلك (وقوعها بالجزء الجنوبى من صحراء النقب – بعدها وانعزال موقعها عن أى تجمعات سكانية – امتداد نطاق مناطقها التدريبية في اتجاهي الغرب حتى ماقبل قطاع غزة" بالتنسيق مع قاعدة "رامون" الجوية ، وفى اتجاهات الشرق والشمال والشمال الشرقي "منطقة وادى عربا") .
ثالثا : تزامن توقيت تلك المناورات مع تزايد أوجه التوتر على المستويين العربي والإقليمي (السعودية / إيران وحزب الله والحوثيين– توتر العلاقات اللبنانيه / السعودية على خلفية مجموعة من التطورات - تحذير بعض دول الخليج العربى لرعاياها بمغادره لبنان وعدم السفر إليها - استهداف السلاح الجوى الإسرائيلي لبعض مواقع القوات السورية وحزب الله في سوريا - عودة الحديث في إسرائيل عن عدم استبعاد الخيار العسكري للتعامل مع المنشآت النووية الإيرانية - التوتر السائد في قطاع غزة بعد تفجير إسرائيل مؤخرا لنفق بخان يونس مما أسفر عن مقتل عناصر من الجناحين العسكريين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينى، وما يتردد عن نوايا عسكرية إسرائيلية تستهدف القطاع .
رابعا : التقدير باهتمام كل من الجانبين الإسرائيلي والأمريكي بشكل خاص بكيفية التعامل مع المنظومات الصاروخية المضادة للصواريخ أرض/أرض والصواريخ جو / أرض ، وهو مايشكل دلالة خاصة فى ظل امتلاك "إيران" لمنظومة الصواريخ S-300 الروسية، وهو مايتضح مما يتضمنه المشروع من محاكاة تدريبية للتعامل مع بطارية صواريخ باتريوت المتمركزة جنوب "مركز الأبحاث النووية "ديمونا"، واشتراك إيطاليا بالمقاتلة ""Tornado المصممة أيضا لمهام الحرب الإليكترونية في محاولة لاستحداث وسائل جديدة لتحييد كفاءة بطارية صواريخ البتريوت .
خامسا: تلاحظ تمركز القوات الخاصة الهندية في قاعدتي "نفاطيم" و"بالماحيم" الجويتين لتنفيذ تدريبات مشتركة مع القوات الخاصة الإسرائيلية، وكلا القاعدتين يدخلان نطاق حماية وتأمين مركزي الأبحاث النوويين "ديمونا" و "ناحال سوريك / يافنيه" على التوالى ، وهو أمر لا شك يدخل فى إطار اهتمام إسرائيل فيما يتعلق بأيه احتمالات لتعاملها "خلف خطوط " إيران مع منشآتها النووية ووسائل حمايتها .
سادسا : استمرارية تطوير وتوطيد أوجه التعاون الإستراتيجى العسكرى بين إسرائيل والولايات المتحدة، خاصة فى مجال التعاون والتنسيق واكتساب الخبرات الجوية العسكرية، واشتراكهما فى العديد من المناورات الجوية التى يشارك أي منهما فيها .
سابعا : ما يعكسه إشراك الطائرات بدون طيار في التدريبات من حرص إسرائيلي – بشكل خاص– على اكتساب خبرات جديدة في التعامل الدفاعي معها ، خاصة في ظل تطور قدرات الجانب الإيراني في هذا المجال، ودعمه لحزب الله سواء بنوعيات منها، أو بتطوير إمكانياته الفنية والتصنيعية، وبما تخشى معه إسرائيل مما قد يطرحه ذلك من تهديدات على بعض أهدافها الحيوية المهمة
ثامنا: عدم إشراك إسرائيل لمقاتلات الجيل الخامس "F-35" الأمريكية الصنع فى التدريبات المشتركة، وبما يعكس عدم استيعابها بشكل كامل – حتى الآن - داخل السلاح الجوى الإسرائيلى، حيث من المرجح مشاركتها فى تدريبات "العلم الأزرق – 19" القادمة .
وبصفة عامة ، فمن الواضح استمرارية حرص إسرائيل على الاستمرار في عقد مشروع "العلم الأزرق" ، وتوسيع نطاق مشاركتها فى التدريبات العسكرية التي يمكن أن تتاح لها، دون قصرها فقط على تلك التي تتم بشكل ثنائي مع الجانب الأمريكي، لما يوفره لها محصلة نتائج تلك "المشروعات" من دروس مستفادة، واحتكاك بخبرات متنوعة، فضلا عن "استغلالها" لتطوير بعض علاقاتها الدولية.
إضافة تعليق جديد