رئيس مجلس الإدارة   
            د/ نبيلة سامى                   

                                               

          صحافة من أجل الوطن 

              (  مجلة مصر )

                             ( أحدث إصدارتنا)

الاثنين 21 يوليو 2025 11:10 م توقيت القاهرة

العرش المتأرجح فوق الرماد السوري.. بقلم د/سماح عزازي

في بلادٍ اعتادت أن تنهض من تحت الركام، تقف سوريا اليوم عند مفترق طرقٍ مصيري، أشبه برقصةٍ غجريةٍ على حافة السكين. لم يكن يوم التاسع والعشرين من يناير 2025 حدثًا عابرًا في روزنامة الشرق الأوسط، بل كان زلزالًا سياسيًا خالف كل التوقعات، حين ظهر اسم أحمد الشرع – ابن النظام القديم وابن المؤسسة الأمنية – ليُتوَّج رئيسًا لسوريا خلفًا لبشار الأسد، بعد أن عصفت رياح التحول من داخل بنية النظام نفسه.
في سوريا التي أنهكتها الحرب، وتاه فيها الولاء بين قوميات وأديان، وطوائف وأجندات خارجية، جاء الشرع بملامح الصقور ولغة الخلاص. لكن السؤال الأهم لم يكن: من يحكم دمشق؟ بل: هل ما تبقّى من سوريا قابل للحكم أصلًا؟
بين الرئاسة والتمرد مشهد السويداء الملتهب
على الرغم من مرور شهور على تولّي الشرع سدة الحكم، فإن الجنوب السوري، وبخاصة السويداء ذات الغالبية الدرزية، ما يزال يشهد حالة من التمرد المسلح والرفض العلني للسلطة المركزية. يتزعم الحراك هناك الشيخ رئبال الأطرش، حفيد سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى. وقد أعلن الأطرش ومعه مئات المقاتلين، العصيان على "دولة لا تمثلنا ولا تحمينا".
هذا التمرد، الذي بدأ بمطالب اقتصادية وحقوقية، سرعان ما ارتدى لبوسًا سياسيًا وطائفيًا، مع حديث علني عن اللامركزية أو الحكم الذاتي. ورغم محاولات أحمد الشرع احتواء الأزمة، فإن لغة السلاح والدم ما تزال طاغية على الحوار، خاصة مع تصاعد الاشتباكات في ريف السويداء، وسقوط قتلى بين المدنيين.
من دمشق إلى الجنوب دولة واحدة بوجوه متعدّدة
في مشهدٍ يعكس هشاشة الدولة، تبدو سوريا اليوم مقسمة إلى مناطق نفوذ لا تجمعها سوى خريطة مهترئة وذكريات وطن موحد. فالشمال الشرقي تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة من أمريكا. والشمال الغربي بيد فصائل المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا. أما الساحل والوسط فبين قبضة النظام والمليشيات الإيرانية. والجنوب... يغلي!
ورغم أن الشرع حاول تقديم نفسه كرجل المرحلة الانتقالية، جامعًا بين خبرته الأمنية وشعبيته النسبية في بعض الأوساط، فإن فشله في لملمة الشروخ الداخلية، والتعاطي مع ملفات اللامركزية، والملف الدرزي تحديدًا، جعل رئاسته تبدو كجسر مؤقت على نهر من الدم.
الموقف الإقليمي والدولي: الحذر يسبق الاعتراف
حتى اللحظة، لم تعترف كثير من الدول العربية والغربية برئاسة أحمد الشرع رسميًا، فيما تسير موسكو بخطى حذرة في دعمه، وترى فيه امتدادًا قابلًا للتوجيه أكثر من كونه زعيمًا مستقلاً. أما طهران، فهي تخشى أن يكون صعوده مقدمةً لتقليص نفوذها، خاصة بعد تصريحاته الأخيرة حول "ضرورة استعادة القرار الوطني المستقل".
الجامعة العربية بدت منقسمة في مواقفها. فبعض الدول، وعلى رأسها الجزائر والعراق، رحّبت "بتغيير الوجوه"، فيما التزمت مصر والسعودية الصمت الاستراتيجي، بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع على الأرض.
السويداء بين الحلم والخراب
اللافت في مشهد السويداء أن الحراك هناك لم يعد حكرًا على النخب أو القيادات الدينية، بل تحوّل إلى ما يشبه الانتفاضة الشعبية التي تغذيها أزمات الوقود والغذاء، وغياب الأمن، وتراكم الغضب من عقود من التهميش. ووسط هذا الغليان، يعلو صوت "الإدارة الذاتية" كبديل عن الدولة المركزية، وهو ما تعتبره دمشق خطًا أحمر لا يمكن التفاوض عليه.
وقد أشارت تقارير صحفية إلى أن أحمد الشرع أمر بإرسال تعزيزات إلى تخوم السويداء، لكنه لم يجرؤ – حتى الآن – على شن حملة عسكرية شاملة، إدراكًا منه أن دماء الدروز قد تشعل حربًا طائفية تطيح بما تبقّى من كيان الدولة.
حين يتحوّل الوطن إلى سؤال مؤجل
هل ينجح الشرع في إعادة لملمة الشظايا السورية؟ أم يكون مجرد رقم جديد في دفتر الانهيارات؟
هل السويداء هي الشرارة الأخيرة قبل الانفجار، أم بداية وعي جديد بمفهوم الوطن العادل؟
وهل نكتب اليوم نهاية الجمهورية العربية السورية كما نعرفها، أم بداية عهدٍ قد لا يُشبه ما سبقه؟
في كل هذا، تبقى سوريا – كما كانت دائمًا – جرحًا مفتوحًا في خاصرة الشرق، ووعدًا مؤجلاً بالحياة، تنتظر من يملك قلبًا لا يسقط في الفتنة، وعقلًا لا يبيع الحلم على قارعة السياسة.

تصنيف المقال : 

إضافة تعليق جديد

CAPTCHA
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
12 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.